الحوار الوطني ينطلق في القاهرة.. وعيون الشارع على ملف الاقتصاد

يتساءل أبناء الطبقات محدودة الدخل في مصر بشأن مدى تأثير الحوار الوطني في أحوالهم المعيشية، وهل يمكن بالفعل أن يصنع فارقاً واقعياً؟

  • عيون الشارع المصري على ملف الاقتصاد.
    عيون الشارع المصري على ملف الاقتصاد.

قبل يومين من عيد العمال، انطلقت أولى جلسات الحوار الوطني في مصر، بمشاركة قطاع واسع من السياسيين والشخصيات العامة والبرلمانيين، من أجل مناقشة قضايا متنوعة قُسمت إلى ثلاثة محاور، سياسية واقتصادية ومجتمعية.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعا إلى عقد حوار وطني يشمل كل القوى السياسية، على أن يتم رفع مخرجات هذا الحوار إليه شخصياً، وذلك خلال حفل إفطار ضمّ عدداً من رموز المعارضة في رمضان 2022.

ويراهن كثيرون من المهتمين بالعمل السياسي داخل مصر على أن يُساهم هذا النوع من الحوارات في لمّ شمل القوى السياسية والمجتمعية الفعّالة داخل البلاد، والحدّ من حالة الاستقطاب القائمة في الأوساط المصرية المتنوعة منذ أعوام، وخصوصاً أن الدعوة إلى الحوار تزامنت مع تفعيل "لجنة العفو الرئاسي" للنظر في قضايا المسجونين على ذمة قضايا سياسية.

في المقابل، يؤكد ناشطون في المجالات الحقوقية داخل مصر أن البلاد لا تزال في حاجة إلى تحقيق انفراجة في حرية الرأي والتعبير، بحيث لا يمكن إقامة حوار سياسي من دون حرية رأي، وأن نجاح الحوار الوطني مرهون بإزالة تلك الغابة من التشريعات المقيِّدة للحرية التي تمّ تمريرها خلال الأعوام الأخيرة.

بعيداً عن جدل النخبة المصرية بشأن جدوى "الحوار الوطني"، يُولي رجل الشارع جلّ اهتمامه بملف الاقتصاد، بحيث أدّى الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات إلى إضافة مزيد من الأعباء على كواهل أرباب الأسر، بحيث لم يعد ثمة حديث يدور داخل مصر إلا ويتعرض لسعر صرف الجنيه والقيمة الشرائية المتدنية للعملة المحلية.

الرئاسة المصرية.. وملامح الجمهورية الجديدة

يركز الرئيس المصري دوماً على مسألة التكاتف بين كل القوى الشعبية والسياسية بغرض تخطي التحديات الصعبة التي تواجه البلاد، داخلياً وخارجياً، مؤكداً أن ضمانة الاستمرار في بناء "الجمهورية الجديدة" وتنميتها مرهونة باستقرار الأوضاع والتكاتف بين جميع المواطنين، وعدم السماح بحدوث أي اختراق.

وكان السيسي وجّه كلمة مسجلة في أولى جلسات "الحوار الوطني"، قال فيها إن الحوار يهدف إلى "مصلحة الوطن ورسم ملامح الجمهورية الجديدة، والتي نسعى لها معاً؛ دولة ديمقراطية حديثة، ونضع للأبناء والأحفاد، خريطة طريق، لمستقبل واعد مشرق يليق بهم".

وأضاف أن دعوته إلى الحوار الوطني تأتي من يقين راسخ بأن الأمة المصرية تمتلك من القدرات والإمكانات، ما يتيح لها البدائل المتعددة، لإيجاد مسارات للتقدم في كل المجالات، سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً، مؤكدا "أن التباين في الرأي لا يفسد للوطن قضية، بل إن حجم التنوع والاختلاف في الرؤى والأطروحات يعزّز بقوة كفاءة المخرجات".

استقبلت الصحف المحلية كلمة الرئيس المصري باهتمام بالغ، مؤكدة أن ما تشهده البلاد حالياً هو حدث استثنائي، ويُعَدّ نموذجاً مصغَّراً عن مستقبل مصر خلال العقود المقبلة، بحيث تدار الأمور فيها عبر التشاور والنقاش وتبادل الخبرات والإنصات إلى مختلف الآراء.

في صعيد مقابل، رأت صحف عالمية أن الحكم على "الحوار الوطني" داخل مصر يكون عبر مخرجاته، وليس عبر الكلمات التقليدية التي تشهدها الجلسات الافتتاحية، وخصوصاً إذا حوت عبارات معهودة، ولم تتضمن وعوداً محددة أو خطة واضحة للعمل.

الفئات والقضايا المستبعدة من الحوار

منذ الدعوة إلى الحوار الوطني، برزت تساؤلات مهمة بشأن الفئات أو المجموعات السياسية التي ستكون مستبعدة من حضور هذا النقاش الواسع، وكان المتوقع أن يتم استبعاد جميع الأطراف التي رفضت المسار الذي اتخذته البلاد منذ حزيران/ يونيو 2013، وواجهته إما برفض مخرجاته التشريعية، وإمّا عبر الأعمال المسلحة والتظاهرات العنيفة.

وأوضح ضياء رشوان، المنسق العام للحوار الوطني، أن "هناك فئتين لم تشاركا في الحوار الوطني، هما من مارس العنف وشارك فيه، ومن يرفض دستور البلاد".

أمّا بشأن القضايا المستبعدة عن الطرح للنقاش خلال الحوار الوطني، فاتفق مجلس أمناء الحوار، على استبعاد 3 قضايا، هي:

- عدم المساس بالدستور القائم

- السياسة الخارجية المصرية

- الأمن القومي الاستراتيجي

وفسّر المسؤولون عن إدارة الحوار استبعاد تلك القضايا، بأن السياسة الخارجية هي "محل اتفاق بالإجماع"، أما أمن البلاد القومي فيخضع لإدارة القوات المسلحة، وهي محل "ثقة كاملة".

مشاركة واسعة.. وحضور للمعارضة

بحسب خبراء، استغرق الإعداد للحوار الوطني وقتاً أطول من المتوقع، حتى إن البعض شكك في إمكان حدوثه، إلّا أن هذه الشكوك زالت في الثالث من نيسان/أبريل، مع الحضور الواسع من جانب عدد من الأطياف السياسية وممثلي الأحزاب وحقوق الإنسان، وبعض الناشطين الذين أضوا فترات داخل السجون.

وشاركت الحركة المدنية الديمقراطية، في الجلسة الافتتاحية لـ"الحوار الوطني"، وجاء ذلك بناءً على اجتماع عقده قادة الحركة المعارِضة قبل يومين من جلسة الافتتاح في حزب المحافظين، استمر نحو 4 ساعات، وانتهى بالتصويت بالمشاركة بأغلبية 13 من المشاركين، في مقابل اعتراض 9.

وكان خالد داوود، المتحدث الإعلامي للحركة المدنية، أكد أنه على رغم عدم تحقيق كل الضمانات التي طالبت بها المعارضة في فترة الإعداد للحوار، فإن المشاركة في الحوار الوطني تأتي باعتباره محطة من محطات الإصلاح السياسي، ولن يكون نهاية المطاف، مشيراً إلى أن هناك انتخابات رئاسية العام المقبل، والخروج بنتائج إيجابية من الحوار سيدفع القوى المدنية إلى المشاركة.

وتضم الحركة المدينة عدداً من الأحزاب، هي: التحالف الاشتراكي، المصري الديمقراطي، الدستور، المحافظون، الإصلاح والتنمية، الكرامة، العدل، الشيوعي، الاشتراكي المصري، العربي الناصري، الوفاق القومي، العيش والحرية.

ولقيت مشاركة فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي (المعارض)، اهتماماً ملحوظاً من الناشطين عبر مواقع التواصل، بحيث تضمنت كلمته، خلال فعاليات الجلسة الافتتاحية، إشارة إلى مسؤولية سياسات الدولة عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة، وأنه لا يمكن إرجاعها فقط إلى جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

وأكد أن أي أزمة تواجه أي مجتمع لها حلان، أحدهما يشير إلى الطريق الأمني منعاً لحدوث اضطرابات، وهو حل اعتُمد عشرات الأعوام في مصر، لكن الحل الثاني أن تتم معالجتها عبر إشراك المواطنين في الحل، عبر فتح الباب أمام حرية الرأي والتعبير، فتظهر بدائل وقوى منظمة.

عمرو موسى.. وكلمة نارية

وكان عدد من السياسيين ورؤساء الأحزاب ألقى كلمات خلال الجلسة الافتتاحية، إلّا أن أبرز الكلمات كانت من نصيب عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، والمرشح الرئاسي السابق عام 2012، ورئيس لجنة إعداد الدستور عام 2014، والذي أشار إلى شعور المصريين بالقلق في هذه المرحلة، نظراً إلى خوفهم على مصير البلد.

وقال موسى إن الناس يتساءلون "ماذا جرى وماذا يجري؟ وأين فقه الأولويات في اختيار المشاريع، وأين مبادئ الشفافية؟ وما حالة الديون المتراكمة ومجالات إنفاقها وكيفية تسديدها؟ وخصوصاً أن الاقتصاد متعب ومرهق".

ولفت إلى أن الشعب المصري في حاجة إلى إجابات "صريحة وأمينة" عن كل التساؤلات.

وأضاف موسى أن "الناس يتساءلون عن الحريات وضماناتها، والبرلمان وأدائه، والأحزاب وآلياتها، وعن الاستثمار وتراجعه وهروب الاستثمارات المصرية لتؤدي وتربَح في أسواق أخرى، كما أن الناس يتساءلون عن التضخم والأسعار إلى أين، وإلى متى.

وانتقد موسى بعض الأوضاع داخل مصر، متسائلاً "هل سيطرت السياسات الأمنية على حركة مصر الاقتصادية فأبطأتها وقيدتها؟ هل شلت البيروقراطية المصرية حركة الاستثمار فأوقفتها".

وطالب موسى بأن يتم إبلاغ الشعب بنتائج الحوار عن طريق البرلمان ليناقشها، وألا يقتصر الأمر على رفعها إلى رئيس الدولة.

"الحوار الوطني" إشارة إلى استقرار الدولة

يركز الإعلام المؤيد للدولة المصرية على أن أبرز إنجازات الحكومات المتعاقبة، منذ حزيران/يونيو 2013، هو قدرتها على فرض الأمن وتحقيق الاستقرار في ظل أوضاع إقليمية وعالمية شديدة الاضطراب والفوضى، حتى إن عجزت عن تحقيق آمال المصريين في ملفات أخرى.

في هذا السياق، ركزت الصحف والفضائيات الحكومية، خلال الأيام القليلة الماضية، على أن إقامة حوار سياسي ومجتمعي ضخم من هذا النوع، ويجمع عدداً من النخب البارزة في المجتمع، سواء المؤيدة للسلطات أو المعارضة لها، يُعَدّ دليلاً دامغاً على حالة الاستقرار التي تنعم بها البلاد.

ويقارن أصحاب تلك الرؤية بين أوضاع المصريين حالياً وأوضاعهم منذ عدة سنوات، بحيث كانت الأوضاع الأمنية أكثر اضطرباً، وكانت لدى الجماعات المتطرفة القدرة على توجيه الرصاص إلى صدور أفراد الأمن والمدنيين، وتهديد حالة الوحدة الوطنية التي توليها السلطات دوماً أهمية بالغة.

الأولوية لرغيف العيش ولتر السولار

على رغم الاحتفاء الإعلامي الواسع بجلسات مؤتمر الحوار الوطني، والنقاشات التي دارت بين النخب السياسية خلال فترة الإعداد له، فإن التفاعل الجماهيري مع الحدث يظل خافتاً، نظراً إلى اهتمام ملايين المصريين بمتابعة الأسعار التي ترتفع بصورة مقلقة، وتجعلهم مجبرين على التركيز على معيشتهم، في الدرجة الأولى، بعيداً عن اي ملف آخر.

ويتساءل أبناء الطبقات محدودة الدخل في مصر بشأن مدى تأثير هذا النوع من الاجتماعات السياسية الضخمة في أحوالهم المعيشية، وهل يمكن بالفعل أن تصنع فارقاً واقعياً، يجعل في إمكانهم توفير طعام وتعليم وعلاج أفضل لأبنائهم؟

وكانت وزارة البترول الثروة المعدنية، قررت بالتزامن مع جلسات الحوار الوطني، رفع أسعار السولار "الديزل" بمقدار جنيه واحد، ليصبح سعر البيع 8.25 جنيهات، الأمر الذي تسبب بزيادة أسعار تعرفة ركوب سيارات الأجرة، كما تم الإعلان، منذ وقت قريب، بشأن زيادة أسعار السلع التموينية، في وقت تكافح الحكومة المصرية للسيطرة على نسب التضخم المرتفعة ونقص الدولار.

من جانبها، أكدت جمعية رجال الأعمال المصريين جاهزيتها، في عدد من التوصيات في كل القطاعات الاقتصادية، للعرض على الخبراء والمتخصصين في الحوار المجتمعي، وخصوصاً في القطاعات التي تمثل أولوية في هذه المرحلة، وعلى رأسها الاستثمار والقطاع الإنتاجي، في شقيه الزراعي والصناعي، وكذلك ملف التصدير