الجمعية الوطنية الفرنسية: إخفاقاتٌ وعجز عن لعب الدور المنوط بها
الجمعية الوطنية في فرنسا تعاني من ضعف تأثيرها بسبب الانقسامات السياسية التي تعرقل العمل التشريعي، مما دفع الحكومة لتجاوز تصويت النواب في عدة قوانين منذ 2022، الأمر الذي أضعف استقرار السياسة الفرنسية، حيث تواجه الحكومة الحالية بقيادة فرانسوا بايرو دعوات لحجب الثقة بسبب مشروع الموازنة التقشفي. في ظل هذا التوتر السياسي، قد يسعى الرئيس ماكرون لإجراء انتخابات تشريعية جديدة، ما قد يعزز القوى اليمينية مثل حزب "التجمع الوطني" بقيادة مارين لوبن، ويغير موازين القوى في الساحة السياسية الفرنسية.
-
الجمعية الوطنية الفرنسية: إخفاقاتٌ وعجز عن لعب الدور المنوط بها
في فرنسا 577 نائباً تضمهم الجمعية الوطنية ودورهم مباحثة، مناقشة وإقرار مشاريع القوانين التي يفترض أن تناسب عملية تسيير مرافق الدولة، بالإضافة إلى مراقبة نشاط الحكومة ويقيموا سياساتها العامة.
على مدى عقود طويلة كان للجمعية الوطنية تأثير وحضور في مجريات الأمور الداخلية، خصوصاً بوجود أغلبيات نيابيّة كانت تسمح بتمرير أو تعديل أو حتى إلغاء بعض القوانين. في الولاية الثانية لرئيس الجمهورية، ايمانويل ماكرون،بات يبدو دور الجمعية الوطنية باهتاً، عوض أن تكون مختبراً للعمل الديمقراطي، هي باتت تفتقد كثيراً لعملها السابق، فهي تمتاز بصلاحيات عديدة تتعلق مثلاً بإعلان الحروب أو المساهمة في تحديد الحالات الإستثنائية أو بتعديل دستور البلاد.
الخلافات والانقسامات السياسية هي التي تتحكم في مسار الأمور ما يؤدي إلى شلل كبير للمؤسسة التشريعية، وهذا الواقع يزيد من إهتزاز المشهد السياسي على الساحة الفرنسية، فمنذ عام 2022 تعاقبت 4 حكومات إختارت أن تتجاوز تصويت النواب في كل مرة تعذَّر فيها تمرير مشروع قانون في البرلمان. نمط لم تعهده فرنسا في تاريخها الحديث وأدى قبل أسابيع إلى الإطاحة بحكومة ميشال بارنييه في تصويت على الثقة بحكومته، وجمع الأضداد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار رفضا لمشروعه حول الموازنة.
رئيس الحكومة الحالي فرانسوا بايرو، يواجه الآن طرحين جديدين لحجب الثقة عن حكومته التي لم يمضِ على ولادتها ستة اسابيع، والسبب أيضاً مشروع الموازنة العامة والضمان الإجتماعي للعام 2025 الذي احتوى على خطوات تقشفية، هو لم يتورّع عن تفعيل المادة 49.3 من الدستور التي تجيز للحكومة تمرير أي مشروع بالقوة القاهرة في حال عدم حصوله على تأييد غالبية النواب.
منتصف الشهر الماضي تجاوز بايرو حجباً للثقة عن حكومته، بحيث لم ينجح يومها حزب "فرنسا غير الخاضعة" بزعامة جان لوك ميلانشون، في حشد الأصوات اللازمة وبخاصة داخل معسكر اليسار لإسقاط الحكومة والأرجح أن يتكرر هذا السيناريو يوم الأربعاء عند التصويت على طرحَي حجب الثقة مع إعلان الإشتراكيين أنهم لن يؤيدوا الحجب، وهذا ما يرسخ التباعد بينهم وبين بقية مكوني تحالف اليسار وصولاً إلى حد تهديد وحدته وتماسكه اللذين قد يحتاج إليهما في أية انتخابات تشريعية مقبلة قد تطل برأسها قريباً هذا الصيف مع تحرر الرئيس ماكرون من المانع الدستوري الذي لا يمنحه حل الجمعية الوطنية إلا بعد انقضاء عام على قرار الحل.
غياب الإستقرار السياسي الناجم عن انقسام الجمعية إلى 3 قوى متباعدة يعزّز احتمالية الدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة والرئيس قد يعوِّل على حدوث تغيير في المزاج الشعب لصالحه، لكن ما ضمانة حصول ذلك لصالح معسكر ماكرون؟ لما لا يكون لصالح حزب "التجمع الوطني" بزعامة مارين لوبن، الذي ينتهج مقاربات في القضايا الداخلية توسِّع من هامش التأييد في أوساط الناخبين، ويدعمه في ذلك مسار متصاعد لأقصى اليمين في دول أوروبا الغربية و ظلال عودة الشعبوي دونالد ترامب إلى البيت الابيض؟
تمسّك الإشتراكيين بموقفهم قد يضعفهم، فيما الركائز الثلاثة الأخرى لتحالف اليسار لا تزال متماسكة، يقول الإشتراكيون إنهم يعتمدون سياسة انفتاح على بايرو للتخفيف من التشنج السياسي في البلاد، وصدمهم حديثه عن شعور الفرنسيين بالغرق بفعل الهجرة لكنّهم لم يقطعوا معه رغم أن بايرو بدا كمن يغازل حزب لوبان لحماية حكومته من السقوط ولو دفعه ذلك إلى تبني طروحات أقصى اليمين المتشددة حيال الهجرة والمهاجرين، هنا تحوَّل المهاجرون إلى ما يشبه عملة المقايضة حمايةً لحكومة فرانسوا بايرو، ومنعاً لسقوطها. هي المصالح دائما التي تطغى على ما عداها حتى لو كان إنسانياً.