"مُلهِم ترامب".. من هو ماكينلي صاحب النزعة الاستعمارية والرسوم الجمركية؟

يخطط ترامب ومستشاروه لاستخدام إمبريالية ماكينلي في العصر الذهبي كمصدر إلهام لهم، لقلب ما أطلق عليه القادة المؤسسون "مفهوم الأممية الليبرالية"، الذي ميّز السياسة الخارجية الأميركية على مدى الثمانين عاماً الماضية.

  • "مُلهِم ترامب".. من هو ماكينلي صاحب النزعة الاستعمارية والرسوم الجمركية؟

عديدةٌ هي الصفات التي يتم انتقاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليها. فهي تبدأ بالعنصرية والسخرية، ولا تنتهي بالغرور والغطرسة. وبعيداً عن خصال الزئبقية ورجل الصفقات وتاجر العقارات - وكلها أصبحت ملازمةً للشخصية الترامبية المتقلبة - فما لا يعرفه كُثُر، أن يستحضر ترامب مُلهِمَه وقدوته التاريخية الذي لعب دوراً رئيسياً في قراراته الداخلية والخارجية، كحرب التعريفات الجمركية وتطلعاته الاستعمارية التي تقضّ مضاجع الأمم والشعوب.

ترامب يتحدث عن مُلهِمه في حفل التنصيب

في خطاب حفل التنصيب في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن ترامب وسط تصفيق حار: "إننا سنعيد اسم الرئيس العظيم، ويليام ماكينلي، إلى جبل ماكينلي حيث ينبغي أن يكون وحيث ينتمي". وأضاف وهو يتغنّى بهذا الرئيس الذي ارتبط اسمه بالغزو الاستعماري: "لقد جعل الرئيس ماكينلي بلدنا غنياً للغاية من خلال التعريفات الجمركية ومن خلال الموهبة - كان رجل أعمال طبيعياً - وأعطى تيدي روزفلت المال للعديد من الأشياء العظيمة التي فعلها، بما في ذلك قناة بنما التي تم منحها بغباء لدولة بنما، بعد أن أنفقت الولايات المتحدة أموالاً أكثر من أي وقت مضى على المشروع، وخسرت 38 ألف حياة أثناء بناء القناة".

بعد ذلك، وعد ترامب بـ"التصرف بشجاعة وقوة وحيوية من شأنها أن تقود الأمة إلى آفاق جديدة من النصر والنجاح، من خلال سياسة ماكينلي المتمثلة في التعريفات الجمركية، والغزو الإقليمي، ودبلوماسية القوى العظمى".

من هو ماكينلي وحليفه الثري؟

بعد مسيرةٍ سياسيةٍ متواضعةٍ في الكونغرس، انتهت بإقرار تعريفة ماكينلي عام 1890، التي فرضت رسوماً جمركيةً قياسيةً على الواردات الأميركية، فاز الأخير بالرئاسة عام 1897 بفضل نفوذ مارك هانا، الصناعي الثري – على غرار أصحاب المليارديرات التكنولوجيين الحاليين المقربين من ترامب – الذي دفع مع زملائه الملايين لإنشاء صندوقٍ ماليٍّ لتمويل أغلى حملةٍ سياسية شهدتها البلاد في ذلك الوقت.

خلال فترة رئاسته (1897 - 1901)، فرض ماكينلي تعريفات جمركية قياسية، واستغل الحرب الإسبانية الأميركية القصيرة عام 1898 للاستيلاء على إمبراطورية استعمارية تتألف من سلسلة من الجزر والمستعمرات تمتد من منتصف الطريق حول العالم، أي عبر المحيطين الأطلسي والهادئ، مما يربط بين بورتوريكو في الكاريبي، والفلبين في جنوب شرق آسيا. لاحقاً، أغرقت هذه الفتوحات واشنطن في حرب فلبينية أميركية دامية، حافلة بالتعذيب والمجازر.

وبدلاً من تقليص مشروعه الاستعماري الفاشل وتحرير الفلبين، زعم ماكينلي أنه "جثا على ركبتيه وصلى لله تعالى طالباً منه النور والهداية. فأمره ربه على حد قوله بالغزو والاستعمار، وهو أمرٌ عمل على هندسته في محادثات ثنائية بين القوى العظمى وإسبانيا، والتي حسمت مصير ملايين الكوبيين والفلبينيين، رغم أنهم ناضلوا ضد الحكم الاستعماري الإسباني لسنوات طويلة لنيل حريتهم".

من رفض غزوات ماكينلي إلى تعويم دبلوماسية الدولار

بالرغم من "الإنجازات" الدموية التي رفعت أميركا إلى مصاف القوى العظمى، إلا أن الأميركيين رفضوا بسرعةٍ مفاجئةٍ سياسات ماكينلي الحربية. فبعد عامٍ واحدٍ فقط من استيلائه على جزر الفلبين، دعا وزير خارجيته إلى سياسة "الباب المفتوح" مع الصين.

وفي عام 1909، اتبع وزير الخارجية آنذاك، فيلاندر نوكس، أحد مؤسسي شركة الصلب الأميركية، برنامجاً قائماً على "دبلوماسية الدولار"، التي عززت القوة الأميركية من خلال الاستثمارات الخارجية كبديل للغزوات الإقليمية. ووفقاً للمؤرخ ويليام أبلمان ويليامز، فإن النسخة الإمبراطورية من التجارة ورأس المال "أصبحت السمة المحورية للسياسة الخارجية الأميركية في القرن العشرين، حيث تسربت القوة الاقتصادية للبلاد، ثم تضاءلت، لتغمر الدول الأكثر تقدماً ومستعمراتها حتى شمل التوسع الاقتصادي الأميركي العالم بحلول عام 1936".

ومع انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية وسط حركات التمرد والثورات، صعدت واشنطن إلى قوة عالمية غير مسبوقة اتسمت بثلاث سمات رئيسية: تحالفات مثل (الناتو)، وتجارة حرة بدون حواجز جمركية، وحروب أبدية لا تنتهي بحجة ضمان السيادة الوطنية والدفاع عنها.

التشابه بين نهجي ماكينلي وترامب التدميريين

في الواقع، يخطط ترامب ومستشاروه الرئيسيون لاستخدام إمبريالية ماكينلي في العصر الذهبي كدليل، بل كمصدر إلهام لهم، لقلب ما أطلق عليه القادة المؤسسون "مفهوم الأممية الليبرالية"، الذي ميّز السياسة الخارجية الأميركية على مدى الثمانين عاماً الماضية.

وبغضّ النظر عن أوجه التشابه الواضحة بين الرئيسين (مثل إيلون ماسك في نسخته المعاصرة الماكينلية مارك هانا)، فقد أثبتت سياسة ترامب الخارجية بالفعل أنها عودة غير متوقعة إلى إرث ماكينلي من سياسة القوى العظمى، التي تتسم بالرغبة في الاستيلاء على الأراضي، وفرض الرسوم الجمركية، وإبرام الصفقات الدبلوماسية - المالية.

وكما سعى ماكينلي للاستيلاء على إمبراطورية من جزر متناثرة بدلاً من احتلال دول بأكملها مثل الكونغو أو الصين، كذلك وجّه ترامب أنظاره، بصفته سمسار عقارات، نحو خريطة غير متوقعة من العقارات الأجنبية.

لنبدأ بقناة بنما كمثال. ففي أول زيارة له كوزير للخارجية، زار ماركو روبيو بنما حيث طلب من رئيسها ضرورة تقليص النفوذ الصيني على القناة وإلا سيواجه "رداً انتقامياً محتملاً من الولايات المتحدة". بموازاة ذلك، أيّد الرئيس ترامب تهديدات مبعوثه، قائلاً: "الصين تُدير قناة بنما... وسنستعيدها، وإلا سيحدث أمرٌ بالغ الأهمية". 

لم يطل الوقت، حتى كانت غرينلاند الوجهة التالية لترامب الذي ضمها إلى قائمة مشتريات واشنطن الاستعمارية الجديدة. ففي يومه السادس في منصبه، استشهد ترامب في حديث مع الصحافة على متن طائرة الرئاسة، بثروة الجزيرة المعدنية الذائبة قائلاً: "أننا سنحصل عليها". وأضاف: "لا أعرف حقاً ما هو حق الدنمارك فيها. ولكن سيكون عملاً غير ودي للغاية إذا لم يسمحوا بحدوث ذلك لأنه من أجل حماية العالم الحر. إنه ليس من أجلنا، إنه من أجل العالم الحر". 

وتوّج ترامب طموحاته الاستعمارية الجديدة، بالمطالبة بقطاع غزة. فأثناء مؤتمر صحفي في 4 فبراير/شباط الماضي، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعلن ترامب في ظل دهشة نتنياهو أن "الولايات المتحدة ستمتلك قطاع غزة، بعد نقل مليوني ساكن فلسطيني منه". وأوضح: "إننا سنجعل من غزة ريفييرا الشرق الأوسط" والتي من شأنها أن تصبح "واحدة من أعظم وأروع التطورات من نوعها على وجه الأرض". 

حتى كندا لم تسلم من مخططات ترامب التوسعية، وان كان يظهرها بشكل ساخر، كوصفه لتلك الدولة ب"الولاية الحادية والخمسين" للولايات المتحدة.

ترامب والعودة إلى دبلوماسية القوى العظمى

يرى أنصار ترامب أن هناك منطقاً وراء "جنون" نهجه المتقلّب. فما يفعله، برأيهم، هو عودة إلى سياسات القوى العظمى في العصر الفيكتوري، فضلاً عن أن جميع مطالباته الإقليمية تُرسل رسالةً واضحة للعالم، مفادها: لقد انتهى دور أميركا كحَكَمٍ ومدافعٍ عن النظام الدولي القائم على القواعد، المُكرّس في ميثاق الأمم المتحدة. ومن الآن فصاعداً، ستسود القومية الأميركية الشاملة وستُلغي أي ادعاءٍ بالدولية.

أما الشاهد الأكبر على دبلوماسية ترامب الاستعمارية الحديثة، فهو تصرف وزير خزانته سكوت بيسنت، الذي زار كييف في 12 فبراير/شباط، حينها منح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ساعةً واحدةً فقط، للتوقيع على 50% من مخزون بلاده الهائل من المعادن الأرضية النادرة، التي قدّر ترامب قيمتها بـ 500  مليار دولار، دون تقديم أي ضمانات أمنية أو التزامات بأسلحة إضافية لأوكرانيا.

ووفق التقليد الإمبراطوري المتمثل في أن القوى العظمى تقرر مصير الدول الأصغر، كانت محادثات السلام الافتتاحية في السعودية في 18 فبراير/شباط شأناً روسياً أميركياً ثنائياً، دون حضور أي أوكرانيين أو أوروبيين.

في المحصّلة

إذا كانت الأسابيع الأولى العاصفة من ولاية ترامب الثانية مؤشراً على شيء، فإن السنوات الأربع المقبلة ستجلب صراعات لا داعي لها ومعاناةً كان من الممكن تجنبها لكثير من دول العالم.

اخترنا لك