هل تحمي الرسوم الجمركية الأميركية الاقتصاد أم تشعل حرباً تجارية عالمية؟
في ظل تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الكبرى، تبرز الرسوم الجمركية الأميركية كسلاح اقتصادي مثير للجدل. فبينما يراها البعض وسيلة لحماية الاقتصاد المحلي، يعتبرها آخرون عبئاً يُهدد التجارة العالمية ويزعزع الاستقرار المالي. في هذا التقرير، نستعرض تطورات السياسات التجارية الأميركية، وأسباب زيادتها للرسوم الجمركية، وتأثيراتها على الاقتصادين المحلي والعالمي.
-
هل تحمي الرسوم الجمركية الأميركية الاقتصاد أم تشعل حرباً تجارية عالمية؟
التجارة الحرة والقيود التجارية
تلعب التجارة الدولية دوراً محورياً في الاقتصاد العالمي من خلال تأثير السياسات التجارية على تدفق السلع والخدمات بين الدول. تنقسم هذه السياسات إلى نوعين رئيسيين: التجارة الحرة التي تزيل الحواجز التجارية، والقيود التجارية التي تهدف إلى حماية الأسواق المحلية.
تاريخياً، ساعدت اتفاقيات مثل NAFTA وTPP على تعزيز التبادل التجاري، فيما تعمل منظمة التجارة العالمية (WTO) على تسوية النزاعات وتعزيز التكامل. تُشجع التجارة الحرة على فتح الأسواق وتبادل المعرفة، ما يُسرّع النمو الصناعي، بينما تُستخدم القيود لحماية المصالح الوطنية عبر فرض رسوم جمركية وضوابط الجودة.
الانفتاح التجاري الأميركي بين الماضي والحاضر
أبرمت الولايات المتحدة 14 اتفاقية تجارة حرة مع 20 دولة، هدفت إلى تقليل الحواجز التجارية. في عام 1971، فرضت رسوماً إضافية على الواردات للضغط على الدول لتعديل عملاتها، ما أدى إلى اتفاقية "سميثسونيان".
في التسعينات، تبنى رؤساء مثل جورج بوش الأب وبيل كلينتون مبدأ العولمة الاقتصادية. إلا أن العقود الأخيرة شهدت تحوّلاً نحو الحماية، خصوصاً مع إدارة دونالد ترامب التي تبنت سياسات تجارية أكثر انتقائية، كرد فعل على تحديات مثل صعود الصين، وتراجع التصنيع، وتأثير التكنولوجيا.
خطط ترامب الضريبية 2025
تتضمن خطط ترامب لعام 2025 تمديد تخفيضات الضرائب على الأفراد والشركات، وإلغاء الضرائب على الضمان الاجتماعي والعمل الإضافي. لكن هذه التعديلات تثير مخاوف من زيادة العجز الفيدرالي بمقدار 1.6 تريليون دولار، ما دفع إلى اقتراح تعديل الرسوم الجمركية كحل تمويلي.
دوافع زيادة الرسوم الجمركية
منذ توليه الرئاسة، غيّر ترامب قرارات الرسوم الجمركية بشكل مفاجئ، واعتبرها "يوم تحرير" للاقتصاد. تهدف التعرفات الجديدة المطبقة في 2 نيسان/ أبريل 2025 إلى تقليص العجز التجاري العالمي، عبر فرض رسوم على أكثر من 60 دولة لديها فائض تجاري مع أميركا، بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي.
في شباط/ فبراير الفائت أعلن ترامب عن فرض رسوم على واردات الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى المعاملة غير العادلة في العلاقات التجارية، وفي بداية الشهر الحالي، وقّع ترامب أمراً لرفع الرسوم إلى حدود 104% على بعض السلع الصينية بسبب "ممارسات تجارية غير عادلة".
اقرأ أيضاً: تعرفات ترامب الجمركية: أهداف أبعد من التجارة
التأثيرات الاقتصادية على المدى القريب والبعيد
التأثير المحلي
- حماية الصناعات المحلية وزيادة فرص العمل
- رفع الأسعار على السلع المستوردة ما يؤدي إلى التضخم
- زيادة الإيرادات الحكومية، مع احتمالية توجيهها للبنية التحتية
- اضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الإنتاج.
التأثير العالمي
- تراجع صادرات الدول المستهدفة وانخفاض النمو الاقتصادي
- تقلبات في الأسواق المالية وتراجع الاستثمارات الأجنبية
- ارتفاع تكاليف السلع المستوردة في الاقتصادات النامية
- ضعف القدرة التنافسية للقطاعات المعتمدة على الاستيراد
مقارنة تاريخية مع تجارب دولية
- الكساد الكبير (1930s): أدى قانون "سموث-هوولي" إلى فرض رسوم جمركية مرتفعة، ما تسبب في تقليص التجارة العالمية وزيادة حدة الكساد الاقتصادي.
- التجربة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية: اتبعت اليابان سياسات حمائية لفترة قصيرة، لكنها تحولت لاحقاً إلى اقتصاد مفتوح، ما ساعد في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
- سياسة استبدال الواردات في البرازيل (1960s-1980s): فرضت البرازيل رسوماً جمركية مرتفعة لحماية صناعاتها المحلية، ما أدى إلى ضعف الكفاءة الاقتصادية وزيادة التضخم والركود لاحقاً.
موقف الدول المستهدفة من فرض الرسوم
بريطانيا
تسعى إلى تفادي التعرفات عبر اتفاق جديد، وتدرس تخفيف ضرائبها الرقمية.
الاتحاد الأوروبي
يحاول الاتحاد تجنب التصعيد عبر مفاوضات، مع استعداد لتقليل تعرفاته إذا فعلت واشنطن المثل.
الهند وكندا
الهند تدرس خفض الرسوم على واردات أميركية بقيمة 23 مليار دولار، فيما تدعو كندا إلى حوار جاد.
الصين
فرضت تعرفات انتقامية وقيوداً على تصدير المعادن النادرة، وتسعى إلى بناء تحالفات إقليمية.
اقرأ أيضاً: رداً على إجراءات ترامب... الصين ترفع الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية إلى 84%
أثر الحرب التجارية على الدولار واليوان
يظل الدولار الأميركي العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، ومن غير المتوقع أن ينهار في المستقبل القريب. ومع ذلك، قد يحدث تحول تدريجي نحو عملات أخرى مثل اليوان الصيني، شرط أن تفقد الولايات المتحدة قدرتها على الحفاظ على استقرار نظامها المالي، وهو أمر غير مرجح في الوقت الحالي. رغم التوترات الحالية، يظل الطلب على الدولار قوياً في النظام المالي العالمي، لكن الاهتمام باليوان قد يزداد على المدى الطويل.
تسعى الصين إلى تعزيز استخدام اليوان في التجارة الدولية، مستغلة مشروع "الحزام والطريق" لتمويل مشروعات ضخمة في الدول التي تستخدم اليوان بدلاً من الدولار، مثل باكستان وإندونيسيا. كما تبذل جهوداً لزيادة قبول اليوان في الأسواق المالية العالمية، ما يعزز مكانتها الاقتصادية، خصوصاً إذا استمرت دول مثل السعودية والإمارات في استخدامه في تجارة النفط، ما يقلل من هيمنة الدولار.
الخلاصة
تشير السياسات الجمركية الجديدة إلى تحول في التوجه الأميركي نحو حماية الاقتصاد المحلي، لكنها تحمل آثاراً جانبية تهدد التجارة العالمية والاستقرار المالي. التحدي الحقيقي هو تحقيق توازن بين المصالح الوطنية والتكامل الاقتصادي الدولي.