"دمه على الحطب".. غزيون يواجهون مخاطر يومية لتأمين وقود النار

يواجه أهالي غزة شمالي القطاع مخاطر يومية في البحث عن الحطب، البديل عن غاز الطهي الذي لم يدخل مدنهم منذ بداية الحرب، فالكثير منهم عاد والدم يلطخ الحطب بعد تعرضهم لإصابات من جراء استهدافات مباشرة بمدفعيات الاحتلال.

  • "دمه على الحطب".. غزيون يواجهون مخاطر يومية لتأمين وقود النار

ينظر محمد عليان إلى طفله الذي يصرخ من شدة الجوع، فذلك الطفل الذي لا يتجاوز عمره عدة أشهر يحتاج إلى الماء الساخن كي تُعد أمه الحليب، ويحظى بساعات من النوم تخفف حدة بكائه، لكن ذلك لن يحدث، لأن محمد لا يملك الغاز أو الحطب لإشعال النار وتنفيذ تلك المهمة التي باتت مستحيلة، بعدما أصبحت منطقة شمال قطاع غزة تعاني من نقص حاد في غاز الطهي منذ ما يقارب ثمانية أشهر. 

تردد محمد في الحديث قبل أن ينفجر عندما أتت صرخات زوجته من الداخل: "ماذا سنفعل الآن"، فالطفل حسب حديثه، كان يتناول حليبه بمياه باردة غير نظيفة مما سبب له مشكلة في الأمعاء، لهذا السبب كان على الأب التحرك نحو أماكن خطرة يحظر جيش الاحتلال الوجود فيها، كمنطقة تل الهوى غربي قطاع غزة.

يقول محمد: "ذهبت ومن حولي هدير قذائف المدفعية والطائرات المسيرة فوق رأسي إلى منطقة الأبراج التي يطلق عليها لقب مدينة الأشباح، لخلوها من السكان منذ منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، وهي من المناطق المعدودة التي تصلح للتحطيب بعد تدميرها من قبل قوات الاحتلال وتحويل عفش البيوت المهشم إلى مادة تصلح لتلك المهمة".

ويضيف للميادين نت أنه يستشعر الخطر في كل مرة يخرج فيما تلاحقه الطائرة المسيرة ومحاطاً بالطلقات النارية التي تخطئه خلال جمعه الحطب ووضعه في كيس الطحين الفارغ. يعود من رحلة الموت إلى البيت بغنيمته التي ستريحه على الأقل لمدة 15 يوماً هو وعائلته.

بينما ما يزال إيهاب الوحيدي يبحث عن منطقة صالحة للتحطيب، فكلما سأل أحد يجيبه بأنه لا يعلم، وعلى الرغم من أن أماكن وجد الحطت ليست مناجم للذهب، لكنها اليوم كذلك، على حد وصف إيهاب وقاطني المدينة المحاصرة الذين أنهكتهم حرب طاحنة.

ربما يعرف إيهاب بعض المناطق التي تصلح للتحطيب، لذا عليه أن يجرب حظه بالأماكن التي تنسحب منها القوات البرية المتوغلة، كونها تخلف دماراً كبيراً في المباني، وكذلك أثاث البيوت الذي لا يصلح سوى للحرق، مردفاً أن الأمر يحمل نسبة خطورة عالية، خاصة مع التحليق المكثف لطائرات الاستطلاع وخلو المكان من السكان، بالتالي غياب من يسعفه إن حدث مكروه.

وهذا ما فعله عندما أنهى الاحتلال مجزرته الأخيرة في مستشفى الشفاء، يذكر إيهاب: "قررت الذهاب إلى هناك طمعاً في الحصول على كيسيين من الحطب، وبالفعل تمكنت من ذلك، لكن وأنا ألتقط الخشبة الأخيرة اكتشف أنها عالقة تحت أحد المركبات وكونها صالحة لطهي وجبة جذبتها نحوي بقوة"، لكنه تمنى لو أنه لم يفعل، فتلك الخشبة كانت تعلق بجثة رجل تعبر ملامحه المتخشبة عن هول ما حدث هناك، وكيف مضى لحظاته الأخيرة وهو يضع يداه على أذنيه تحت المركبة.

تتكرر هذه المآسي في قصص مختلفة، فالسيدة الستينية أم يوسف الصفدي، دفعتها حاجتها لأن تلقي بأحد أبنائها في مناطق التحطيب التي رجع مؤخراً منها ودمه منسكب على الحطب. وتقول إنه منذ عدة أيام اتفق ابنها مع أبناء عمومته للذهاب إلى التحطيب في مناطق مختلفة شمالي القطاع، مثل حي النصر، تل الهوى، وأطراف حي الزيتون، وبعد عدة ساعات رجع نجلها وقد أصيب إصابة بالغة في قدمه، إذ تم توجيه الدبابة قذيفة بالقرب منهم، مما أدى إلى تفرقهم مدة وجيزة، ثم حاولوا الوصول مرة أخرى لإسعاف بعضهم البعض إلى أقرب مشفى.

تستكمل أنها تدبر أمور منزلها بصعوبة بالغة فلا تستطيع شراء حزمة الحطب بما يفوق أحياناً الأربعة دولارات لإعداد الوجبة الواحدة، في وقت تعتمد هي وغالبية السكان على المساعدات الإنسانية للحصول على الغذاء، مشيرة إلى أنها وجميع النساء تتمنى لو يدخل غاز الطهي عما قريب، لتنتهي تلك المعاناة التي تزيد كل يوم من أعباء الظروف المعيشية التي خلفتها الحرب.