أفريقيا والعلاقة مع الغرب.. وهل انتشرت الأوبئة في القارة العجوز بفعل فاعل؟
دائماً ما يتردد السؤال: هل انتشار الأمراض والأوبئة كالإيدز والإيبولا والتهاب الكبد الفيروسي وسلالات جديدة من السل وجدري القرود في العقود الأخيرة في أفريقيا كان طبيعياً أم هو بفعل فاعل؟
-
صورة حول الفترة الاستعمارية في أفريقيا
مدخل
الغرب غربان؛ غرب إنساني رافض لأجندات الاستعمار الجديد، وكثيراً ما خرج ليتظاهر ضد الحروب ونشر الفوضى الهدامة والفتن والمساس بحقوق الإنسان. تظاهر أتباعه ضد حرب فيتنام والانقلابات في أميركا اللاتينية، وضد الحرب في العراق، ومذابح رواندا والكونغو الديمقراطية، ويتظاهرون اليوم ضد الإبادة الجماعية في غزة. هذا الغرب الإنساني باستطاعته إلى حد ما ممارسة الضغط على حكومات بلاده، خصوصاً في زمن الانتخابات.
وهناك الغرب الاستعماري المتحكم في الدولة العميقة، ويرتكز على الأجهزة الأمنية ولوبيات المركبات الصناعية المدنية والعسكرية والفلاحية والطبية والنفطية والإعلامية والبنوك. وهؤلاء هم من يتحكم في قرارات الحرب والسلم والعقوبات الاقتصادية فيشنون الحروب ويستعمرون الشعوب وينهبون ثرواتهم.
هذه المقدمة كانت ضرورية للتوضيح أن الغربيين ليسوا سواء، وأن مشكلات دول الجنوب ومن بينها الدول الأفريقية كانت ولا تزال مع هذا الغرب الاستعماري النافذ والمهيمن.
أفريقيا قارة المستقبل.. لكن مستقبل من؟
هل هو مستقبل الدول والشعوب الأفريقية الفقيرة المتخلفة التي يتحكم فيها حكام فاسدون مستبدون سلّموا قرارهم السياسي والاقتصادي للاستعمار لينهب خيرات بلدانهم مقابل بقائهم على كراسي الحكم؟ أم هو مستقبل الدول الاستعمارية التي ترى في كنوز أفريقيا الطبيعية من أراض خصبة ومياه غزيرة وثروات حيوانية ومعدنية احتياطياً ستلجأ إليه مستقبلاً؟
أكيد أن الاستعمار القديم/الجديد يعي مستقبله، أما الأفارقة فهم همج وبرابرة وكسالى. هم كالحيوانات لا يستحقون العيش في أماكن تزخر بالخيرات والثروات.
خطر المالتوسيين الجدد والنيوداروينيين على أفريقيا
تاريخياً، غالباً ما تزامنت أزمات النظام الرأسمالي بتنامي خطاب شعبوي يميني عنصري متطرف. وما يثير الانتباه اليوم داخل هذه التيارات اليمينية القلقة على مستقبل الرأسمالية (النيوليبرالية العولمية) هو تشبّعها بالمالتوسية الجديدة والنيوداروينية. هذه التيارات العنصرية ترى أنها حتى لو استطاعت كسب رهان المنافسة الشرسة على أفريقيا من طرف قوى كبرى كالصين وروسيا وقوى صاعدة كتركيا وإيران، فإنها قد تجد نفسها وجهاً لوجه مع تحدٍ آخر: الانفجار الديموغرافي في هذه القارة ذات الخصوبة العالية. إذ ارتفع عدد سكانها من نحو 400 مليون نسمة سنة 1974، إلى نحو مليار و558 مليون نسمة سنة 2025.
سيؤدي هذا الانفجار السكاني إلى ارتفاع حاجيات الشعوب الأفريقية ويزيد من رغبتها وإصرارها على الاستفادة من خيراتها الطبيعية. وفي هذا تهديد لطموحات الاستعمار الجديد في جعل أفريقيا قارة مستقبله.
منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، دار نقاش داخل الأوساط الرأسمالية اليمينية حول سؤال: هل يجب على الغرب أن يتدخل لإنقاذ الشعوب الأفريقية في حال حدوث كوارث طبيعية أو انتشار الأوبئة القاتلة والحروب والصراعات البينية المميتة والمجاعات؟ أم يجب احترام قانون الطبيعة: الانتقاء الطبيعي والبقاء للأقوى لأنه الأصلح؟
الجواب الذي انحازوا إليه منذ التسعينيات من القرن الماضي هو أنه يجب الابتعاد عن التفكير في دعم ومساعدة سكان الجنوب عموماً والأفارقة مما يعانون منه من مصائب، واحترام قانون الطبيعة (الانتقاء الطبيعي) والقبول بالتضحية بجزء من البشر (البرابرة) ليعيش الآخرون (المتحضرون) عيشاً لائقاً، ويتمكنوا من ضمان مصالحهم المستقبلية. فالقانون الأخلاقي (مساعدة الأفارقة) لا يمكن أن يكون في اتجاه معارض لقانون الطبيعة أي منع الطبيعة من ممارسة انتقائها.
ثم إن التضحية بجزء من سكان الأرض ليعيش جزء آخر عيشة طيبة هو أيضاً عمل أخلاقي. هكذا أصبحنا أمام تأويل جديد للأخلاق والأفكار والمعتقدات والقيم الإنسانية بما يتناسب مع المصالح والاحتياجات المستقبلية للاستعمار.
ولكن، يبقى السؤال: هل انتشار الأمراض والأوبئة كالإيدز والإيبولا والتهاب الكبد الفيروسي وسلالات جديدة من السل وجدري القرود في العقود الأخيرة في أفريقيا كان طبيعياً أم هو بفعل فاعل؟
هذه الرؤية الاستعمارية لعلاقة الإنسان الغربي بالإنسان الآخر ليست جديدة، فطوال خمسة قرون (منذ اكتشاف الأوروبيين للأميركيتين)، ارتكب الاستعمار الغربي في الأميركيتين وأفريقيا وآسيا مجازر وإبادات جماعية ونقل أمراضاً لم يكن سكان هذه المناطق يعرفونها كالأمراض الجنسية والسل، وتم استعباد البشر والتهجير القسري في حق الشعوب الأصلية.
في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، ظهر فيديو للدكتور الأميركي روبرت يونغ يدلي فيه بشهادته في محكمة العدل الطبيعية الدولية (ITNJ) وهي مؤسسة مستقلة أسسها ساشا ستون، موسيقي سابق وفنان، في عام 2015.
في شهادته ادّعى روبرت يونغ أن مؤسس مايكروسوفت، بيل غيتس يخطط لاستعمال التعقيم للتحكم في تعداد سكان الأرض، ويتهمه بأنه يقول بوجوب التخلص من ثلاثة مليارات شخص، بدءاً بالأفارقة ونقل ما قاله غيتس في إحدى محاضراته سنة 2010: "في ما يتعلق بالتعقيم والسيطرة على السكان، هناك الكثير من الناس على هذا الكوكب وعلينا التخلص منهم"... "إذاً، لنبدأ في أفريقيا. نبدأ في إجراء أبحاثنا هناك، ثم نقضي على معظمهم، لأنهم مؤسفون ولا قيمة لهم. إنهم ليسوا جزءاً من الاقتصادات العالمية".
طبعاً، كانت هناك حملة لتكذيب روبرت يونغ قصد إبطال مفعول الفيديو والحدّ من انتشاره، لكنه طفا إلى السطح مرة أخرى في عام 2021 مع ظهور فيروس كورونا والنقاش الذي دار حول لقاحاته. وما زال الفيديو إلى اليوم يدور في بعض الدول الأفريقية.
في عام 1992، نشرت مجلة "رولينغ ستون" مقالًا يتحدث عن لقاح شلل الأطفال الفموي (VPO) الذي طوّره الطبيب الأميركي هيلاري كوبروفسكي، وتمّ تجريبه في أفريقيا. ادّعت المجلة أن لقاح شلل الأطفال قد يكون مصدراً محتملاً لفيروس نقص المناعة البشرية الإيدز (HIV) الذي تم اكتشافه في الثمانينيات بسبب استخدام خلايا كلوية من الشمبانزي، كانت مصابة بفيروس نقص المناعة لزراعة فيروس اللقاح فيها.
اتهمت مجلة "رولينغ ستون" بتبنّيها لنظرية المؤامرة ورفعت ضدها دعاوى ما اضطرها إلى الاعتذار عن نشر الموضوع. لكن، في عام 1999، عاد الصحفي إدوارد هوبير في كتابه "النهر: رحلة إلى مصدر فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز1 (AID1 The River: A Journey to the Source of HIV and) ليقول إن لقاح شلل الأطفال الفموي الذي استعملت فيه خلايا الشامبانزي الحاملة لفيروس السيدا هو سبب ظهور هذا المرض القاتل عند الإنسان عندما لقّح به الدكتور هيلاري كوبروفسكي أطفالاً من الكونغو بين 1957 و 1960.
ومرة أخرى، تحرك لوبي الأدوية واللقاحات لتفنيد هذا الادعاء والجزم بعدم وجود صلة بين فيروس شلل الأطفال وفيروس نقص المناعة البشرية. لكن هوبير بقي مصراً على تأكيداته، زاعماً حدوث عملية إخفاء منظمة.
من المحتمل أن يكون هوبير مصيباً، وقد تكون اتهاماته غير مثبتة كما ادعى معارضوه. المشكلة أن الدول الأفريقية ليس باستطاعتها القيام بأبحاث لحسم سبب انتشار السيدا في أفريقيا، إنها ضريبة التخلف.
عام 2014، نشر موقع LifeSiteNews الكندي المناهض للإجهاض والتعقيم مقالاً يشير فيه إلى أن الجمعية الكينية للأطباء الكاثوليك قد وجدت مكوّناً يتسبّب في حالات الإجهاض في اللقاح ضد الكزاز الذي تم إعطاؤه لـ 2.3 مليون فتاة وامرأة بواسطة منظمة الصحة العالمية WHO واليونيسف.
الادعاء بالتعقيم عبر اللقاح لم يكن جديداً بل يعود إلى أكثر من 20 عاماً، أي منذ عام 1994 حينما شرعت منظمة الصحة العالمية في التلقيح ضد الكزاز/التيتانوس في الهند والمكسيك ونيكاراغوا والفلبين. وقد منعت الفلبين بالفعل منظمة الصحة العالمية من المضي في التلقيح ضد الكزاز بسبب المخاوف التي أثارتها هذه الادعاءات التي ردت عليها منظمة الصحة العالمية في بيان أصدرته أنها "كانت خاطئة تماماً ومن دون أساس علمي".
وعندما عادت الشائعة للظهور في كينيا في عام 2014، أصدرت منظمة الصحة العالمية بيانًا آخر يشير إلى أن لقاح التيتانوس آمن، ليتبيّن بعد ذلك أن منظمة الصحة العالمية كذبت، وأنها لقحت عمداً نساء شابات في كينيا بلقاحات التيتانوس الملوّثة بهرمون الحمل: الغونادوتروبين المشيمي البشري Human chorionic gonadotropine ( HCG )، الذي يتسبب في العقم.
في 27 أيار/مايو 2016، اتهم موقع LifeSiteNews والكنيسة الكاثوليكية الكينية اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية (WHO) بـ "الإشراف على التعقيم الجماعي" في كينيا تحت غطاء حملة التطعيم ضد الكزاز منذ 2014. وقد تمكن أطباء من الحصول على قوارير من اللقاح، واختبروها، ووجدوا هرمون الحمل فيها. علاوة على ذلك، عندما قام مختبر Furthermore when AgriQ، بتحليل القوارير التي كان فيها اللقاح حصل عليها بعد جهد إذ كانت زجاجات اللقاح المستعملة تجمع بعد كل عملية تطعيم وتعاد إلى مسؤولي منظمة الصحة العالمية تحت إشراف الشرطة. تبيّن من تحليل بقايا القوارير أن فيها آثار مزيج توكسيد الكزاز وهرمون hCG، the combined Tetanus Toxoid/hCG hormone.
خاتمة
لا جدال في أن منظمة الصحة العالمية تشتغل ضمن أجندة تسعى إلى خفض عدد سكان العالم. إنها أجندة شيطانية كما جاء في عنوان فيلم "العقم: أجندة شيطانية" Infertility: A Diabolical Agend، والتي يدافع عنها بيل غيتس الذي يسعى إلى تحديد النسل، ويعدّ من أكبر مموّلي منظمة الصحة العالمية.
كما أن والده كان رئيساً لمنظمة تنظيم الأسرة، وهي منظمة تسببت لوالبها وعقاقير منع الحمل التي جربتها في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا في كثير من المصائب للنساء كالعقم والإجهاض وسرطان الرحم.
قد تكون السيدا والإيبولا وسلالات السل الجديدة وجدري القرود ومرض الكبد الفيروسي والكوفيد أمراضاً طبيعية، وقد تكون من إنتاج مختبرات الأسلحة البيولوجية تجرب في دول الجنوب وأفريقيا خصوصاً، لكن في النتيجة، نحن إزاء أجندة لتفعيل توصيات المجموعة التي صاغت تقرير لوغانو.