معضّلة المهاجرين والنفط.. والخلاف بين فنزويلا والولايات المتحدة
رغم التقلبات الكبيرة التي تحملها استبدال إدارة أميركية بأخرى، إلا أنّ الأزمة الفنزويللية تبقى ملفاً مشتركاً بين الحزبين الأميركيين الكبيرين. الولايات المتحدة الأميركية تزيد من الضغط على الحكومة الفنزويلية من خلال تقييد قطاع النفط لديها.
-
سفينة "ميسيسيبي فوييجر"، إحدى سفن النقل التابعة لشركة شيفرون (وكالات)
لطالما شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا توترات سياسية واقتصادية حادة، ازدادت حدتها مع فرض واشنطن عقوبات على كاراكاس في عام 2019، واستهدافها قطاع النفط الفنزويلي بهدف إضعاف حكومة الرئيس نيكولاس مادورو. وبعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في عام 2021، تبنّت الإدارة الأميركية نهجاً أقل صرامة تجاه فنزويلا، ما سمح لشركة "شيفرون" الأميركية – الشركة الأميركية الوحيدة التي تعمل في قطاع الطاقة بفنزويلا – بمواصلة عمليات استخراج النفط في فنزويلا بموجب ترخيص خاص يُعرف بـ "الرخصة العامة 41" منحته وزارة الخزانة الأميركية للشركة في مارس 2022. سمح هذا الترخيص للشركة بإنتاج النفط في فنزويلا وتصديره إلى الولايات المتحدة، وكان هدفه تحقيق توازن بين المصالح الأميركية في قطاع النفط، مع الحفاظ على الضغط الاقتصادي على حكومة مادورو.
جرى تجديد هذا الترخيص تلقائياً في الأول من فبراير الماضي، ما كان سيمنح "شيفرون" الحق في العمل حتى الأول من أغسطس المقبل. لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في 26 فبراير الماضي إلغاء هذا الترخيص، زاعماً أن فنزويلا لم تفِ بالتزاماتها المتعلقة بترحيل المهاجرين غير الشرعيين. وفي تطور لاحق، ألغى "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" الرخصة بالكامل، مستبدلاً إياها برخصة جديدة "41A"، تفرض قيوداً إضافية على "شيفرون" وتمنعها من دفع الضرائب أو العوائد إلى "شركة النفط الحكومية الفنزويلية"، كما تحظر عليها بيع أو تصدير النفط إلى أي دولة غير الولايات المتحدة، أو التعامل مع أي كيانات فنزويلية لديها ارتباطات روسية. وكان من المقرر أن يدخل قرار ترامب، الذي أثار ردود فعل حادة، حيز التنفيذ في الأول من مارس الجاري، لكن جرى تأجيله حتى مستهل نيسان/أبريل المقبل.
"لا يوجد فرق بين أهداف الإدارتين الجمهورية والديمقراطية في #الولايات_المتحدة بما يخص #فنزويلا "
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) March 11, 2025
الباحث في مركز بعثة الحقيقة الفنزويلية دييغو سيكيرا في #نقاش pic.twitter.com/eG3XkmDAaD
وخلال الأيام الماضية، نددت الحكومة الفنزويلية بالقرار الأميركي، واعتبرته خطوة "ضارة وغير مبررة" تهدف إلى تقويض اقتصادها. نائبة الرئيس ووزيرة النفط ديلسي رودريغيز وصفت الخطوة بأنها "خضوع للمعارضة الفاشلة" وتهدف إلى "تعزيز العقوبات ضد الحكومة الفنزويلية"، مؤكدةً أن فنزويلا ستواصل العمل على تحقيق "الاستقلال الإنتاجي المطلق"، وهو مشروع يهدف إلى تعزيز إنتاج النفط داخلياً وتقليل الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية. كما اتهمت رودريغيز شركة "إكسون موبيل" الأميركية بمحاولة الضغط على واشنطن لطرد "شيفرون" من فنزويلا، عبر تمويل جماعات ضغط لإضعاف الحكومة الفنزويلية. وأشارت في حديثها إلى أن "إكسون موبيل" متورطة في تقديم رشاوى ضمن النزاع الحدودي المستمر بين فنزويلا وغويانا حول منطقة "إسيكيبو" الغنية بالنفط. وذهب الرئيس مادورو أبعد من ذلك في حديث متلفز له، حيث أكَّد على أن "إكسون موبيل" دفعت أموالاً للضغط على إدارة ترامب من أجل فرض عقوبات أشد على فنزويلا، وهو ما وصفه بـ "العملية الانتقامية من البلاد".
كان قرار إلغاء الترخيص جزءاً من استراتيجية ترامب لزيادة الضغط على حكومة مادورو، ليس فقط اقتصادياً، بل أيضاً عبر ملف الهجرة. في أكتوبر 2023، توصلت واشنطن وكاراكاس إلى اتفاق يسمح بترحيل المهاجرين الفنزويليين من الولايات المتحدة إلى بلادهم، لكن ترامب أعلن في فبراير الماضي أن حكومته ستعيد النظر في الاتفاق الذي أبرمته إدارة بايدن مع فنزويلا بشأن ترحيل المهاجرين الفنزويليين الذين دخلوا الولايات المتحدة بطرق غير قانونية.
وعلى أي حال، أوقفت فنزويلا الأسبوع الماضي استقبال عمليات ترحيل المهاجرين بعد إعلان ترامب إلغاء الترخيص الممنوح لـ "شيفرون"، وأعلن الرئيس مادورو أن حكومته "ستواصل استقبال مواطنيها المرحّلين من دول أخرى"، لكنها "لن تتعامل مع الولايات المتحدة"، متهماً إدارة ترامب بـ"تقويض أي تواصل دبلوماسي". ومنذ يومين، أكد ريتشارد غرينيل، المبعوث الخاص للإدارة الأميركية، أن فنزويلا "وافقت أخيراً على استئناف استقبال رحلات الترحيل من الولايات المتحدة"، وهو ما لم يؤكده أي مسؤول في حكومة مادورو حتى الآن. هذه الضغوط في ملف الهجرة هي محاولة من واشنطن للضغط على الحكومة الفنزويلية لتقديم تنازلات سياسية في الداخل الفنزويلي وأن تنصاع إلى متطلبات الإدارة الأميركية في ملف النفط.
"لا يوجد فرق بين أهداف الإدارتين الجمهورية والديمقراطية في #الولايات_المتحدة بما يخص #فنزويلا "
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) March 11, 2025
الباحث في مركز بعثة الحقيقة الفنزويلية دييغو سيكيرا في #نقاش pic.twitter.com/eG3XkmDAaD
تواجه "شيفرون" ضغوطاً سياسية متزايدة، وأعرب مؤخراً رئيسها التنفيذي، مايك ويرث، عن استيائه من "التقلبات المستمرة في السياسة الأميركية تجاه فنزويلا"، مؤكداً على أن "الاستثمار في النفط يحتاج إلى رؤية طويلة الأمد، وليس تقلبات بين إدارة وأخرى". وبالرغم من قرار ترامب وقف أعمال "شيفرون" في فنزويلا، تستمر الشركة حتى الآن في تصدير النفط الفنزويلي إلى الولايات المتحدة بمعدل 240,000 برميل يومياً، ما يعكس تعقيد فك الارتباط الاقتصادي بين البلدين في ظل احتياجات الولايات المتحدة المتزايدة من الطاقة. إن استمرار تدفق النفط من فنزويلا إلى الولايات المتحدة حتى الآن، من دون تقليص أعمال "شيفرون" أو تراجع الكمّيات المصدَّرة إلى الولايات المتحدة، يُرجِّح أن أعمال الشركة في فنزويلا لن تتوقف بحلول مستهل أبريل المقبل كما ينص قرار ترامب، لأن وقف استخراج النفط يتطلب تدرّجاً في تقليص الأعمال بالحقول أولاً حتى التوقف نهائياً، وهو ما يتطلب عادة وقت طويل.
في ظل التصعيد المتزايد بين واشنطن وكاراكاس، يظل ملفا النفط والهجرة ورقتي ضغط أساسيتين في العلاقات المتوترة بين البلدين. تسعى إدارة ترامب إلى فرض عقوبات اقتصادية لإجبار حكومة مادورو على تقديم تنازلات سياسية للمعارضة والانصياع إلى احتياجات الولايات المتحدة الاقتصادية، إلى جانب الامتثال لشروط الهجرة التي حددتها واشنطن. ومع ذلك، قد تؤدي هذه السياسات إلى نتائج عكسية، ما يعقّد العلاقة بين البلدين ويدفع فنزويلا إلى تعزيز شراكاتها مع قوى. وفي مواجهة هذه الضغوط، تعمل كاراكاس على تنفيذ خطط بديلة لتعزيز استقلالها الاقتصادي، رغم التحديات التي تواجهها، وهو ما يمكننا قراءته من مكالمة الفيديو التي جرت منذ يومين بين الرئيس مادورو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث تناولا العقوبات الاقتصادية التي تفرضها إدارة ترامب على فنزويلا، ولاسيما في قطاع النفط.