أزمة سيولة نقدية في سوريا.. طوابير في البنوك لاستلام الرواتب

اليوم، النشاط الاقتصادي في سوريا شبه متوقّف، والسيولة النقدية لدى المصرف المركزي في حدودها الدنيا، وأمام كلّ ذلك ترتفع قيمة الليرة أمام الدولار، فقد أدت سياسة "حبس السيولة" إلى حالة ركود كبيرة في الأسواق.

0:00
  • أزمة سيولة نقدية في سوريا.. طوابير في البنوك لاستلام الرواتب
    أزمة سيولة نقدية في سوريا.. طوابير في البنوك لاستلام الرواتب

 أمام بنك خاص في ساحة "يوسف العظمة" وسط العاصمة السورية دمشق، انتظر أحمد تركمان أربع ساعات كاملة قبل الحصول على مبلغ مالي لا يتجاوز 500 ألف ليرة سوريّة (50 دولاراً)، كجزء من راتبه الذي يتمّ تحويله شهرياً من الشركة التي يعمل فيها إلى البنك.
 
تركمان يضطر للوقوف أكثر من أربع مرات خلال الشهر في "طابور" طويل للحصول على راتبه، بعد لجوء الحكومة السورية إلى سياسة "حبس السيولة" لكبح الانهيار الاقتصادي الحاصل في البلاد، حيث قطعت التغذية النقدية عن المصارف التجارية وقنوات التمويل الأخرى، الأمر الذي دفع البنوك الخاصّة والعامّة لفرض إجراءات صارمة على عمليات السحب من المودعين، مع تحديد سقف مالي للسحب لا يتجاوز 500 ألف ليرة سورية يومياً.
 
"الدنيا رمضان؛ غير مقبول أن ننتظر ساعات خلال الشهر الفضيل للحصول على حقوقنا"، بهذه الجملة بدأ تركمان حديثه للميادين نت؛ وقال: "للشهر الثالث على التوالي لم أتمكّن من سحب راتبي دفعة واحدة، بسبب الإجراءات التي يتخذها البنك؛ ليس منطقياً أن أقف لأربع أو خمس أو ست مرات كلّ شهر من أجل الحصول على راتبي، وفي بعض الأحيان أقف لساعات من دون أن أتمكّن من سحب أيّ مبلغ".
 
ويضيف تركمان: "لم أستطع شراء كامل تجهيزات رمضان لعائلتي في بداية الشهر، لأني سحبت دفعة واحدة فقط هذا الشهر، والمرة الثانية انتظرت طويلاً من دون جدوى، وذلك بسبب الازدحام الكبير من الناس الذين يحاولون سحب رواتبهم أو ودائعهم"، وتساءل: "هل ستتكرّر تجربة مصارف لبنان في سوريا؟".

أزمة اقتصادية تهدّد بكارثة اجتماعية

التغيّرات السياسية المتسارعة على الساحة السورية خلال الأشهر الثلاثة الماضية أدت إلى حدوث صدمة في المجتمع السوري، خصوصاً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وانعكاسها على الحياة المعيشية للسوريين، فالأجور لا تغطي سوى جزء صغير من نفقات المعيشة، ومعدلات البطالة وصلت إلى مستويات عالية، والركود يسيطر على الأسواق، بينما تضطر العديد من الأسر إلى الاعتماد على الوظائف المتعددة أو التحويلات المالية من الخارج لتغطية نفقاتها الضرورية.
 
وبحسب خبراء اقتصاديين، فقد أدت سياسة "حبس السيولة" إلى حالة ركود مخيفة في الأسواق، حيث أدى نقص الأموال إلى انعدام قدرة الأفراد والشركات على الإنفاق والاستثمار، وانخفاض القدرة على تمويل العمليات التجارية، مع زيادة الطلب على الدولار في السوق السوداء، إذ يبحث التجار والمستثمرون عن بدائل لتخزين مدخراتهم في ظل نقص السيولة بالليرة.
 
في أسواق دمشق، تتجلّى حالة الركود الاقتصادي التي تعيشها البلاد على وجوه المدنيين المنهكين بأوجاع الحياة، فعلى الرغم من الانخفاض الملحوظ على أسعار مختلف أنواع المواد الغذائية والاستهلاكية والخضار والفواكه، إلا أنّ ذلك يُقابَل بتدنّي عمليات البيع والشراء نتيجة ضعف القوة الشرائية للمستهلكين، وهذا الأمر يرتبط أيضاً بتدنّي الأجور وعدم قدرة الإدارة الجديدة في سوريا على تنفيذ وعودها برفع الرواتب بنسبة 400% كما قالت عند تسلّمها الحكم قبل ثلاثة أشهر. 
 
"الجمَل بليرة والعالم ما معها ليرة"، بهذا المثل الشعبي يعبّر البائع في سوق "الجمعة" الشعبي بدمشق أحمد خرسا عن حال السوريين خلال الفترة الحالية، فالأسواق وفق قوله، تشهد حالة غير مسبوقة من الركود برغم انخفاض الأسعار مقارنة بالأعوام الماضية، إلا أن حجم الإقبال على الشراء في الحدود الدُنيا، والناس تشتري حاجياتها الأساسية بكميات قليلة جداً، كما تضاعفت المعاناة خلال شهر رمضان مع ضرورة تأمين متطلبات إضافية للمنازل.

ويؤكد خرسا أن الركود الحاصل في الأسواق يؤثر على الباعة بشكلٍ مباشر، لأنه يسبّب خسائر كبيرة لهم، وذلك نتيجة عدم القدرة على تصريف بضاعتهم أو عجزهم عن شراء بضاعة جديدة، وأشار البائع إلى أنّ الوضع الحالي يُنذر بكارثة كُبرى في المستقبل القريب.

تحسّن وهمي في قيمة الليرة

برغم التحسّن الكبير في قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء، إلا أنّ السوريين لا يلمسون انعكاساً إيجابياً لهذا التحسّن، والسبب في ذلك يعود إلى آلية التسعير المتبعة في السوق المحلية، حيث يعتمد التجار في تسعير المواد على سعر صرف الدولار الصادر عن "مصرف سوريا المركزي" والمحدّد عند 13200 ليرة للدولار الواحد، في حين انخفض سعر الصرف في السوق السوداء إلى 9500 ليرة للدولار، وهذا الأمر يُبقي الأسعار مرتفعة ولا يسمح بانخفاضها بما يتناسب مع تحسّن سعر الصرف.
 
ويرى خبراء أنّ ارتفاع قيمة الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء هو "ارتفاع وهمي" وغير دائم، لأنه لم يأتِ نتيجة عودة النشاط الاقتصادي إلى البلاد أو فتح باب الاستثمار للشركات الأجنبية أو زيادة الإنتاج المحلي أو تضاعف حركة الاستيراد والتصدير، كما أنه لم يكن نتيجة امتلاك "مصرف سوريا المركزي" لكميات كبيرة من السيولة النقدية سواء بالليرة أو العملات الأجنبية.
 
اليوم، النشاط الاقتصادي في سوريا شبه متوقّف، والسيولة النقدية لدى المصرف المركزي في حدودها الدنيا، وأمام كلّ ذلك ترتفع قيمة الليرة أمام الدولار، وهو ما يؤكّد أنّ ما يحدث غير طبيعي وإنما نتيجة مضاربات تجري في السوق، إضافة إلى عمليات "حبس السيولة" من قبل المصرف المركزي.
 
وفي هذا السياق يؤكّد الخبير الاقتصادي عامر شهدا للميادين نت أنّ "حبس السيولة" سياسة متبعة منذ أيام النظام السابق، واستمرت مع قدوم الإدارة الجديدة، إلا أن الإجراءات اليوم باتت مشدّدة أكثر بسبب شحّ السيولة المتوفّرة لدى المصارف السورية، وهو ما يفرض عليها تشديد قوانينها فيما يتعلّق بعمليات السحب.
 
ويضيف شهدا أنّ سياسة "حبس السيولة" تؤثّر على كامل القطاعات الاقتصادية، وتدفع إلى تراجع الإنتاج وقد تسببّت بإغلاق بعض المصانع، إضافة إلى تأثيرها المباشر على عمليات التصدير، وحذّر الخبير الاقتصادي من غياب السياسات الاقتصادية الواضحة لتلافي الأزمة المتفاقمة، وأن سوريا تسير باتجاه كارثة اقتصادية يجب العمل على تداركها سريعاً.
 
وتتزايد تكاليف المعيشة يومياً في سوريا، فالرواتب لم تعد تغطّي حتى الاحتياجات الأساسية من الغذاء، والسكن، والصحة، والتعليم، مع ارتفاع معدلات البطالة، وتعاظم عدد العائلات التي باتت تحت خط الفقر، وهذا ما يفسّر، ربما، انتشار الجريمة، وتفاقم العنف الأسري، وارتفاع حالات التسوّل، وكلّ ذلك يزيد من حالة عدم الاستقرار الاجتماعي.
 
وتفرض المعاناة المعيشية التي يواجهها السوريون اليوم على الإدارة السورية الجديدة اتخاذ خطوات اقتصادية سريعة لمعالجة الأزمة التي تعيشها البلاد، والتحرّك على جميع الجبهات الداخلية والخارجية لإعادة تحريك العجلة الاقتصادية، وفتح باب الاستثمار أمام الشركات الأجنبية، وتكثيف الاتصالات السياسية الإقليمية والدولية لإزالة العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأميركية، وهو ما من شأنه أن يعيد الحياة إلى القطاع الاقتصادي بما ينعكس إيجاباً على حياة السوريين.

اخترنا لك