منظومة "باتريوت" إلى أوكرانيا.. ترامب يناور مجدداً

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعلن خطة لتزويد أوكرانيا بمنظومة "باتريوت" بدعم أوروبي، وسط تحولات استراتيجية وضغوط مالية على الحلفاء.

  • الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي مع نظام
    الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي مع نظام "باتريوت" الصاروخي (وكالات)

في مطلع الأسبوع الجاري، كشف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب عن خطة لبيع أنظمة صواريخ "باتريوت" للاتحاد الأوروبي، تمهيداً لتزويد أوكرانيا بها.

وقال ترامب إنّ "الاتحاد الأوروبي سيدفع ثمنها، نحن لا ندفع أي شيء مقابل ذلك، ولكننا سنرسلها.. لم أتفق على العدد بعد، لكنهم سيحصلون على بعضها لحاجتهم إلى الحماية".

كما أعلن عن اجتماع مرتقب مع الأمين العام لحلف "الناتو"، مارك روته، تزامن مع زيارة وزير الدفاع الألماني إلى واشنطن، لمناقشة مسألة إمداد أوكرانيا بالصواريخ الدفاعية، والحضور العسكري الأميركي في أوروبا، وذلك بعد تصريح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن ألمانيا قبلت دفع كلفة وحدتين من منظومة "باتريوت"، لتسليمهما إلى أوكرانيا، وإعلان المستشار الألماني الأسبوع الماضي النية في ذلك دون تفاصيل.

منذ وصوله إلى البيت الأبيض، تعتمد سياسة ترامب بشكل عام على المناورة وتعديل المواقف والاتجاهات والغموض، أو عدم وضوح الهدف الاستراتيجي والمحددات الحقيقية لمواقف إدارته. وفي الإطار ذاته، يتبع ترامب أسلوب "الصفقات" ومنطق "خطوة بخطوة"، ويستخدم الصورة والتأثير الإعلامي، مع تمييع الصياغات والمواقف في مناسبات عديدة، ليترك هامش تراجع نسبي، ويوسّع من وسائل الضغط على الخصوم والأصدقاء على حدّ سواء.

من ناحية أخرى، مثّلت عملية "شبكة العنكبوت" الأوكرانية ضد البنية العسكرية الروسية دليلاً عملياً على امتلاك أوكرانيا أوراق قوة وفعل، خلافاً لما أظهره ترامب عندما وبّخ زيلينسكي علناً.

وقد تمثّل ذلك في مكالمة هاتفية جرت في 4 تموز/يوليو الجاري، حين سأل ترامب زيلينسكي ما إذا كان يستطيع "استهداف موسكو وسان بطرسبرغ"، فأجابه الأخير بالإيجاب، لكنه طلب تزويده بالأسلحة المناسبة.

الوجه الأوروبي لتحوّلات ترامب

لذلك، لا يُعدّ التحول الأميركي بعد العملية مفاجئاً، خاصةً مع تمسك روسيا بعدم تقديم تنازلات جدية مقابل الضغط الأميركي على أوكرانيا، وامتناعها عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، ما لم تُقدّم لها ضمانات استراتيجية وأمنية طالما طالبت بها. ورغم ذلك، رحّبت موسكو بمبادرة ترامب لإنهاء القتال والتوصل إلى صفقة متوازنة، كانت قاب قوسين أو أدنى من التحقق بوساطة تركية، لولا تشجيع إدارة بايدن وبريطانيا أوكرانيا على التراجع في اللحظة الأخيرة.

تطرح الخطة الجديدة، التي وضعها ترامب بالتنسيق مع الأمين العام لـ"الناتو"، مارك روته، أن يُقدّم الحلفاء الأوروبيون أنظمة "باتريوت" لأوكرانيا، ثم يشترون بدائل أميركية لتحل محلها، ما يمثّل حلاً وسطاً يُرضي ترامب ويحقّق أحد وعوده الانتخابية، بأن يتحمّل الأوروبيون كلفة حماية أنفسهم، مع توصيل دعم معتبر لأوكرانيا في مواجهة "الجموح الروسي" المتصاعد، بعد استهداف المطارات الحربية الروسية.

كما يعكس هذا التوجه تراجع ترامب عن ضغطه السابق على أوكرانيا لقبول تسوية، وميله إلى ما يبدو كمناورة سياسية كبيرة، يسعى من خلالها إلى تحقيق أقصى فائدة ممكنة بأقل كلفة استراتيجية ومالية.

ويشكّل هذا التحرك أحد ثمار سياسة "خطوة بخطوة" التي يتبعها ترامب حتى مع حلفائه، بمن فيهم الأوروبيون، الذين رفعوا إنفاقهم الدفاعي مؤخراً، استجابةً لضغوط ترامب المتكررة وتهديده بالانسحاب العسكري من أوروبا. وهم الآن ينتظرون من ترامب مقابلاً، بإعادة "الالتزام بحماية أوروبا"، خاصة بعد خطوة ألمانيا، التي رفعت إنفاقها الدفاعي من 95 مليار يورو في موازنة 2025 إلى 162 ملياراً في موازنة 2029.

وقد سعى المستشار الألماني إلى إقناع ترامب بأهمية "باتريوت" لأوكرانيا، وأعرب عن استعداد بلاده لشراء بطاريات جديدة من الولايات المتحدة، وتزويد أوكرانيا ببطارية من مخزونها.

لكن، رغم هذه الاستجابة، لا يُترجم ذلك إلى رضا أوروبي كامل، إذ قالت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: "إذا كنا نحن من يدفع ثمن الأسلحة، فهي مساعدتنا نحن… إذا قلت إنك من سيوفّر السلاح ولكن غيرك يتحمّل التكلفة، فهذه ليست مساعدتك أنت".

تصريح يعكس التحفّظ الأوروبي العام تجاه ما يعتبره كثيرون "ابتزازاً" واضحاً، يستخدم فيه ترامب القوة الأميركية للضغط، ويُناور على جبهتين: ضد روسيا، باستخدام القوى الأوروبية، وضد أوروبا، باستخدام التقدّم الاستراتيجي الروسي.

تعقيدات التسليح الصاروخي ضد روسيا

على الرغم من تمركز الهجوم البري الروسي في شرق أوكرانيا، إلا أن القصف الروسي يمتد بالصواريخ والمسيرات إلى الوسط والغرب، في بلد تزيد مساحته عن نصف مليون كلم². في المقابل، لا تغطي بطارية "باتريوت" الواحدة أكثر من 200 كلم²، حسب عدد منصات الإطلاق والتضاريس.

ومن هنا، سبق أن طلبت أوكرانيا 10 بطاريات إضافية، لضمان مستوى مناسب من الحماية، بعد حصولها على 6 بطاريات: اثنتان من الولايات المتحدة، واثنتان من ألمانيا، وواحدة من رومانيا، وأخرى قدمتها ألمانيا بالشراكة مع هولندا.

وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، فإن تكلفة بطارية "باتريوت" الواحدة تتجاوز مليار دولار، بما يشمل منصات الإطلاق والرادارات والصواريخ الاعتراضية، التي تبلغ تكلفة الواحد منها نحو 4 ملايين دولار، في حين تستخدم روسيا طائرات مسيّرة لا تتجاوز تكلفة الواحدة منها 50 ألف دولار، ما يطرح معضلة استراتيجية واضحة: فعالية باهظة الثمن مقابل تهديد رخيص متكرّر.

وكان الجنرال الأميركي المتقاعد والقائد الأعلى السابق لقوات "الناتو"، ويسلي كلارك، قد أشار إلى أنّ التأثير الميداني الحقيقي يتطلب حزمة تسليحية تتجاوز الدفاع الجوي، وتشمل القدرة على ضرب مصادر إطلاق النيران، لا مجرّد التصدي للصواريخ.

ووفق تقرير "التوازن العسكري 2025" الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، تمتلك ست دول أعضاء في "الناتو" بطاريات "باتريوت"، هي: ألمانيا، هولندا، إسبانيا، بولندا، اليونان، ورومانيا. وعلى الرغم من أنّ الأمين العام للناتو، مارك روته، أشار إلى إمكانية مساهمة دول، بينها ألمانيا وفنلندا والسويد، في دعم أوكرانيا، إلا أنه لم يذكر تحديداً أنظمة "باتريوت".

وقد رجّح خبراء إمكانية مساهمة ألمانيا وهولندا وإسبانيا في هذا السياق، نظراً إلى عدد البطاريات التي تملكها هذه الدول، وعدم تعرضها لتهديدات مباشرة، غير أن إسبانيا واليونان أعلنتا تمسّكهما بأولوية حماية قدراتهما الدفاعية.

ويبقى السؤال الأهم: من يرسل "باتريوت"، ومتى؟

تعمل الإدارة الأميركية حالياً على إجراء محادثات مع شركائها في "الناتو" لتحديد مدى استعدادهم للمساهمة، بينما يقوم الجنرال المتقاعد كيث كيلوج، المبعوث الخاص لترامب، بزيارة إلى كييف تستمر أسبوعاً، لإجراء لقاءات مع زيلينسكي وكبار المسؤولين العسكريين.

وبحسب التصريحات الرسمية، فإن "باتريوت" لن تصل إلى كييف قبل عدّة أشهر، رغم إعلان هولندا والسويد والدنمارك عن استعدادها للمشاركة في تلبية الطلب. ويُرجّح، وفق ما قاله السفير الأميركي السابق لدى "الناتو" كيرت فولكر، أن تحصل أوكرانيا على ما بين 12 و13 بطارية في نهاية المطاف، لكنّ تسليمها سيستغرق عاماً كاملاً.

اقرأ أيضاً: ترامب: سنرسل صواريخ "باتريوت" لأوكرانيا.. وكييف ستدفع ثمنها كاملاً

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.

اخترنا لك