غزّيون في مصر يروون قصص النزوح والشوق إلى البلاد قبيل العيد

غزّيون في مصر يروون للميادين نت قصص النزوح والألم من جراء ابتعادهم عن عائلاتهم وبلادهم، خصوصاً خلال شهر رمضان المبارك وقبيل عيد الفطر.

  • غزّيون في مصر يروون قصص النزوح والشوق إلى البلاد قبيل العيد
    غزّيون في مصر يروون قصص النزوح والشوق إلى البلاد قبيل العيد

"محبوبتي هي غزة بترابها وناسها وأشجار زيتونها العليل. ذكرياتنا تملأ كل شبر فيها، وحياتنا هناك لا يمحوها الزمن مهما طالت مرارة اللجوء". تلك الكلمات، التي خرجت مرتجلة من فم الغزية أمينة الأشقر، التي تسكن الآن القاهرة، بين أحزانها على فراق أحبتها ومأساة اللجوء وأمل العودة، كفيلة بأن تلخص حياة الغزيين ممن تم إجلاؤهم إلى مصر بسبب الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة.

كانت الأشقر تتمنى أن تنتهي الحرب بلا عودة بعد الهدنة لتعود إل حياتها الطبيعية في غزة، حيث "ونس الأهل والأحبة والأصدقاء"، حتى لو أمضت بقية أيامها في هدوء داخل خيمة على ركام منزلها الذي دمرته غارة إسرائيلية، صبيحة الـ21 من كانون الأول/ديسمبر 2023 في خان يونس، واستُشهد خلالها والدها المسن وأشقاؤها الثلاثة.

أجواء رمضان بلا فرح

مُضّطرة تعيش تلك الفتاة الثلاثينية، والطالبة السابقة في جامعة غزة، رفقة والدتها وشقيقها الأصغر، أجواء شهر رمضان الفضيل "بلا فرح، بعد أن خطف الموت أحبتها وشرّد العشرات أفراد عائلتها"، لكن ما زاد في وقع مرارة تلك الأيام الثقال على روحها انهيارُ وقف إطلاق النار بلا رجعة، وقالت للميادين نت: "لقد اغتالت إسرائيل بجحيم قنابلها هدوءاً استمر نحو شهرين، سمح لأهلنا في غزة باستعادة بعض حياتهم الطبيعية، لكن صمود المقاومة، التي لم تخرق الهدنة والصادقة في وعودها، هو ما يمنحنا وقود الحياة".

تعيش أسرة الأشقر المكونة من شقيقها الأصغر محمد ووالدتها عفاف شلدان أجواء شهر رمضان "بلا أي مقومات، سوى الإيمان والصلاة والدعاء للشهداء"، وعلى المساعدات الخيرية من الجمعيات المصرية أو الأُسر الفلسطينية ميسورة الحال. وتقول للميادين نت: "نعيش رمضان هذا العام وسط مأساة الحرب وظروف قاسية يُشعل نارها الاغتراب عن الوطن واللجوء من دون حقوق قانونية أو أوراق ثبوتية"، وتضيف أن "ما يمنحنا القوة قليلاً هو تمسكنا بأمل العودة والأرض والقضية".

واستقبلت مصر، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، فب تشرين الأول/أكتوبر 2023، أكثر من 100 ألف فلسطيني، بينهم الآلاف ممن اضطُروا إلى دفع مبالغ طائلة.

وضع مُزرٍ وشعور بالاغتراب

يسكن فتحي السراج وأفراد عائلته، منذ خروجهم من مخيم البريج، في حي عين شمس، أحد الأحياء الفقيرة في القاهرة. يُمضي أبامه في القاهرة أسير الذكريات وآلام الحرب، ويقول إن "آلاف النازحين اضطُروا إلى بيع جميع ممتلكاتهم لتدبير نفقات الخروج، فوصلوا إلى مصر بلا أي موارد مالية"، مشيرا إلى أن "وضعهم الحالي مُزرٍ، فهم غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية، أو تسجيل أبنائهم في المدارس"، وهذا الوضع يزداد قتامة مع تجدد الحرب مع قدوم شهر رمضان، الذي "لا نشعر فيه بأي فرح أو بهجة، بل يملأنا شعور الوحدة والاغتراب".

لا يُعَدّ الفلسطيني لاجئاً من الناحية التقنية؛ بسبب رفض القاهرة منحهم إقامة كاملة، خشية المساهمة في مخطط التهجير الذي تسعى له إسرائيل. وبالتالي، فهو غير مؤهل للحصول على معظم المساعدات الدولية المخصصة للاجئين.

وبعد السابع من أكتوبر، يتم إجلاء الغزيين، عن طريق شركة مصرية تدعى"هلا" للاستشارات والخدمات السياحية، تقوم باستصدار الموافقات الأمنية في الجانب المصري، بحيث يبلغ سعر التأشيرة بين 5000 و7000 دولار للفلسطيني الواحد.

نار اللجوء تنهش الأجساد

لا تتباين كثيراً حال الأشقر أو السراج عن حال عدنان مطر من سكان حي الشيخ رضوان، إذ يقول للميادين نت إن أكثر ما يحزنه هذا العام أن مائدة الإفطار ناقصة بغياب بعض أفراد عائلته، الذين فرقتهم ظروف الحرب. وهذه هي المرة الأولى التي "لا أجتمع معهما في رمضان إلى مائدة واحدة".

في شقته المتواضعة في حي عين شمس في القاهرة، يجلس مطر، البالغ من العمر ثلاثة وخمسين عاماً، والحزن يُخيّم على أرجاء المكان و ينهش جسده النحيل. يسمع صوت المسحراتي لإيقاظ السكان لتناول وجبة السحور، وهو يلتفت إلى أطفاله الصغار، ويقول "ما ذنب هؤلاء أن يعيشوا نار التهجير واللجوء وهم لا يميزون ظروف حرب أو غيرها". أما بشأن كيفية حصولهم على الطعام، فيستطرد "أحيانا ألجأ إلى موائد الرحمن التي يعدها بعض المصريين لتناول الفطور، فنحن نعيش على المساعدات".

خلال الأشهر الأخيرة، ظهرت في القاهرة جمعيات مصرية رسمية وشعبية لتقديم المساعدات الإنسانية إلى الغزيين، بينها "شبكة من أجل فلسطين"، وجمعية "سند"، ومؤسسة "أبواب الخير"، و"مستورة" و"مرسال" و"بنك الطعام المصري، و"منصة اللاجئين في مصر"، وغيرها، بالإضافة إلى المساعدات الفردية التي يقدمها مصريون.

أبرز التحديات

على رغم الصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون في مصر، فإن شعورهم بالتضامن مع أرضهم ووطنهم ومحبتهم لمصر لم يتضاءلا. وبين هؤلاء الغزي حسين أغا، الذي تستمر معاناته في الحصول على حق الإقامة والعلاج والاستقرار، بسبب ظروفه الصعبة، التي يعيشها منذ نزوحه عن دير البلح، في حزيران/يونيو 2024، بعد أن شاهد ويلات الحرب وذاق مرارة فقد الأهل والأحبة.

يتحدث آغا عن رحلته الشاقة، التي قطعها للحصول على الإقامة، إذ توجّه أكثر من مرة إلى الإدارة العامة للجوازات في القاهرة لاستخراجها، لكن طلبه قوبل بـ"ردود روتينية "، مثل " الفلسطيني لا يحتاج إلى استخراج إقامة في مصر، حتى لو طالت الإقامة"، لكنه لا يستطيع إجراء أي معاملة في الدوائر الرسمية أو تسجيل ابنه في مدرسة، لأنه يُطلب إليه إبراز الإقامة شرطاً لتنفيذ طلبه.

يتذكر هذا الغزيّ الستيني، الذي تهدّم بيته واستشهدت أسرته بكاملها، ما عدا ابنه أحمد، الذي جاء به للعلاج، أيام رمضان في غزة، وكيف كان يقوم بتعليق الزينة وفوانيس رمضان في البيت والشارع والاحتفال، فرحاً بقدوم الشهر الفضيل، فضلاً عن موائد الإفطار التي كانت تزدان بالأكلات الفلسطينية والحلوى الغزية المعروفة، لكن الشهر الفضيل، هذا العام، يمرّ ثقيلاً على روحه في إثر غياب أفراد أسرته ممن استُشهِدوا في الحرب، أو من تفرّق منهم بسبب النزوح.

يقول آغا للميادين نت: "هذا العام لا توجد أي ملامح لشهر رمضان. فقط، نعاني ألم الاغتراب والوحدة والشعور بالانقطاع عن الجذور، ونواجه تحديات الإقامة غير المستقرة، وضيق ذات اليد، وارتفاع تكاليف المعيشة.

أما خالد الديلمي، الذي كان يعمل معلماً في غزة، فدفعه اللجوء وظروفه الاقتصادية الصعبة إلى العمل في بيع القهوة، في عربة صغيرة في أحد شوارع القاهرة. ويقول للميادين نت: "قمت بدفع نحو 12 ألف دولار لمغادرة غزة رفقة زوجتي وطفلي الصغير، وأعاني الآن العمل بالأجر اليومي، ووضعي غير قانوني بسبب عدم وجود أوراق إقامة. وأعيش داخل غرفة في شقة متواضعة، بالاشتراك مع أسرة فلسطينية أخرى نازحة، على أمل العودة إلى ديارنا في دير البلح يوماً ما".

مشكلة الإقامة عقبة كبيرة أمام الطالب محمد تيم، النازح عن مدينة غزة، والذي لم يستطع الالتحاق بمؤسسات التعليم المصرية هو وأشقاؤه الأربعة، فضاع عليهم العام الدراسي الحالي.

نزح تيم، وهو يدرس الهندسة في إحدى جامعات غزة مع تصاعد الحرب، عن رفح، في شهر أيلول/ديسمبر الماضي . حاول استكمال دراسته، لكن واجهته مشكلة كبيرة، مفادها أن "الجامعة طلبت أوراق إقامة رسمية ومبالغ مالية لا أستطيع تحملها، لذا أعمل في توصيل الطلبات عبر دراجة مستأجرة".

وتقول عضو اتحاد المرأة الفلسطينية في القاهرة، إيمان بعلوشة، إن "آلاف الفلسطينيين المقيمين بمصر يواجهون تحديات تتعلق بخدمات التعليم والصحة والإقامة".

وأشارت، في حديثها إلى الميادين نت، إلى أن "هناك صعوبات قانونية خاصة بتحركات الفلسطينيين داخل مصر، أو حاجتهم إلى استئجار وحدات سكنية للإقامة بها، بسبب عدم وجود تصاريح الإقامة، و"الحل يكمن في حصولهم  على تصاريح موقتة".

الإقامة الدائمة تساوي تصفية القضية

لطالما رفضت القاهرة تهجير الفلسطينيين داخل أراضيهم، أو إلى أو خارجها، كما عدّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التهجير بمنزلة "تصفية للقضية".

ويرى اللواء محمد نجم، المساعد الأسبق لوزير الداخلية المصري، أن "منح تصاريح للفلسطينيين يشجع على الهجرة من غزة، وترك الأراضي الفلسطينية"، ويساهم في تنفيذ المخطط الإسرائيلي الهادف إلى تهجير الفلسطينيين.

وأضاف نجم للـميادين نت أن "منح تصاريح إقامة دائمة للغزيين في مصر يساوي تصفية القضية، وهو يناقض سياسة مصر، التي تتمسك بإقامة دولة فلسطينية وإعمار غزة وإفشال مخطط إسرائيل".

اخترنا لك