"تهديد الهدهد": رسائل قوّة وردع.. وإذلال لـ"إسرائيل"

حزب الله ينشر فيديو "الهدهد 2"، ما هي الرسائل العسكرية، والنفسية التي وصلت إلى "إسرائيل"، وسُمع صداها جيداً في إعلامها؟

  • "تهديد الهدهد" الجزء الثاني: رسائل قوّة وردع.. وإذلال لـ"إسرائيل"

بالتزامن مع ازدياد السجال في "إسرائيل" بشأن جدوى عمليات الاغتيال في لبنان وتكلفتها، أبدى معلقون في وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتماماً بنشر حزب الله مقطع فيديو جديداً، تحت اسم "الهدهد 2"، رأوا أنّه يتضمّن "تصويراً نوعياً من الجو" لمواقع متعدّدة في شمالي فلسطين المحتلة، ضمنها "منشآت حساسة" في حيفا والجولان المحتلَّين.

وكشفت القناة "الـ12" الإسرائيلية أنّ الرقابة في "إسرائيل" صادقت على نشر مقطع الفيديو المذكور، على الرغم من أنّه تضمّن مشاهد لقواعد لـ"الجيش" الإسرائيلي، ولمنشآتٍ أمنية.

وأضافت القناة "الـ12" الإسرائيلية أنّ تصوير مقطع الفيديو هذا تمّ خلال أكثر من طلعة جوية، في الأشهر الأخيرة. وتابعت أنّ أكثر ما يُقلق المستوطنين في الشمال هو أنّ مُسيّرة جمع معلومات استخبارية حلقت فوق مناطق آهلة، كـ"نهاريا" وعكا والجولان والعفولة، من دون أيّ عائق أو خشية من الإسقاط.

ولفتت القناة الإسرائيلية إلى أنّ حزب الله يُدير ضدّ "إسرائيل"، إلى جانب الحرب العسكرية، حرباً نفسية أيضاً، فهو يهدف، من خلال نشر مقطع الفيديو هذا، إلى ردع المؤسستين الأمنية والعسكرية و"الجمهور" في "إسرائيل" عن أيّ حربٍ مُستقبلية معه، كما يهدف إلى نقل رسالة، مفادها: "نعرف أين نهاجم، ونعرف إلى أين نصل". وأشارت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، في تقريرٍ أعدّته بشأن مقطع الفيديو، إلى أنّه "مُقلق ومُربك جداً".

وتعليقاً على نشر مقطع الفيديو، رأى الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية في "الجيش" الإسرائيلي، "أمان"، اللواء في الاحتياط، عاموس مالكا، أنّ ما قام به حزب الله هو "فعل إذلالي لإسرائيل".

وأضاف مالكا أنّ جزءاً من الحرب بين "إسرائيل" وحزب الله هو حرب نفسية، وجزء آخر هو حرب معلومات استخبارية، محذّراً من أنّه "ليس لدى إسرائيل ردٌّ على كل الأمور التي يمتلكها حزب الله"، على الرغم من أنّ المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين تعلمان بأنّ حزب الله يمتلك بنك أهداف في "إسرائيل"، كما يمتلك "بنك وسائل هجومية".

بدوره، قال الخبير في شؤون "الأمن القومي" الإسرائيلي، كوبي ماروم، إنّ لدى حزب الله قدرات أكبر، ويستطيع تحريك أسراب من المسيّرات، وإنّه سيفعل ذلك في الحرب إذا اندلعت، مضيفاً أنّه "يجب القول بصراحة: لدينا مشكلة في اعتراض مسيّرات حزب الله".

وفي تعليقٍ له بشأن مقطع فيديو "الهدهد 2"، رأى مراسل الشؤون العسكرية في القناة "الـ14" الإسرائيلية، نوعام أمير، أنّ هذا الفيديو يدلّ على قدراتٍ استخبارية عالية يمتلكها حزب الله، بحيث إنّ لا أحد في "الجيش" الإسرائيلي تفاجأ بقدرات حزب الله الجوية، والتي لا تقتصر على رؤية "إسرائيل" من الأعلى والتصوير والتحليل فحسب، بل تشمل أيضاً قُدرة جمع معلومات استخبارية عن المناطق التي ينتشر فيها الجيش الإسرائيلي، وهذا يفسر كيف يتمكن حزب الله من ضرب المناطق التي يوجد فيها الجنود الإسرائيليون، وإصابتهم بدقة.

وحذر أمير من أنّ طائرات حزب الله تتسلل منذ 9 أشهر إلى "إسرائيل"، من أجل جمع المعلومات الاستخبارية ببساطة، واستخدامها، كما يحدث الآن، لردع الجمهور ومتخذي القرارات في "إسرائيل".

وفي سياقٍ ذي صلة، أشار مراسل الشؤون العسكرية في قناة "كان" الإسرائيلية، إيتاي بلومنتال، إلى أنّ قادة سلاح الجو الإسرائيلي لا يزالون يحققون كيف أن طائرة تابعة لحزب الله نجحت في الدخول، خلال هذا الوقت الطويل، ووصلت إلى هذا العمق، داخل "إسرائيل"، من دون أي إزعاج، وتعود إلى الأراضي اللبنانية بأمان.

"لا جدوى في اغتيال قادة حزب الله"

وسلّط عدد من الخبراء والمعلقين في "إسرائيل" الضوء، في قراءاتهم وتحليلاتهم، على سياسة الاغتيال التي تنتهجها "إسرائيل" ضد مسؤولين في صفوف حزب الله، وعلى ردود فعل حزب الله عليها التي يرسم من خلالها معادلات جديدة.

وفي هذا السياق، أشارت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إلى أنّ "الجيش" الإسرائيلي يُسيطر على التكتيك (عمليات الاغتيال)، لكنّ حزب الله يلقّنه دروساً في الاستراتيجيا، فلقد "أنتجَ واقعَ مئة ألف لاجئ في الشمال، صادرَ حزاماً أمنياً داخله؛ عزَلَ منطقةً من "إسرائيل" منذ أكثر من 9 أشهر؛ وسّع المواجهة؛ وضع ميزان ردع إسرائيل في موضع شك".

وفي السياق، أشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في افتتاحيتها اليوم، بعنوان "حماقة التصفيات"، إلى أنّ عمليات الاغتيال في لبنان تتضمن مخاطرة برد من حزب الله يُمكن أن يؤدي إلى قتل إسرائيليين (وهذا ما حدث فعلاً). وتساءلت الصحيفة عن جدوى الاغتيالات وفائدتها، ومدى مساهمتها في استعادة الهدوء والأمن لـ"إسرائيل"، ولمستوطني الشمال.

وتساءلت الصحيفة أيضاً عمّا وصفته بـ"الحكمة السياسية في الاغتيالات، التي لم تنجح في تغيير معادلات التهديد"، مُشيرةً إلى أنّ التغيير المرجو منها لم يحدث لا في قطاع غزة، ولا في الشمال، بل دلّت أضرارها على عدم جدواها، وعلى غياب أي أفق في "إسرائيل".

ولفتت الصحيفة إلى أنّ مُنظمةً، كحزب الله، لديها القدرة على ملء الصفوف في أعلى القيادة، عبر أشخاص "أكثر تشدداً". وأشارت الصحيفة إلى أنّ عمليات الاغتيال صارت بديلاً من الإنجازات الاستراتيجية، وعلاجاً مهدئاً للمطالب في "إسرائيل" بشنّ حربٍ شاملة في الشمال.

وفي تقريرٍ لها، لفتت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أنّ جهات في "الجيش" الإسرائيلي تسعى (عبر سياسة الاغتيالات) للتصعيد من أجل الدفع إلى حرب لبنان الثالثة، على أمل أن يؤدّي القتال ضد حزب الله إلى ترميم الصورة المحطّمة لـ"الجيش" الإسرائيلي "المُهان".

ورأى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئل، أنّ القصف الانتقامي لحزب الله، بعمق 40 كيلومتراً عن الحدود مع فلسطين المحتلة، هو جزء من "نظام المعادلات لـنصر الله"، الذي يحاول تحذير "إسرائيل" من أنّه في كل مرة تهاجِمُ فيها أهدافاً عسكرية أو تغتال ناشطين، بعيداً عن الحدود، سيأتي "ردّ ملائم".

ولفت هرئل إلى أنّ ردّ حزب الله، الثقيل نسبياً، يفاقم علامات الاستفهام المتعلّقة بسياسة "الجيش" الإسرائيلي، إذ يبدو أن كبار المسؤولين فيه يواصلون التمسك بسياسة الاغتيالات، حتى لو لم يكن من الواضح القيمة المضافة التي تجلِبُها الآن في القتال، وفي الوقت الذي يسود قلقٌ معقولٌ مِنْ أنها تصعّد الوضع، وقد تجعل من الصعب تهدئته.

وفي سياق مُشابه، رأى البروفسور يغيل ليفي، في مقالٍ كتبه في صحيفة "هآرتس" أيضاً، أنّ من المشكوك فيه ما إذا كان أحد في "الجيش" افترض أن اغتيال مسؤول رفيع المستوى في حزب الله سيساهم في أمن مستوطني الشمال، فالقادة العسكريون الإسرائيليون يعرفون بوضوح أن هذا لا يقدّم أيّ مساهمة للأمن في الشمال، وهم يعلمون بأن الاغتيالات توفّر الوقود للتصعيد التالي، وغالباً ما تزيد في التشدّد، مع تسلّم شخصية "أكثر تشدداً" في موقع من تم اغتياله.

وأشار ليفي إلى أنّ سياسة الاغتيالات قد تكون "تفريغاً للإحباط" داخل "الجيش" الإسرائيلي، في ضوء الواقع الأمني الجديد: "إسرائيل لا تحقق أهدافها في غزة، وهي على وشك إنهاء الحرب مع بقاء حماس كما هي، بينما إسرائيل مرتدعة، حرفياً، عن عملية في لبنان".

وعلى صعيد الخبراء، برز كلام لرئيس هيئة الأمن القومي سابقاً، اللواء في الاحتياط غيورا آيلاند، قال فيه إن "عمليات الاغتيال لا تؤثر في قدرات حزب الله، وهذا لا يردعه". كما برز كلام مماثل للخبير في شؤون "الأمن القومي"، العقيد في الاحتياط كوبي مروم، قال فيه: "نحن في مأزق استراتيجي. تفعيل هذه النيران وعمليّات الإحباط، ليس أنّها لا تغيّر الواقع ولا تردع حزب الله فقط، بل أنّها، أيضاً، وفق مفهوم معيّن، تُدخِل مزيداً من آلاف سكّان الشمال في دائرة النار".

 

اقرأ أيضاً: "هآرتس": ما المقلق في فيديوهات حزب الله؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.