طريق موسكو - طهران.. السياسة تسير على القضبان

القطار الذي انطلق من موسكو وقطع تركمانستان وكازاخستان وصل إلى الأراضي الإيرانية، وهو ليس مجرد قطار ربط اقتصادي، بل يعبر عن تحول سياسي يعود بالنفع على دول المنطقة.

  • طريق موسكو - طهران.. السياسة تسير على القضبان
    أول قطار يصل من روسيا إلى إيران

لم يكن عبور أول قطار روسي إلى إيران عبر ممر الشمال - الجنوب حدثاً عابراً في سجلات النقل الدولي، بل تطوراً يعبر عن تبدل المزاج الجيوسياسي في القارة الأوراسية فالمسارات التجارية كانت دائماً انعكاساً لمسارات القوة، وما جرى هذه المرة يوحي بأن الخطوط الجديدة ترسم خريطة نفوذ مختلفة في زمن تتغير فيه موازين الاقتصاد والطاقة.

اختارت موسكو أن تفتح طريقاً خاصاً بها نحو الجنوب، بعيداً عن المسارات التي قد تتحول في أي لحظة إلى أداة ضغط سياسي.

القرار بتجاوز أذربيجان لم يكن مجرد خيار فني بل موقفاً استراتيجياً، إذ باتت باكو أقرب سياسياً إلى "تل أبيب" ما جعل الاعتماد عليها في الممر الغربي محفوفاً بالمخاطر. من هنا برزت تركمانستان كبديل يضمن استقرار الخط وحياده.

ليبدأ هذا القطار رحلته من شمال موسكو على بعد 900 كيلومتر مروراً بكازاخستان وتركمانستان ودخل إيران عبر معبر "إنجه برون"، أما الوجهة النهائية هي ميناء "أبرين" الجاف وهو نقطة استراتيجية عند تقاطع مسارات الشمال والجنوب والشرق والغرب، ويقع على بعد 20 كيلومتراً من العاصمة طهران.

إعادة ترتيب العلاقات في المنطقة

هذا التحول أعاد ترتيب العلاقات في المنطقة، حيث أصبح الممر الشرقي عنواناً لتقاطع مصالح روسيا وإيران وتركمانستان وكازاخستان، ووسيلة لتخفيف تأثير التوترات الإقليمية على حركة التجارة.

اقتصادياً يمنح الممر الجديد زخماً للربط بين الشمال والجنوب عبر مسار أسرع بـ 40% من النقل البحري عبر قناة السويس، ما يعزز تنافسية الصادرات الروسية ويمنح إيران فرصة لزيادة العوائد وتوسيع دورها في التجارة الإقليمية.

ميناء أبرين الجاف الذي افتتح حديثاً تحول إلى مركز رئيسي لإعادة الشحن والتخليص الالكتروني، في إشارة إلى نية طهران استثمار موقعها لتصبح محور عبور رئيسي نحو أسواق الهند والمنطقة الخليجية.

في المستوى الاستراتيجي الأوسع يمثل هذا المشروع خطوة عملية في بناء منظومة أوراسية جديدة تقوم على تنويع طرق التجارة وتحريرها من الهيمنة الغربية، كما يتكامل مع المبادرات الصينية الرامية إلى تعزيز الترابط البري والبحري في القارة ليشكل مع الوقت شبكة نقل متداخلة تربط روسيا والصين وإيران ودول آسيا الوسطى.

الاستغناء عن المسارات التي يهمين عليها الغرب

أما في القراءة السياسية الهادئة فإن القطار الذي انطلق من موسكو نحو إيران يُعبّر عن انتقال تدريجي من مرحلة الاعتماد على المسارات التي يهيمن عليها الغرب إلى مرحلة من التعدد في الخيارات والمصالح، إنه مثال على الطريقة التي تعيد بها الدول المتوسطة والكبيرة صياغة توازناتها بهدوء عبر الاقتصاد لا عبر الصدام.

الممر الجديد ليس تحدياً لأحد بل إعلان عن حقبة مختلفة عنوانها الواقعية والمصالح المشتركة حيث تمر القوة هذه المرة عبر السكك الحديدية لا عبر الموانئ العسكرية.

اخترنا لك