الحرب تدمر اقتصاد غزة: عشرات الآلاف من العمال بلا مصدر رزق
العدوان الإسرائيلي دمّر اقتصاد غزّة بالكامل، ورفع الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية، تاركاً آلاف العمال بلا مصدر رزق ومهدداً الاستقرار الاجتماعي.
-
الحرب تدمر اقتصاد غزة: عشرات الآلاف من العمال بلا مصدر رزق
شهد اقتصاد قطاع غزة دماراً واسعاً نتيجة عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأخير، الذي طال معظم المنشآت الصناعية والتجارية والزراعية، ما أدّى إلى توقف الإنتاج وعرقلة الحركة الاقتصادية بالكامل، وانعكس مباشرة على حياة العمال الذين فقد كثير منهم وظائفهم وأصبحوا بلا مصدر رزق ثابت، عاجزين عن تأمين أبسط احتياجاتهم اليومية.
ظروف قاسية ومهن مؤقتة
وسط هذا الواقع الكارثي، يكابد العمال الفلسطينيون ظروفاً قاسية، من بينهم أمير سويلم، الذي فقد عمله منذ الأيام الأولى للعدوان في إثر إغلاق المحل التجاري الذي كان يعمل فيه نتيجة خطورة الأوضاع الأمنية.
يقول سويلم للميادين نت: "بعد أسابيع قليلة استهدفت طائرات الاحتلال المبنى الذي كان يضمّ المحل، وأصبحت بلا مصدر رزق إلى جانب عشرة عمال آخرين كانوا زملائي"، مضيفاً أنّ فقدان مصدر دخله الوحيد، إلى جانب ارتفاع الأسعار وتكرار النزوح، جعل الحياة تحدياً يومياً لا يُحتمل.
ويؤكد أنّ الأفق لا يزال مسدوداً أمام العمّال بعد الحرب، إذ لا توجد فرص للدعم أو لإنشاء مشاريع صغيرة في مدينة مدمرة، ما يزيد معاناة أسرته، التي كانت ظروفها صعبة قبل الحرب، بمتوسط دخل يومي لا يتجاوز 25 شيكل (حوالى 6.5 دولارات) بالكاد يغطي احتياجاتها الأساسية.
أما العامل تامر صبح، فيؤكد أنّ أيام الحرب كانت قاسية للغاية عليه وعلى أسرته، بعد تدمير بقالته وفقدان مصدر دخله الوحيد، ما تسبب بنقص حاد في احتياجات أسرته الأساسية.
ويوضح صبح للميادين نت أنّ توقف العمل وطول أمد العدوان اضطره للبحث عن أي مصدر دخل لتأمين الحد الأدنى من متطلبات أسرته، مشيرًا إلى أنّ الأزمة بعد الحرب تتفاقم بسبب الحاجة الماسة لمستلزمات أساسية مثل الطعام والماء والملابس والفراش والأدوات المنزلية، وسط مدينة مدمرة تجعل التعافي الاقتصادي صعبًا للغاية، ما يزيد من معاناته.
المواطن عمر البطنيجي، الذي كان يعمل كسائق سيارة أجرة لأحد أقاربه مقابل نسبة من الأرباح اليومية، وجد نفسه منذ الأيام الأولى للحرب بلا عمل بعد أن اضطر لتسليم السيارة بسبب صعوبة الحركة والخطر في الشوارع.
وفي حديثه إلى الميادين نت، يقول البطنيجي إنّ "فقدان مصدر دخلي الأساسي تركني عاجزاً عن تأمين أبسط احتياجات أسرتي من طعام وملابس وماء"، مؤكداً أنّ الضغط النفسي والاجتماعي المستمر، إلى جانب غياب أي دعم، يضاعف معاناته ويجعل الواقع أكثر قسوة.
ويشدد على أنّ "توقف الحرب عسكرياً لا يعني نهاية المعاناة، فالأسعار مرتفعة، وأجرة المواصلات مرتفعة، ونقص الماء والغذاء والمأوى مستمر، في ظل غياب أي مصادر دخل جديدة".
ولتخفيف وطأة الأزمة، لجأ إلى العمل في مهن مؤقتة مثل بيع الخضار وحمل البضائع، إلا أنّ هذه المصادر انهارت سريعاً بسبب إغلاق المعابر ونفاد البضائع، كما عمل في مخبز يدوي مقابل أجر متواضع بالكاد يغطي احتياجات أسرته.
غياب التعويض والاعتماد على المساعدات
دمرت طائرات الاحتلال محال الخمسيني قاسم الدحدوح الأربعة وأحرقت مخازنه في حي الزيتون، ما أدى إلى حرمان نحو 90 شخصاً من مصدر رزقهم، ويدفعهم للاعتماد على المساعدات الإنسانية.
يقول الدحدوح للميادين نت: "فقدت كل ما أملك، المحال والمنزل والسيارة، ولم يعد لدي أي شيء يمكنني من مواجهة هذا الواقع المأساوي، ولم أعش الجوع إلا في هذا العدوان، الآن كل ما أفعله هو طلب المساعدات لتأمين أبسط احتياجات أسرتي".
ويضيف: "حتى بعد انتهاء العدوان، لا أستطيع العودة للعمل، فمحالي التي كانت توظف عشرات العمال دُمّرت، وأصبح الجميع بلا مصدر رزق".
ويعيش الدحدوح حالة إحباط كبيرة، مستذكراً عدوان 2014 حين استغرق الحصول على أي تعويض سنوات طويلة، ما يجعل المستقبل قاتماً بالنسبة له.
خسائر اقتصادية فادحة
تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أنّ نسبة البطالة في غزة بلغت 80% بعد عامين من الحرب، ما حول معظم القوى العاملة إلى عاطلة أو مشردة. وكانت معدلات الفقر قبل العدوان تتجاوز 63%، لكنها بعده وصلت إلى مستويات قريبة من المجاعة.
تكبّد قطاع غزّة خلال الحرب خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة تقدَّر بنحو 70 مليار دولار، ما محا أكثر من سبعين عاماً من التقدّم التنموي. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بين 45% و60%، فيما تجاوزت البطالة 80%، مع فقدان نحو 200–220 ألف شخص وظائفهم، أي ما يزيد على ثلاثة أرباع القوى العاملة، وفق بيانات رسمية.
ولم يقتصر الدمار على المنشآت الاقتصادية، بل شمل الطرق وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات، ما يجعل استئناف أي نشاط اقتصادي شبه مستحيل ويشل مقومات الحياة الأساسية للسكان.
واقع كارثي
وفي الإطار عينه، يرى رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، سامي العمصي، أنّ واقع العمال في غزة "كارثي بكل المقاييس"، مؤكداً انهيار القطاع بشكل غير مسبوق.
ويبين العمصي خلال حديثه إلى الميادين نت انهيار جميع القطاعات، ما دفع العمال للاعتماد على المساعدات الإنسانية، مع ارتفاع نسبة الفقر بينهم إلى مستويات غير مسبوقة بعد أن كانت تتجاوز 60% قبل الحرب.
ويوضح أنّ آلاف العمال فقدوا مصادر دخلهم، فيما يعمل آخرون بأجور منخفضة أو بدون أجر، وأن استمرار إغلاق المعابر وقيود دخول المساعدات يجعل أي حديث عن التعافي ضرباً من الوهم، داعياً إلى أن تتصدّر قضيّة العمال أولويات المرحلة المقبلة من خلال دعم المشاريع التنموية والتشغيلية التي تحمي حقوقهم وكرامتهم.
انهيار بنيوي وإنساني
بدوره، يشير الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم إلى أنّ اقتصاد غزة خلال عامين من الحرب شهد "انهياراً بنيوياً وإنسانياً غير مسبوق"، حيث أثّر الدمار على البنية التحتية والمرافق الإنتاجية والمنازل، ودفع أكثر من ثلثي السكان إلى ما دون خط الفقر.
ويؤكد عبد الكريم للميادين نت أنّ الاقتصاد انتقل من الحصار المزمن إلى الشلل الكامل، مع توقف الإنتاج وتراجع القوة الشرائية وفقدان المؤسسات القدرة على دفع الرواتب أو تقديم الخدمات، موضحاً أنّ غياب الأفق السياسي والقيود على حركة الأفراد والبضائع جعل أي حديث عن التعافي مجرد أماني.
ويقدّر عبد الكريم أنّ الاقتصاد تضرر بنسبة 90 إلى 95%، مع بقاء بعض الأنشطة الخدمية والتجارية المحدودة، مشدداً على أنّ الإصلاح ممكن بشرط انسحاب الاحتلال وفتح المعابر وتمويل إعادة الإعمار وإدارة موحدة بين غزة والضفة، وتحقيق تفاهمات "اليوم التالي" ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير.
أزمة البطالة والفقر تهدد الاستقرار
من جانبه، يبيّن رئيس غرفة تجارة وصناعة غزة، عائد أبو رمضان، أنّ الشلل التام للقطاعات الإنتاجية والتجارية أدى إلى إغلاق مئات المصانع والمنشآت، وتوقف النشاط الزراعي والصناعي تقريباً، ما تسبب بتسريح عشرات الآلاف من العمال ورفع معدلات البطالة إلى أكثر من 85% والفقر إلى نحو 90%.
ويلفت أبو رمضان إلى أن الانهيار الاقتصادي يهدد الأمن الاجتماعي واستقرار المجتمع، ويجعل السكان عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، مع استمرار الأزمة الإنسانية وتأثيراتها الطويلة الأمد من دون تدخل عاجل لإعادة الإعمار ودعم الاقتصاد.