علال الفاسي: زعيم الحركة الوطنية المغربية ورائد الإصلاح الديموقراطي

في زمن الرداءة والتراجع الذي نعيشه اليوم، يبرز نموذجٌ للنخبة التي نريد: علال الفاسي - رجل مفكر، عالم دين، أديب، وزعيم سياسي مغاربي قاد الحركة الوطنية المغربية. آمن بأن الأمم أخلاق وقيم ومبادئ؛ فإذا ذهبت هذه القيم ذهبوا.

يجسد هذا التقرير سيرة علال الفاسي الكاملة، من مولده في فاس عام 1910 إلى وفاته وهو يدافع عن فلسطين والصحراء المغربية عام 1974.

"الخطوة الأساسية في الاختيار الديموقراطي تتمثل في تحرر النخبة المفكرة من كل سلطة حسية أو معنوية لذوي المال أو ذوي الجاه وكل المنافع الموقوتة".. علال الفاسي.

المولد والنشأة

ولد علال الفاسي ابن المفتي عبد الواحد بن عبد السلام الفاسي الفهري يوم 8 محرم 1328هـ (20 يناير/كانون الثاني 1910) في مدينة فاس بالمغرب. عرفت عائلته بـ"أسرة بني الجد" واشتهرت بآل الفاسي الفهري، وقد هاجرت من الأندلس إلى المغرب هرباً من محاكم التفتيش. نشأ في بيت علم ودين؛ فوالده كان يُدرّس بجامعة القرويين ويعمل بالقضاء.

التحق بالكُتَّاب فحفظ القرآن، ثم بمدرسة ابتدائية حرة أسسها زعماء الحركة الوطنية. عام 1920 ولج جامعة القرويين، وتتلمذ على كبار العلماء مثل محمد بن العربي العلوي وأبي شعيب الدكالي، ونال شهادة العالمية عام 1351هـ/1932م.

المسار المهني والعلمي

التدريس والبحث العلمي

- أثناء دراسته بالقرويين عمل مُدرساً بالمدرسة الناصرية.

- بعد شهادة العالمية درّس بجامعة القرويين، ثم أستاذاً بكلية الشريعة بفاس، ومحاضراً بكليتَي الحقوق والآداب بجامعة "محمد الخامس" بالرباط، وبدار الحديث الحسنية.

- عضوية بمجمع اللغة العربية بدمشق ومجمع القاهرة.

الفقه والاجتهاد

بحكم اطلاعه الواسع على الفقه المالكي والمقارن، كان مقرِّراً عاماً بلجنة مدونة الفقه الإسلامي بعد الاستقلال، وله اجتهادات متميزة.

نضاله الوطني والسياسي

البدايات في القرويين

برزت شخصية علال الفاسي بجرأته وفصاحته. أسَّس وهو طالب "جمعية القرويين" لمقاومة المحتلين دعماً لكفاح عبد الكريم الخطابي.

مواجهة "الظهير البربري" (1930)

وهو وثيقة أصدرتها فرنسا باسم "الظهير المنظم لسير العدالة في المناطق ذات الأعراف البربرية"، وهدفت منه لفصل المغاربة الأمازيغ عن العرب. اعْتُبِر خطاب علال ضد الظهير البربري لحظة تحوّل؛ إذ دعا الجماهير للتظاهر مردّدين: «اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير…». اعتُقل ونُقل إلى تازة، لكن فرنسا أفرجت عنه وألغت الظهير.

النفي والسجن (1937‑1946)

بعد تأسيس الحزب الوطني (نيسان/أبريل 1937) ونضاله من أجل الإصلاح، نُفي علال إلى الغابون ثم الكونغو حتى 1946. خلال منفاه، قُدّمت وثيقة المطالبة بالاستقلال (11 كانون الثاني/يناير 1944).

النشاط الخارجي والتنسيق المغاربي

بين 1947 و1957 ساهم علال الفاسي في تأسيس مكتب المغرب العربي ولجنة تحرير المغرب العربي برئاسة عبد الكريم الخطابي، ودعا لوحدة مغاربية في مؤتمر طنجة (نيسان/أبريل 1958).

اقرأ أيضاً: محمد عبد الكريم الخطابي.. رمز النضال المغربي وملهم حركات التحرّر العالمية

معارضة مباحثات إيكس‑ليبان

رفض علال الفاسي محادثات إيكس ليبان (1955) معتبراً أنها منحت المغرب استقلالاً ناقصاً وأبقت الهيمنة الاقتصادية الفرنسية.

 علال الفاسي خلال الاستقلال

- عاد إلى المغرب سنة 1957، ترأس المجلس الدستوري لإعداد دستور 1962.

- تولى وزارة الدولة للشؤون الإسلامية (1961) قبل أن يستقيل عام 1963.

- قاد حزب الاستقلال في المعارضة، رافضاً حالة الاستثناء (1965) ودستور 1970.

الإنتاج الفكري والأدبي

على الرغم من النضال السياسي، ألّف علال الفاسي عشرات الكتب والمقالات، منها:

اللحظات الأخيرة والوفاة

توفي علال الفاسي يوم الاثنين 20 ربيع الآخر 1394هـ (13 مايو/أيار 1974) أثناء لقائه الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو؛ وكان آخر ما طالب به افتتاح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في رومانيا ودعم المغرب في مفاوضاته مع إسبانيا لـ "استرجاع الصحراء".

إرث علال الفاسي وأثره المستمر

- الوحدة المغاربية: كان يرى المغرب العربي وطناً موحداً، والعالم الإسلامي ساحة للتعاون.

- الديموقراطية والنخبة: دعا لتحرر النخبة من نفوذ المال والجاه.

اقرأ أيضاً: الأحزاب الإسلامية في المغرب: أزمة الدولة والدعوة