"إسرائيل" فقدت الشمال: مستوطنات مهجورة وطرقات خالية وهدوء قاتل ومشؤوم

تقارير إسرائيلية تسلّط الضوء على الواقع الذي يعيشه مستوطنو شمالي فلسطين المحتلة الذين يرفضون العودة إلى المستوطنات، التي باتت مهجورةً، ويسودها هدوء قاتل ومشؤوم، بفعل استهدافات حزب الله.

  • "إسرائيل" فقدت الشمال: مستوطنات مهجورة وطرقات خالية وهدوء قاتل ومشؤوم

سلّطت تقارير إسرائيلية الضوء على الواقع الذي يعيشه مستوطنو الشمال، الذين أخلى أكثر من 100 ألف منهم منازلهم، وعرضت شهاداتٍ لسياسيين وخبراء ومستوطنين بيّنت واقع الحال "الكارثي". وبرز في هذه الشهادات، قول رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، يائير لابيد، إنّ "إسرائيل"، بإخلائها مستوطنيها، أنشأت منطقةً عازلةً مع لبنان، من جانبها هي، و"هذا وضع غريب لا يمكن قبوله". كما برز تحذير رئيس شعبة العمليات في "الجيش" الإسرائيلي سابقاً، اللواء احتياط إسرائيل زيف، من أنّ "إسرائيل" تدفع ثمناً استراتيجياً في الحرب مع حزب الله، بإخلائها نحو 100 ألف نسمة من الشمال.

ونُشرت في "إسرائيل" أيضاً تقارير عن وضع المستوطنات شمالي فلسطين المحتلة، ورد فيها أنّ هدوءاً قاتلاً ومشؤوماً ومخيفاً يسود المنطقة، بحيث أصبح منطقةً مهجورةً. وعرضت التقارير أيضاً شهاداتٍ لعدد من مستوطني الشمال الذي أخلوا من منازلهم، تحدّثوا فيها عن الواقع السيء، والمشاعر التي تسيطر عليهم، فقالوا إنّ "إسرائيل" فقدت الشمال، وفي كل يوم يأتي إليه أشخاص مع سيارات شحن، يأخذون كل شيء، ويرحلون.

لابيد: أنشأنا منطقةً عازلةً بيننا وحزب الله.. في "إسرائيل"

في اجتماع عقده الخميس، مع "منتدى رؤساء مستوطنات خط المواجهة في الشمال"، انتقد رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، رئيس المعارضة، يائير لابيد، بحسب صحيفة "معاريف"، "الوضع الغريب الذي لا يمكن قبوله" في الشمال، بحيث يتم تنفيذ القرار 1701 عبر إنشاء منطقةٍ عازلةٍ بين "إسرائيل" وحزب الله، بصورة عكسية، من جانب "إسرائيل"، وليس من الجانب اللبناني، إذ بدلاً من دفع عناصر حزب الله بعيداً من الحدود، أخلت "إسرائيل" مستوطنيها.

وخلال الكلمة التي ألقاها في احتفال بذكرى تأسيس "الكنيست"، الأربعاء، قال لابيد إنّه يعيش في "إسرائيل" منذ 60 عاماً، و"هي لم تشهد وضعاً كهذا من قبل". وعلى الرغم مما تملكه "إسرائيل" من أقمار صناعية وطائرات "أف - 35"، إضافةً إلى امتلاكها وحدة "8200" للتجسس، أُجبر مئات آلاف الإسرائيليين على ترك منازلهم (في الشمال والجنوب على حد سواء)، و"لا أحد يملك جواباً عن سؤال متى يعودون"، وفقاً للابيد.

بدوره، حذّر رئيس شعبة العمليات في "الجيش" الإسرائيلي سابقاً، اللواء احتياط إسرائيل زيف، في مقابلة إذاعية، من الانجرار إلى ضرباتٍ متواصلةٍ وحرب استنزاف (من قِبل حزب الله)، فـ"إسرائيل تدفع ثمناً استراتيجياً، هو أغلى بكثير من الثمن الذي يدفعه حزب الله"، إذ إنّ 100 ألف نسمة من مستوطنيها خارج منازلهم في الشمال. ومن الناحية الاقتصادية، شُلَّت المنطقة، وفقاً له.

المنازل خالية من المستوطنين في الشمال

صحيفة "يديعوت أحرونوت" نشرت تقريراً عن وضع المستوطنات الشمالية، أشارت فيه إلى أنّ هدوءاً مخيفاً يسودها، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ولا يخرقه إلا أصوات انفجارات متواصلة. مراسل الصحيفة في الشمال، رَعنَن شكِد، وبعد جولة له في المستوطنات الشمالية، قال إنّ "الشمال أصبح منطقةً مهجورةً"، مضيفاً أنّ الشعور بالحرب في الشمال واضح.

ورأى شكِد أنّ "إسرائيل" على ما يبدو فقدت الشمال، على الأقل في هذه الفترة، فكل المستوطنات المحاذية للحدود تمّ إخلاؤها، ومعظمها مغلق. وأضاف أنّه يوجد في الشمال حزامٌ أمني، أُنشئ داخل "إسرائيل"، بحيث يتموضع الجنود فجأةً في كثيرٍ من مفارق الطرق، في أكشاك صغيرةٍ ومحصّنة، من أجل منع السائقين من مواصلة الطريق.

وختم شكِد تقريره بأنّ الشمال "أُفرِغ فعلياً، وصار مخيفاً، لذلك لا يُنصح بأن يأتي إليه أحد". وأضاف المراسل أنّ هدوءاً قاتلاً ومشؤوماً يسود المنطقة، فـ"يُمكن ركن السيارة في أي مكان، حتى في وسط الطريق"، لأنّه لا يوجد أحد كي ينزعج من ذلك، فالشوارع فارغة، وآثار الثعابين والقنافذ تُلحظ في أماكن كثيرة.

وفي تقرير أعدّه محلّل الشؤون العسكرية في "معاريف"، ألون بن ديفيد، وصف الأحوال التي تعيشها مستوطنة "كريات شمونة"، قائلاً إنّ "بواباتٍ حديديةً صفراء وُضعت في مدخلها الجنوبي، وعند تجاوزها، يدخل الإنسان عالماً آخر، إذ توجد خلفها مدينة أشباح فارغة من الناس".

وشبّه بن ديفيد الأمر "بعبور بوابة فاطمة في الأيام التي جلسنا فيها في الحزام الأمني جنوبي لبنان، إلا أنّ الشريط الأمني الآن يقع في إسرائيل، التي تقلّصت حدودها الشمالية بضعة كيلومترات إلى الجنوب، وهي تمتدّ الآن بين ناحل كازيف في الغرب، وتقاطع غوما في الشرق، وخلف ذلك منطقة أمنية حقيقية، كما كانت الحال في لبنان آنذاك".

"إسرائيل" تفقد الشمال.. ومستوطنوه لن يعودوا

نشرت "يديعوت أحرونوت" شهاداتٍ لعدد من المسؤولين ومستوطني الشمال الذي أخلوا من منازلهم، تحدّثوا فيها عن الواقع الذي يعيشونه، فقال رئيس المجلس المحلي للجليل الأعلى، غيورا زلتس، إنّه "صحيح أنّنا لم نفقد الشمال (نهائياً) بعد، لكننا قريبون جداً من هذا". وأضاف زلتس أنّ "نصف الذين تمّ إجلاؤهم تقريباً إلى الفنادق، غادروها ويبحثون عن حلٍّ آخر".

الصحيفة نقلت أيضاً عن الناطق باسم المجلس المحلي للجليل الأعلى، يائير باز، قوله إنّه من بين صعوبات العيش في الشمال، أنّه حتى "تطبيقات" زحمة السير ودليل الطرقات، "تفقد صوابها" ( في إشارة إلى تعطّلها) في الشمال، و"نحن لا نعلم ما إذا كان البثّ التابع لنا أو لحزب الله هو الذي يشوّش على التطبيقات".

وفي مقابلة مع موقع "القناة 14"، قال رئيس المجلس المحلي في مرغليوت، إيتان دافيدي، إنّه كان يتوقّع أن تكون مبادرات الحكومة الإسرائيلية ضدّ حزب الله "مناسبةً وقاسية"، إلا أنّه أدرك لاحقاً أنّ الحكومة الإسرائيلية "مرتدعة" من الجبهة الشمالية، "فهم يقولون لنا أن حزب الله لا يريد حرباً، ولماذا يريد الحرب، فهدفه قد أُنجز؛ أوجد حزاماً أمنياً داخل إسرائيل، ويطلق علينا النار، وأخلى 100 ألف لاجئ في عندنا". 

وأوجز رئيس المجلس المحلي في مستوطنة "المطلة" المحاذية للحدود مع لبنان، دافيد أزولاي، الواقع الذي يعيشه الشمال، وقال إنّ 10 عائلات غادرت المطلة نهائياً، والوضع الحالي (إخلاء سكان الشمال) "غير معقول"، وما قامت به الحكومة هو ببساطة "الاستمرار بالوهن والخضوع للأمين العام لحزب الله".

وأضاف أزولاي أنّه (في الشمال) "الحكومة تصل إلى الشمال، وتقول نحن سنعطيكم الأموال.. نحن لا نريد مالاً، نريد الأمن، وإعادة سكان المطلة إلى منازلهم"، وهؤلاء لم يبقَ منهم حالياً، بحسب "معاريف"، إلا 60 شخصاً من أصل 2000، يتوّلون حراسة المنازل، كمجموعات جهوزية، ولا "يستطيعوت حتى الذهاب للاستحمام في منازلهم الخاصة".

وفي السياق نفسه، نقلت الصحيفة عن مستوطن في الشمال، يدعى كامين بيوشر، قوله إنّ السابع من تشرين الأول/أكتوبر "لا يزال عالقاً في رأس الجميع.. أنا أعتقد أنّ ثلث السكان لن يعودوا".

اقرأ أيضاً: الجبهة الشمالية مع حزب الله.. كيف تؤثر في قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.