ما هو أبعد من الاشتباك بين العشائر العربية و"قسد"!

بدا تأثير الهجوم الأخير للعشائر العربية عميقاً على "قسد" التي نقلت معركتها إلى محاصرة المربعين الأمنيين في القامشلي والحسكة على بعد أكثر من 200 كم شمال دير الزور.

  • ما هو أبعد من الاشتباك بين العشائر العربية و
    ما هو أبعد من الاشتباك بين العشائر العربية و"قسد"!

بين هجوم قوات العشائر ليل 6 آب/أغسطس الجاري وهجومهم في أيلول/سبتمبر عام 2023 على نقاط "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) نحو عام كامل. أسس الهجوم الأول أرضية ميدانية واجه بها أبناء دير الزور سيطرة المكون الكردي على مناطقهم، ورسّخ الهجوم الثاني قدرة العشائر على فرض مواجهة خطيرة اختلفت في توقيتها، وقد تزامنت مع تعزيزات أميركية غير مسبوقة إلى 20 قاعدة شرق الفرات، بينها قاعدة حقل العمر النفطي الذي وصلت الاشتباكات إلى أسواره الخارجية.

وبدا تأثير الهجوم الأخير عميقاً، إذا ما درسناه من رد فعل "قسد" التي نقلت معركتها إلى محاصرة المربعين الأمنيين في القامشلي والحسكة على بعد أكثر من 200 كم شمال دير الزور، ومنعها خروج أو دخول أي آلية إلى مركز المدينتين، بما فيها صهاريج نقل المياه وسيارات الأغذية قبل أن تسمح بدخول عشرات الصهاريج في اليوم الرابع لذلك الحصار.

لم تكتف "قسد" بنقل تعزيزات ضخمة من الرقة والحسكة إلى الشريط النهري المواجه لنقاط الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني في مدينة الميادين وقراها. استنجدت بالمروحيات الأميركية التي تدخلت برمايات نارية مباشرة إنقاذاً لـ"قسد" في جغرافية عشائرية عربية خالصة، وهاجمت حواجز ونقاطاً لقوات الدفاع الوطني في قرية مجيبرة في محيط تل كوكب في القامشلي، وهو التل الذي يشكل موقعاً رئيسياً للجيش السوري في المنطقة.

يتجاوز رد فعل "قسد" ما قامت به قوات العشائر باتجاه توسيع خطير لمجال الاشتباك في جانب وإيصاله إلى الحسكة والقامشلي، وإشراك الأميركيين فيه في جانب آخر في تذكير واضح على أن سيطرة "قسد" على تلك المنطقة التي تشكل نحو 30% من مساحة سوريا يأتي تحت غطاء نحو 20 قاعدة أميركية مباشرة.

تتجاوز المعركة بهذا المعنى الخلافات المحلية، على أهميتها، بين عشائر عربية مهضومة الحقوق ومهمشة اقتصادياً وتعليمياً ومعيشياً في بيئتها، وقوات "قسد" التي يهيمن عليها "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي الشكل والمضمون، وصاحب القرار الأهم في تلك المنطقة الواقعة بقوة الأمر الواقع تحت سلطة "الإدارة الذاتية الكردية"، لتندرج تلك المعركة ضمن صراع كبير جوهره مستقبل المنطقة التي تعد قلب سوريا الاقتصادي.

وإن كان جزء كبير من ردة فعل "قسد" يرجع إلى قلق "الإدارة الذاتية" من التقارب السوري – التركي المعلن والمتسارع نسبياً، فإن الانخراط الأميركي المباشر وإمكانية نقل تعزيزات عسكرية أميركية جديدة إلى القواعد العشرين شرق الفرات يشير إلى أن واشنطن تعارض بقوة أي تغييرات في معادلات الأرض، وإن اضطرت للتدخل العسكري المباشر كما بدا من هجوم ليل الثلاثاء الماضي.

مشهد تزداد سخونته مع ترقب المنطقة رداً إيرانياً على جريمة اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، تؤكد طهران أنه قادم لا محال، ووقوع القواعد الأميركية ضمن مرمى نيران فصائل مقاومة غرب الفرات أو داخل الأراضي العراقية، كما جرى عشرات المرات خلال السنوات الماضية.

لا تغيب تلك المعطيات عند قراءة المشهد شرق الفرات، وربما يزيد عليها حاجة دمشق الماسة لاستعادة ثرواتها النفطية والزراعية بعدما فشلت كل جولات الحوار مع "الإدارة الذاتية" الكردية بالوصول إلى مقاربات جدية يمكن البناء عليها لعودة مؤسسات الدولة إلى تلك المنطقة.. المنطقة التي شكلت قبل الحرب دعامة الثروة النفطية بإنتاج يزيد على 380 ألف برميل يومياً، ونحو 75% من القمح وقد زاد إنتاجه قبل 2011 عن 4 ملايين طن سنوياً، وطاقة كهربائية من سد الفرات بلغت أكثر من 2.5 مليار كيلوواط سنوياً.