أبناء حوران ينتقضون ضد خطط نتنياهو: جنوب سوريا لن يكون إلا سورياً

جابت عدة تظاهرات مدن سورية مختلفة، طالبت المجتمع الدولي بكبح جنون نتنياهو في المنطقة، ورفع متظاهرون في درعا والسويداء شعار "الجنوب سيبقى سورياً"، بينما اجتمع المئات في حمص للتنديد بتصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية.

  • أبناء حوران ينتقضون ضد خطط نتنياهو: جنوب سوريا لن يكون إلا سورياً
    أبناء حوران ينتقضون ضد خطط نتنياهو: جنوب سوريا لن يكون إلا سورياً

"الموت لإسرائيل"، "لا للوصاية الإسرائيلية"، وغيرها من الشعارات التي صدحت بها حناجر السوريين في ساحة الأمويين وسط العاصمة دمشق، بعد إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي توغله مجدداً في عمق الأراضي السورية، ووصوله إلى الحدود الإدارية الفاصلة بين محافظتي القنيطرة ودرعا جنوباً.

هذا التوغل جاء بعد إعلان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أن جيش الاحتلال سيحتفظ بمواقعه في سوريا كإجراء دفاعي، وقال: "لن نسمح لقوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد بدخول الأراضي الواقعة جنوب دمشق. ونطالب بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا، في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء".

ولعب نتنياهو على الوتر الطائفي محذّراً من "تهديد" المجتمع الدرزي في السويداء، والذي يعتبر امتداداً لأبناء الطائفة في الجولان المحتل، وطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدم وجود أيّ سلاح في محافظات جنوب سوريا.

وفي رد مباشر على تصريحات نتنياهو أعلن قائد "تجمّع أحرار جبل العرب" في السويداء الشيخ سليمان عبد الباقي رفضه القاطع لتدخل أي جهة خارجية بالشأن السوري الداخلي.

وقال عبد الباقي في تصريح مقتضب: "نحن سوريون وهويتنا سورية، نريد بناء الوطن والعيش بسلام، ومطالبنا كالسوريين جميعاً هي البناء والسلام، وأضاف أن أبناء سوريا قادرون على تقرير مصيرهم من دون تدخل خارجي".

كما جابت عدة تظاهرات مدن سورية مختلفة، طالبت المجتمع الدولي بكبح جنون نتنياهو في المنطقة، ورفع متظاهرون في درعا والسويداء شعار "الجنوب سيبقى سورياً"، بينما اجتمع المئات في حمص للتنديد بتصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية.

"لن نكون إلا مواطنين سوريين"، بهذه العبارة بدأ الناشط من محافظة السويداء علاء جاد الله حديثه للميادين نت، ردّاً على تصريحات نتنياهو التي زعم فيها رغبته بحماية الدروز في الجنوب، وأكد جاد الله أن المحافظة جزء لا يتجزأ من سوريا، وهي لن تكون تحت حماية الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحاول فرض وصايته على المنطقة وتنفيذه مشروعه التوسعي في الشرق الأوسط بأكمله.

ويؤكد الناشط السوري أن شعب السويداء قال كلمته من خلال النزول إلى "ساحة الكرامة" وإطلاق شعارات التنديد بالأطماع الإسرائيلية، والتي تهدف إلى بثّ الشرخ بين مكونات النسيج السوري الواحد، وأشار جاد الله إلى أن "نتنياهو يملك مشروعاً تقسيمياً في سوريا، وبدايته ستكون من الجنوب، إلا أن أبناء حوران سيقفون بوجه تلك الأحلام ويُحطّمونها".

"إسرائيل" تريد السيطرة على الجنوب السوري

منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد، بدأت "إسرائيل" بفرض سيطرتها على المنطقة العازلة بين القنيطرة والجولان المحتل جنوب سوريا، برغم أن المنطقة قائمة بموجب قرار دولي تم التوصل إليه عام 1974، بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر التي جرت عام 1973، ويقضي القرار بجعل المنطقة العازلة منزوعة السلاح وتشرف عليها قوات دولية.

ولم يقتصر الأمر على مجرد وجود عسكري وإعلان أنه إجراء مؤقت، لكن "تل أبيب" أعلنت أن احتلالها لبعض المناطق سيبقى دائماً، والأدهى أنها صارت تتطلع إلى إنشاء نوع من الإدارة المدنية العسكرية في مناطق احتلالها الجديدة وتنظيم حياة الناس فيها بربطهم باقتصادها من خلال فتح آفاق تشغيل للعمّال السوريين.

والأكيد أن كل ذلك ما كان ليحدث لولا تدمير "إسرائيل" للقدرات العسكرية السورية من مطارات وطائرات وموانئ وسفن حربية ومخازن استراتيجية ومراكز الأبحاث والعلوم، ضمن سلسلة من الهجمات الجوية التي رافقت عملية إسقاط النظام في دمشق يوم الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهو ما وصفته الصحافة العبرية بأنه "أكبر الهجمات العسكرية في تاريخ إسرائيل".

إغراءات كُبرى للمدنيين

تعي "إسرائيل" هول الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سوريا منذ سنوات وتأثيرها المباشر على الحياة المعيشية للسوريين، لذلك تسعى حكومة الاحتلال إلى إغراء المدنيين في الجنوب السوري بالأموال من أجل ترسيخ مشروعها الاحتلالي.

وفي هذا السياق أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أن المؤسسة الأمنية، بدأت العمل أخيراً من أجل جلب العمال السوريين إلى القرى والبلدات في الجولان المحتل، وذلك كجزء من خطة "إسرائيل" لترسيخ وجودها في سوريا.

ونقلت الهيئة العبرية عن مصدرين قولهما إن المرحلة الأولى تتضمن استجلاب عشرات العمّال السوريين للعمل في مجالات الصناعة والبناء والزراعة في القرى الدرزية في الجولان، وذكرت أن قوات الجيش الإسرائيلي تستعد للبقاء في المنطقة العازلة السورية، "إلى أجل غير مسمى".

في الأثناء، أجرى جيش الاحتلال الإسرائيلي مسحاً سكانياً وخدمياً واسعاً في القرى التي توغّل فيها أخيراً، داخل المنطقة العازلة في محافظة القنيطرة، بهدف نقل العمّال إلى الأراضي المحتلة ومن ثم عودته إلى القنيطرة في نهاية اليوم، مقابل نحو 100 دولار كأجر يومي.

الأستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق يزن ريّا يؤكد للميادين نت أن تصريحات نتنياهو الأخيرة هدفها الرئيسي زعزعة بنية المجتمع السوري ومنع قيام دولة واحدة تعبّر عن مختلف المكونات، فالحكومة الإسرائيلية تسعى منذ سنوات لوضع يدها على الجنوب لتأمين منطقة عازلة متقدمة على طول الشريط الحدودي مع سوريا، ويصل إلى عمق عشرات الكيلومترات داخل الأراضي السورية.

ويشير الخبير السوري إلى أن أحلام نتنياهو باحتلال القنيطرة والسويداء ودرعا عبّر عنها قادة الاحتلال أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، لكن نتنياهو اليوم يستخدم خطاباً طائفياً مناطقياَ لتحقيق غاياته، مستفيداً من حالة الفوضى التي تعيشها البلاد، وانشغال الإدارة الجديدة بترتيب أوراقها السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية.

ويضيف ريّا أن "إسرائيل" كانت أبرز المستفيدين من سقوط نظام الأسد، حيث عملت خلال الشهرين الماضيين على تدمير قدرات الجيش السوري، والتوغل نحو الحدود الإدارية لمحافظة درعا من جهة القنيطرة، وأخيراً عمدت إلى إغراء المدنيين بالعمل داخل الأراضي المحتلّة مقابل رواتب كبيرة، وهذه التطورات تتطلب ردّاً رسمياً وشعبياً حازماً لتبديد أحلام نتنياهو، الذي يحاول الهروب من أزماته الداخلية عبر تصدير إنجازات إعلامية خارجية.

حوران قلعة الصمود

بالعودة إلى التاريخ السوري في مقارعة المحتل، وتحديداً في الثامن والعشرين من أيار/مايو عام 1945، كان جنوب سوريا على موعد مع واحدة من أبرز المعارك العسكرية التي مهّدت الطريق لإجبار قوات الاحتلال الفرنسي على الجلاء من سوريا، بعد سنوات طويلة من الاستعمار وحرمان شعبها من حقوقهم الأساسية، لتأتي معركة "المذخر" كجزء محوري من الثورة السورية ضد الوجود الفرنسي.

في ذلك اليوم، تجمع أبناء حوران من كافة أرجاء درعا والسويداء والقنيطرة، مسلحين بالبنادق والقنابل والرشاشات، كما أعلن زعيم منطقة بصرى الشام، مصطفى بك المقداد، عن إضراب تجار المدينة كافّة، واستعداد رجالها للتطوع للقتال.

تجمهر الثوار بدايةً في تظاهرة حاملين السلاح، يهتفون بسقوط الاستعمار، ويدعون إلى تحرير البلاد، قبل أن ينطلقوا نحو "المذخر" -مركز الحامية الفرنسية بدرعا- من جهة الشرق، ومن مدينة بصرى الشام مروراً ببلدة معربة ثم قرية غصم والجيزة، إلى درعا، حيث كانت المعركة الكُبرى بين الثوار والقوات الفرنسية، تكبّد على إثرها الفرنسيون خسائر كبيرة بالأرواح.

تلك المعركة كانت تأكيداً صارخاً على رفض أبناء حوران الانسلاخ عن بلادهم، لخدمة المشروع الاستعماري في الجنوب السوري، حيث أثبتوا انتماءهم للوطن وتجذرهم في الأرض وارتباطهم وتشعبهم في التاريخ، رافعين صوتهم: "نحن سوريون ولن نقبل بأن نكون غير ذلك ولن نسمح بأيّ احتلال لأرضنا".

ماذا يضمّ الجنوب السوري؟

تُعرف منطقة جنوب سوريا الممتدة من الجولان المحتل غرباً والحدود الأردنية جنوباً وشرقاً باسم "حوران"، وتضم ثلاث محافظات هي: القنيطرة ودرعا والسويداء، ويبلغ عدد سكانها حوالى 1.5 مليون نسمة، بمساحة تقارب ربع مساحة البلاد تقريباً.

كانت درعا تاريخياً عاصمة إقليم حوران الذي يمتد من جنوب سوريا إلى منطقة شمال الأردن (الرمثا)، وكان للمدينة في العصر البيزنطي شأن كبير ومركز هام في المنطقة، حيث قام أنستاسيوس الأول في 506 م بتحصينها للحماية من الغزو الفارسي على جبهة ما بين النهرين، وخرج من درعا الكثير من علماء الدين والأدباء والشعراء مثل الإمام النووي نسبة إلى منطقة "نوى"، والشاعر أبو تمام من مدينة "جاسم"، كما تغنى بها الشعراء قديماً في قصائدهم، وعُرفت لديهم باسم "أدرُعات".

وبمساحة تُقدّر بـ6 آلاف و500 كيلومتر مربع، تقع محافظة السويداء في منطقة جبل العرب جنوب غرب سوريا، بالقرب من الحدود الأردنية جنوباً، ومن محافظة ريف دمشق شمالاً، ودرعا غرباً، وبادية الشام شرقاً.

ينتمي معظم سكان المحافظة البالغ عددهم نحو 800 ألف نسمة لطائفة الموحدين الدروز، وهناك أقلية مسيحية داخلها، وتُعد المحافظة بمثابة رمز تاريخي مهم في المقاومة والثورات في المنطقة،  فهي تتميز بتاريخ غني في مواجهة الأطماع الأجنبية، بدءاً من الثورة ضد الحكم العثماني، ومروراً بالثورات ضد الاستعمار الفرنسي، إضافة إلى لعبها دوراً بارزاً في الثورة العربية الكبرى عام 1916، وثورتها على الفرنسيين عام 1923، وكذلك في الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة الزعيم الوطني سلطان باشا الأطرش.

أما القنيطرة، فتقع في أقصى جنوب سوريا، وتعد أصغر محافظات البلاد، بمساحة تُقّدر بنحو 1860 كيلو متراً مربعاً، منها 1200 كيلو متر مربع من أراضي الجولان المحتل؛ يحدّ القنيطرة من الشمال محافظة ريف دمشق، ومن الشرق محافظة درعا، ويبعد مركزها -مدينة القنيطرة- عن العاصمة دمشق نحو 67 كيلو متراً.

تعود تسمية القنيطرة إلى تصغير كلمة "قنطرة"، والتي تعني الجسر أو المعبر، وتقول الروايات إن سبب التسمية يعود إلى موقعها الاستراتيجي على نهر الأردن الذي يعدّ نقطة عبور تجارية مهمة في المنطقة.

عُرفت القنيطرة بامتلاكها مقومات سياحية تشمل المواقع الأثرية والتراثية، إضافة إلى المناطق الطبيعية المتنوعة؛ ومن الآثار التاريخية الموجودة في المحافظة: ينابيع الحمة وبيت صيدا وبانياس الجولان وقلعة الصبية ودير قروح وكنيسة الروم الأرثوذكس.

بعد العدوان الإسرائيلي عام 1967، ترك معظم الأهالي المنطقة وانتشروا في مختلف المحافظات السورية منها دمشق ودرعا وريفهما. وتقول روايات إن عدد سكان المحافظة لا يصل إلى 100 ألف نسمة بعد تهجيرهم منها.

وقبل انسحاب "إسرائيل" من القنيطرة في حزيران/يونيو 1974، تعرضت المدينة لدمار هائل من الجيش الإسرائيلي بشكل متعمد، وأيّدت الأمم المتحدة هذه الحقيقة في قرارها رقم 3241.

اليوم، وبرغم انشغال السوريين بأوضاعهم المعيشية المتردّية نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها بلادهم، إلا أنهم يعلمون تماماً خطر المشروع الإسرائيلي انطلاقاً من الجنوب، ويدركون أن الطريقة الأفضل لدحر الأحلام الإسرائيلية هي الوحدة الداخلية، والتفاف جميع المكونات السورية حول بعضها البعض، كما تفرض التطورات الأخيرة على أهالي الجنوب السوري تحمل العبء الأكبر من فصول المواجهة، عبر مقاومة المشروع الإسرائيلي وعدم تمكين أدواته من التثبيت على الأرض.

اخترنا لك