غضب شعبي بعد تحطّم "تمثال الشهداء" في حلب: لا للعبث بتراثنا!

أثار تحطّم تمثال الشهداء وسط ساحة سعد الله الجابري في حلب أثناء محاولة نقله موجة غضب شعبي واسع. واعتبر الحلبيون ما جرى سقوطًا رمزيًا لمعْلمٍ شكّل جزءًا من هويتهم التاريخية والثقافية لعقود.

0:00
  • غضب شعبي بعد تحطّم تمثال الشهداء في حلب: لا للعبث بتراثنا!
    غضب شعبي بعد تحطّم تمثال الشهداء في حلب: لا للعبث بتراثنا!

في مدينة تتنفس التاريخ، وتنهض على ذاكرة من حجر، لم يكن مشهد سقوط تمثال الشهداء مجرد حدث عابر، بل لحظة صادمة فتحت أبواب الأسئلة أمام الذاكرة الجمعية للشارع الحلبي. 

ارتفعت موجات الغضب لدى سكان مدينة حلب على مواقع التواصل الاجتماعي بعد مشاهد صادمة صورتها كاميرات الهواتف، تظهر تحطم تمثال الشهداء الذي يتوسط ساحة سعد الله الجابري في مركز المدينة أثناء نقله.

وقد شكل هذا الحدث صدمة لعدد من الحلبيين الذين اعتبروه سقوطاً رمزياً لمعلم ظل ثابتاً في قلب المدينة لعقود.

فالتمثال يعد شاهداً على تقلبات المدينة لأكثر من نصف قرن، وهو بحساب الأجيال من عمر أجداد الخمسينات والستينات من أبناء المدينة، والذين شهدوا فترات ما بعد الاستقلال والنكسة وبدايات تشكل الهوية الوطنية في سوريا. فماذا حدث؟ وهل تمت عملية نقله بطريقة مسؤولة؟ وهل البيان الرسمي كاف لطمأنة الأهالي واستعادة ثقتهم؟

رمزية التمثال

شيّد تمثال الشهداء أيام الاستقلال السوري من الاستعمار الفرنسي ليعبّر عن وفاء المدينة لتضحيات أبنائها الشهداء الذين قدموا أرواحهم في سبيل تحرير البلاد واستقلالها، ومنحه موقعه في أشهر الساحات التاريخية للمدينة بعداً راسخاً في الذاكرة الحلبية، جعله يتجاوز قيمته المادية إلى حضور رمزي عميق.

وارتبط التمثال في وجدان الحلبيين بمكان الطفولة في أيام الزمن الجميل ونزهات العائلة. وبالنسبة للكثيرين تعد ساحة سعد الله الجابري المرتبطة بالتمثال صلة وصل بين أطراف المدينة، يقصدها معظم السكان بشكل يومي، الأمر الذي جعل تمثال الشهداء واحداً من أهم المعالم التي تشكل الهوية البصرية لمدينة حلب إلى جانب القلعة والأسواق القديمة.

كيف سقط تمثال المدينة؟ 

أظهرت مقاطع الفيديو التي أثارت ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي عملية نقل تقوم بها مديرية الآثار والمتاحف للتمثال بصورة أدت إلى تحطم جزء كبير منه، وقد تحول هذا الحدث إلى قضية رأي عام اعتبرها البعض "عملية تحطيم مقصودة"، فيما طالب آخرون بفتح تحقيق في الحادثة ومحاسبة المقصرين. 

أبو عبدو (62 عاماً)، تاجر قديم في المدينة القديمة، قال للميادين نت: "أنا حضرت تركيب هالتمثال من سنين، كبرنا عليه وهو مو مجرد حجر، وقت شفت الفيديو ما صدقت، حسيت حلب عم تنهان حتى لو بدهن يرمموه ما هيك بتنقل التماثيل.. ليش هالعنف والاستخفاف؟!".

ونشر محمد ياسين نجار، أستاذ مدرسة، ملاحظاته النقدية حول إزالة التمثال، مفنداً ثلاثة عناصر رئيسية للحدث: "الأسلوب، والمسؤولية، والهوية الثقافية". وقال: "طريقة الإزالة كانت صادمة ومهينة، تم التعامل مع التمثال بشكل غير فني وغير مهني، وكأن الهدف لم يكن الإزالة بحد ذاتها، بل التحطيم المتعمد"، متسائلاً: "هل يُعقل أن يكون هذا هو أسلوب مدينة بحجم حلب تضم أكثر من خمسين ألف مهندس؟".

وتصاعدت الأصوات المستنكرة من مختلف شرائح المجتمع الحلبي، كالفنانين والمثقفين والمهندسين الميكانيكيين والمهتمين بالآثار على طريقة نقل التمثال التي أدت إلى سقوطه.

توضيح رسمي

على خلفية هذا الحادث وما خلفه من ردود أفعال، أصدرت مديرية الآثار والمتاحف بياناً أوضحت فيه أن الحادثة غير مقصودة، وأن عملية النقل جاءت ضمن إطار خطة إعادة تأهيل الساحة.

إلا أن هذا البيان لم يطفئ الغضب الشعبي، ما استدعى بياناً آخر صدر يوم أمس عن محافظ حلب عزام الغريب رفض فيه التبريرات غير المنطقية لطريقة نقل مجسم التمثال، ووعد بمحاسبة الجهات المعنية القائمة على عملية النقل.

وقال عزام في هذا السياق: "أؤكد لأهالي حلب أن ما جرى غير مقبول بأي معيار، وأن المسؤولية ستحمل بالكامل للجهة التي نفذت النقل بدون الالتزام بالمعايير الفنية والإنشائية التي تم التأكيد عليها مسبقاً".

ورداً على بعض المقاطع المصورة التي نشرها بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي على أنها دليل على وجود خلفية أيديولوجية لتحطيم التمثال، نفى محافظ حلب هذه الاتهامات، مؤكداً أن نقل التمثال كان قراراً إدارياً ضمن خطة تطوير عمراني.

اخترنا لك