"غزة في روايات الحرب": استحضار الماضي عبر نافذة المدينة

بودكاست "غزة في روايات الحرب" من إعداد وتقديم رانا أبي جمعة، ينطلق من غزة كمحور لكل أفكاره، عبر استحضار قصص من الماضي، تحضر فعلياً في حديث المدينة وفعلها.

  • "غزة في روايات الحرب": استحضار الماضي عبر نافذة المدينة

غزة التي تعاني من همجية الاحتلال الإسرائيلي، ومن يقف خلفه داعماً آلة حربه بالسلاح والمال، باتت تعدّ اليوم كتاباً يدرّس حول العالم، بما يحمله من صور وروايات.

ولأنها كذلك، فإن كل صفحة من صفحات صمودها في وجه الوحشية الإسرائيلية، تعيد بنا الذاكرة إلى محطات النضال العربي والعالمي ضد الاستعمار بكل أشكاله.

ويأتي بودكاست "غزة في روايات الحرب" عبر الميادين بودكاست ليستحضر لنا الماضي من خلال روايات كتبَت عن حرب ما، للقول إنّ الماضي ليس ماضياً فقط، إنما هو اليوم حاضر في غزة قولاً وفعلاً.

البودكاست من إعداد وتقديم رانا أبي جمعة، التي تحدثت للميادين نت عن الفكرة، والمواضيع التي ستقدم من خلال هذه النافذة، مؤكدةً  أنّ غزة هي محور كل فكرة.

ما الذي نريد إيصاله من خلال بودكاست "غزة في روايات الحرب"؟

بداية، لا بد أن ننطلق من حقيقة أن ما يحصل في غزة ليس حرباً عابرة أو عادية. غزة اليوم تقف في وجه "إسرائيل" وكل من يدعمها من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. ما يراد قوله عبر هذا البودكاست إن آلة الحرب هي نفسها خلال القرن الماضي وما قبله، وأن ذهنية الاستقواء والتحكم بمصائر الشعوب لم تتغير. الفرق أن ما نراه ونعيشه اليوم هو حرب مكثفة على جميع المستويات. 

بلداننا عانت على مدار عقود، بل وقرون، من الاستعمار بمختلف أشكاله، فكيف يكون إذاً عندما تواجه فلسطين أسوأ أنواع الاستعمار، وهو الاحتلال الاستيطاني، الذي يهدف إلى إبادة أصحاب الأرض، والتخلص منهم. 

هذه المعاناة الطويلة لشعوبنا، كما قلنا، انضوى فيها كل أشكال العنف والإجرام والتخريب؛ في الجزائر كان قطع الرؤوس هو ديدن الاستعمار الفرنسي، ولسخرية الأقدار يتمّ تلفيق الأكاذيب وحياكة القصص المتخيلة عن المقاومين الفلسطينيين، وفي العراق تعرّضت البلاد للقصف بأحدث الأسلحة الأميركية آنذاك، ليتم تسليم النسخ الأحدث منها اليوم إلى "إسرائيل" لتلقيها على غزة.

بودكاست "غزة في روايات الحرب" لا يتوقف عند روايات الحروب والاستعمار التي عانت منها منطقتنا فقط، وإنما يتمدد إلى دول أخرى في العالم عانت هي الآخرى من استقواء الغرب وحروبه، لتكون فيتنام وهيروشيما أمثلة أخرى على أيديولوجيا الإبادة التي تسكن ذهنية الغرب، وبطبيعة الحال، الصهيونية هي أحد إفرازات هذه الذهنية ، بل والنسخة الأكثر جنوناً منها.

لا تختصر الفكرة التي أردت إيصالها في مدى الوحشية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وإنما الإضاءة أيضاً على المقاومة البطولية التي يقدمونها. لقد كانت هنالك نماذج بطولية في تاريخ منطقتنا والتاريخ العالمي في مواجهة الاستعمار وطرده، غزة اليوم تقدم النموذج المتطور من المقاومة، ويمكن القول إنها تقدم النسخة المبتكرة الجديدة في مواجهة السلاح الأكثر حداثة.     

بماذا يختلف البودكاست عن غيره (المرتبط بغزة أو القضية) من حيث الفكرة والتنفيذ؟

من حيث الفكرة، نحن لجأنا إلى أدب الحروب لننتقي منه رواية ونحاول إسقاطها على ما يحدث في القطاع لنذهب بالمحتوى إلى ضيف مختص ينسجم مع عنوان كل حلقة. فكرة العمل الأساسية أنها تنسج محاكاة بين أدب الحروب السابقة ورواية الحرب عن غزة، التي لم تكتمل بعد.

نريد أن نقول عبر هذا البودكاست إن غزّة تكثف تاريخ الاستعمار لمنطقتنا، لجهة ممارساته، ولجهة مقاومتنا. فكرة العمل تنطوي على عاملي المحاكاة والتكثيف، محاكاة التجارب الكبرى في المنطقة والعالم، وتكثيف تجارب التحرر في 8 شهور هزّت العالم.

لناحية التنفيذ، كما تعرفون، يعتمد البودكاست على الإحساس السمعي بالدرجة الأولى، لقد حاولنا توثيق كل المشاهد المؤلمة صوتياً، الأمر الذي سيترك أثراً مختلفاً عن الصورة، وتطلب ذلك جهداً فنياً كبيراً، أشكر عليه الزميل حسين حجازي، الذي ساعدني في إنجازه، واجتهد في ضبط الجانب الفني على أتمّ وجه.

ليس التوثيق وحده هو هدف هذا البودكاست، فهنالك الكثير من الأعمال التي ستحاول تحقيق هذا الهدف، وإنما هنالك أهداف أخرى له تتعلق بجوانب التحليل ومناقشة الأفكار ونسج العلاقات بين تجارب المقاومة في العالم. 

ما الصعوبات التي واجهتها خلال الإعداد؟

الصعوبة الأبرز هي انتقاء الرواية أو الكتاب المناسب لكل حلقة. على سبيل المثال، في حلقة الحصار والتجويع، لا يمكن القفز فوق حصار لينينغراد فكان لا بد من البحث عن كتاب "مذكرات لينينغراد" للروائية والشاعرة فيرا انبر، وهو كتاب قديم صدر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وترجم إلى الإنكليزية في العام 1971. ولأن نسخه محدودة جداً، فإنها للأسف غير متوفرة في المكتبات العربية، فكان الانتظار سيد الموقف إلى حين الحصول على الكتاب من الخارج. 

من التحديات أيضاً الوصول إلى الضيف المناسب، سواء شهود العيان على الأحداث في غزة، أو الشخصيات الفكرية التي تعيش خارج غزة، وقد كنا بحاجة إليهم نظراً إلى اختصاصهم الدقيق في الموضوعات المطروحة، فعندما تحدثنا عن الإبادة الجماعية والسكان الأصليين، كان من المفيد استضافة المفكر منير العكش، الذي لديه الكثير من المؤلفات في هذا الشأن، وعندما حاولنا محاكاة تجربة الجزائر، كان من المفيد أيضاً استضافة عالم المستقبليات العربي وليد عبد الحي، الذي كانت له تجربة طويلة هناك، إضافة إلى مخزونه الفكري الكبير.  

من الصعوبات أيضاً، العمل على تكثيف التفاصيل الكثيرة للرواية. نحن نعرف أن روايات الحروب إجمالاً تصف الكثير من تفاصيل المعاناة والألم، وكذلك المقاومة، لم يكن من السهل تكثيف هذه التفاصيل في مدة زمنية محدودة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الفكرة الخاصة بالحلقة، والإبقاء على الجسر ممدوداً مع غزة في كل لحظة من لحظات الحلقة. الحفاظ على تلك العناصر مجتمعة تطلب وقتاً وجهداً ذهنياً..

هل يمكن اعتبار سياسات الاستعمار وجرائمه على مر العقود الماضية حاضرة في غزة كنموذج حي؟ من ناحية المقاومة أيضاً؟ 

بالتأكيد، الاستعمار لم ينته في منطقتنا، وما رأيناه في غزة من استماتة للدفاع والوقوف إلى جانب "إسرائيل" هو خير دليل على ذلك. ولأنه لا يمكن التخلص من الاحتلال والاستعمار عبر رفع غصن الزيتون، كان السابع من أكتوبر وبطولات المقاومة في غزة ومفاجآتها. 

في واحدة من أغاني الشيخ إمام، والتي كتب كلماتها الشاعر أحمد فؤاد نجم، كان يقول "يا فلسطينية فيتنام عليكم البشارة"، أي أن انتصار فيتنام وطرد الجيش الأميركي منها، كانا البشارة للفلسطينيين، أن الأمر نفسه سوف يحدث معهم، وسوف ينتصرون. ربما تأخرت فيتنام خمسين عاماً، ولكن الأهم اليوم هو بشارة غزة، التي اجتاحت المنطقة منذ السابع من أكتوبر، دفعة واحدة وإلى الأبد. 

بودكاست "غزة في روايات الحرب" من إعداد وتقديم رانا أبي جمعة، وستبث أولى حلقاته غداً الاثنين في حسابات "الميادين بودكاست" وموقع "الميادين". 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.