طلاب جنوبي لبنان يطلقون صرختهم: الشهادة الرسمية ليست أغلى من أرواحنا

آلاف الطلاب اللبنانيين، ممن نزحوا عن قرى الحافّة الأمامية بسبب الحرب، ليسوا جاهزين، نفسياً وعملياً، لإجراء الامتحانات الرسمية المقرَّرة في الـ29 من حزيران/يونيو، بعد أن حُرموا من التعليم الحضوري في مدارسهم.

  • طلاب جنوب لبنان يطلقون صرختهم: الشهادة الرسمية ليست أغلى من أرواحنا
    طلاب جنوبي لبنان يطلقون صرختهم: الشهادة الرسمية ليست أغلى من أرواحنا

عين على الكتاب في يده، وأخرى على النافذة، بحيث تصاعد الدخان من مكان لا يبدو بعيداً عن المنزل الجديد، الذي استقر فيه أخيراً مع عائلته بعد معاناة طويلة مع النزوح. هذا ما يرويه حسين، وهو طالب في المرحلة الثانوية الثالثة (علوم حياة) من بلدة مركبا الحدودية، جنوبي لبنان، وهي واحدة من القرى الجنوبية التي تقع على خط النار. 

"لم أتكاسَل يوماً عن متابعة دروسي، ورغبت بشدّة في إنهاء هذا العام بنجاح وتفوق، بيد أن الظروف تعاكس مخططاتي. فكيف لي أن أدرس، كطالب مجتهد طموح، وأنا أستيقظ على أصوات الغارات وأنام عليها كل يوم؟ كيف لي أن أتجاهل كل ما يجري حولي، وأحضّر بالصورة المطلوبة لامتحاناتي الرسمية، وأنا لم أستقرّ بعدُ في منزل واحد مع أهلي مدة شهرين متواصلين؟ نحن من بيت لبيت، ومن ضيعة لضيعة"، يقول حسين. 

هي معاناة، لا يتفرد بها حسين فقط، بل ثمة أيضاً آلاف الطلاب اللبنانيين، ممن نزحوا عن قرى الحافة الأمامية بسبب الحرب، ليسوا جاهزين نفسياً وعملياً لإجراء الامتحانات الرسمية، المقرَّرة في 29 حزيران/يونيو، بعد أن حُرِموا من التعليم الحضوري في مدارسهم.

ووفق الإحصاءات الأخيرة، أقفلت 44 مدرسة نهائياً في قرى الحافة الأمامية، بينها 12 ثانوية تقع أغلبيتها في بلدات علما الشعب، مروحين، ميس الجبل، عيتا الشعب، الطيبة، عيترون، شبعا، وغيرها من القرى الحدودية، بينما بيّنت إحصاءات وزارة التربية أن 11 ألف طالب تركوا مدارسهم قسراً في الجنوب.

وعلى الرغم من تصاعد الحرب في الجنوب، وما خلّفه من تداعيات سلبية على الطلاب، فإن وزير التربية اللبناني، عباس الحلبي، لم يعدّل قرار الوزارة بشأن إجراء الامتحانات الرسمية في كل لبنان، بما فيه الجنوب، في وقتها وكيفيتها، مبرّراً قراره هذا بجعل الامتحانات موحدة لكل تلامذة لبنان، وعدم سلخ الجنوب تربوياً عن سائر المناطق اللبنانية، وعدم التسبب بتمييز أو نظرة دونية إلى الشهادة التي سيحملها المرشحون في المناطق الحدودية. وأضاف أنه سيتم الأخذ في الاعتبار الأوضاع "غير الطبيعية"، والتي انعكست على التعليم، وبينها جوانب نفسية وصحية واجتماعية.

اليوم، بعد فرز الطلاب في مراكز للامتحانات، يقع بعضها في مناطق تعرضت للقصف مراراً وتكراراً، تعالت أصوات اللبنانيين، بمن فيهم الطلاب والكادر التعليمي ومداء المدارس، اعتراضاً على عدم وجود إجراءات جدية ومدروسة لحماية الطلاب من أيّ اعتداء إسرائيلي غادر، متسائلين عما إذا توافرت خطة طوارئ من أجل إجلاء الطلاب في حال حدوث أي اعتداء عليهم، ومَن الضامن أساساً لسلامة الطلاب في حال استهداف الطرقات المؤدية إلى مراكز امتحاناتهم؟ مع الإشارة إلى أن بعض هذه المراكز مغلقة منذ بداية الحرب، في قرى تبنين وبنت جبيل وكفرصير والخيام وغيرها.

إمّا نازحون وإمّا معرضون للخطر

بقيت الطالبة جنى في حالة ذهول، وقتاً طويلاً، بعد تلقيها بطاقة الترشيح، ومعرفتها أنها ستكون في معهد تبنين الفني المقفل، منذ بداية الحرب، بسبب الغارات المستمرة، التي تطال المنطقة هناك. "هل يُعقل أن نقدم امتحاناتنا الرسمية في منطقة خطرة أمنياً؟ أليست الوزارة هي التي تقول إنها حريصة على سلامة الطلاب والأساتذة، أينما كانوا؟"، تتساءل جنى، وهي طالبة في إحدى المهنيات الجنوبية. وتضيف أن "هذه قرارات عشوائية، ولا تزيدنا إلّا تشتتاً وخوفاً على أنفسنا، في ظل اللامبالاة الكبيرة، والتي تعكسها قرارات الوزارة تجاهنا". 

بصوت متقطّع تكمل جنى حديثها إلى الميادين نت، وتقول إنها وزملاءها لا يقدرون على إجراء أي جهد فكري، والتركيز على دراستهم، في ظل الغارات وأصوات جدار الصوت التي لا تتوقف في الجنوب.

وإذ تطالب جنى بإفادات نجاح، عوضاً من الشهادة الرسمية، يشير طلاب أيضاً إلى أن أرواحهم أغلى من الشهادات الرسمية، وأن هذا المطلب هو الحل العادل لهم، في ظل معاناتهم المستمرة منذ تسعة أشهر.

"وضعنا النفسي سيئ جداً. نحن معرضون للموت في أي لحظة، والوزارة لا تنظر إلى حالنا، ولم تفِ بوعدها بمراعاة ظروفنا"، تؤكد بتول، وهي طالبة في المرحلة الثانوية الثالثة (علوم حياة) في إحدى قرى الجنوب، وتقول إن "الإنترنت لم يكن متوافراً حتى نتمكن من متابعة دراستنا أونلاين، فتنقّلنا من بيت إلى آخر، وتشتتنا كثيراً، واستُشهد أفراد من عائلاتنا. هل هذا وضع طبيعي لإجراء الامتحانات؟ هل يعلم وزير التربية بأن أحد أساتذتنا لم يقدر على متابعة شرحه للدرس أونلاين، بسبب عدم توافر شبكة الإنترنت، بينما لم يكمل أستاذ آخر  شرح الدروس، لأن قريته تتعرض للقصف بوتيرة يومية؟".

عباس طالب في المرحلة الثانوية الثالثة من قرية الخيام الحدودية، ونازح إلى البقاع، يلفت إلى أنه مضطر إلى الذهاب إلى النبطية من أجل إجراء الامتحان الرسمي، وهي منطقة بعيدة جداً عن مكان نزوحه، أي أنه سيقطع مسافة كبيرة دونها مخاطر حقيقية بغية إجراء الامتحان.

انتقادات تطال قرار وزارة التربية

في مقابل هذا الواقع الصعب الذي يعيشه الطلاب ، قال المدير العام لوزارة التربية في لبنان، عماد الأشقر، للميادين نت، إن الوزارة "سهّلت الأمور"، ففي إمكان أي طالب في الجنوب، لا يستطيع أن يجري امتحاناته في مركز معين، الالتحاق بمركز امتحانات غير الموجود في بطاقة ترشيحه، بعد أن يفيد بذلك الأمر دائرة الامتحانات. 

وأكد الأشقر أن المراكز، التي سيُجري فيها الطلاب امتحاناتهم، بعيدة عن خطوط النار، مشيراً إلى أنّ الوزارة تتواصل مع الجيش اللبناني وقوى الأمن لمحاولة تأمين سلامة الطلاب وتأمين وصولهم إلى المراكز. ولفت إلى أنه تم تقليص المناهج لكل طلاب لبنان، "آخذين بعين الاعتبار الواقع جنوباً".

هذا الحل ناقص وغير مكتمل في أرض الواقع، يقول بعض المعلمين والمعلمات. تقول خديجة، وهي معلمة ومدربة أكاديمية، إن "تصريحات الوزير تأتي بعد قرار كان اتُّخذ منذ بداية العام بشأن إعطاء المناهج كاملة"، متسائلة: "لماذا فرض على الطلاب دراسة المواد كاملة هذا العام في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر فيها لبنان، بينما كان الطلاب يدرسون فقط 70% من المنهاج منذ عام 2018؟".

وتؤكد خديجة، في حديثها إلى الميادين نت، أن هناك مجازفة كبيرة في الأرواح، فـ"أنا أسمع أصوات الغارات عندما أتكلم مع طلابي عبر الهاتف". 

من جهتها، تؤكد المعلمة والمدربة التربوية، زينب ج.، في حديثها إلى الميادين نت، أن قرارات الوزارة الأخيرة تنطوي على كثير من الفساد والفوضى، وخصوصاً بعد توزيع طلاب الشهادة المهنية وفق طريقة لا تضمن سلامتهم، ولا تراعي ظروفهم ونزوحهم.

من ناحية أخرى، تشدد زينب على أن طلاب الجنوب مقسَّمون في الأساس إلى قسمين: قسم يعيش حياة شبه طبيعية، وتلقى تعليمة بصورة طبيعية، خلال العام الدراسي، وأجرى امتحانات مدرسية، كبعض المدارس في النبطية وصيدا وغيرهما من مناطق الجنوب البعيدة عن الحدود. وهذا القسم مستعد لإجراء الإمتحانات. وهناك قسم آخر تعذّر عليه الحضور في المدارس، والدرس والمتابعة.

عام دراسي صعب 

يكشف مدير ثانوية كفرا، فؤاد إبراهيم، أن التدريس في الثانوية لم ينتظم هذا العام نتيجة للغارات المتواصلة على البلدة وجوارها. ويشير إلى أن عدداً من الأساتذة اضطُرّ إلى النزوج إلى أماكن بعيدة عن الثانوية. كما أن هناك نحو 60 تلميذاً نزحوا قسراً وتركوا المدرسة.

"لم نتلقَّ الدعم من أي جهة رسمية"، يقول إبراهيم، متابعاً: "تألمنا كثيراً هذا العام. عملنا على وضع بعض الخطط والإجراءات، كي نمنع سقوط الزجاج على التلاميذ، إذا شنت غارة على محيط المدرسة. وفي ظل كل هذا، فكرنا في التعليم عن بعد (أونلاين)، لكن الظروف غير مواتية بسبب ضعف شبكة الإنترنت".

"إجراء الامتحانات ضرورة"، يقول مدير مدرسة مجال في النبطية، داوود حرب، موضحاً أنه، في الوقت نفسه، يجب مراعاة طلاب الجنوب في حل أمثل، وهو إجراء امتحانات مخفَّفة.