كارثة غزة الصامتة: 70 مليون طن من الركام تغيّر وجه المدينة
يشهد قطاع غزة كارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، إذ تغطي ملايين الأطنان من الركام شوارع وأحياء القطاع، وتحاصر السكان بمخاطر الأجسام المتفجرة ونقص المعدات.
-
كارثة غزة الصامتة: 70 مليون طن من الركام تغيّر وجه المدينة
يشهد قطاع غزة اليوم واحدة من أعظم الكوارث الإنسانية والبيئية في تاريخه الحديث، بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، حيث غمرت ملايين الأطنان من الأنقاض والركام المنازل والشوارع، وتحولت أحياء القطاع إلى خراب ورماد.
الحياة اليومية أصبحت مليئة بالتحديات؛ فالسكان يواجهون صعوبة بالغة في التنقل بين المنازل والمدارس والمستشفيات وأماكن العمل، فيما أصبح تأمين الاحتياجات الأساسية شبه مستحيل، وسط انتشار عشرات الآلاف من الأجسام المتفجرة التي لم تنفجر بعد، ما تشكل تهديداً دائماً لحياتهم.
خطر دائم يهدد الأحياء
وسط أنقاض بيته ودمار حيّه في الصفطاوي شمال غزة، يعيش نائل عليان معاناة لا تنتهي، إذ تُغطّي أنقاض المربعات السكنية المدمرة الطرقات والأرصفة، ما يجعل كل خطوة محفوفة بالمخاطر. لذا قرر نائل، مثل العديد من سكان الحي، النزوح والابتعاد عن بيته الذي كان مصدر الأمان.
يقول نائل عليان للميادين نت: "الحي الذي كنا نعيش فيه دُمر بالكامل خلال العدوان الأخير، ولم يبقَ شيء من أثاثنا أو ذكرياتنا، فكل شيء أصبح تحت الأنقاض"، مضيفاً أنّ "المنزل تحوّل إلى كومة من الحطام وسط الشارع، والحي بأكمله عبارة عن أكوام من الركام والدمار".
يتابع: "المشي بين البيوت أصبح صعباً، والتنقل عبر الأزقة والطرقات إلى الأحياء المجاورة، التي محيت عن الوجود، أصبح أشبه برعب متحرك؛ فكل شارع تقريباً مليء بالأنقاض والمخلفات الحربية"، مبيناً أنّ "الحياة الطبيعية تبدو مستحيلة وسط هذا الخراب، وأي محاولة للعودة إلى روتين يومي تُواجه بعقبات هائلة".
بعد عودتها مؤخراً من مكان نزوحها، شرعت فاطمة عليوة في تنظيف شقتها المدمرة جزئياً في مخيم الشاطئ بمدينة غزة، لكنها وجدت نفسها أمام تحدٍ هائل، إذ تملأ الأنقاض المدمرة معظم الشوارع والأحياء والأزقة، ما جعل الوصول إلى بيتها صعباً جداً.
تؤكد عليوة، في حديثها إلى الميادين نت، أنّ "كل خطوة نتخذها تتطلب أقصى درجات الحذر، فالأنقاض ليست مجرد عوائق، بل تشكل خطراً حقيقياً على حياتنا، خاصة للأطفال وكبار السن"، مشيرةً إلى أنّها تحاول جاهدة تنظيف ما تبقى من بيوتها، لكن كمية الركام هائلة، والعيش في مكان مملوء بالأنقاض أمر صعب جداً، "كأننا محاصرون وسط خرائب لا نهاية لها".
وتلفت إلى أنّ كل زاوية من الأزقة تحكي قصة دمار وفقدان، وكل حجر يحمل معه خطراً لاحتمال سقوطه على المارّة، مشددةً على أنّ ملايين الأطنان من الركام تغطي أحياء القطاع، ما يجعل الحياة اليومية شبه مستحيلة. وتوضح أنّ القطاع بأكمله بحاجة ماسة إلى دعم عاجل لإزالة الركام وتأمين الحد الأدنى من حياة كريمة، حتى تتمكن الأسر من استعادة الشعور بالأمان.
وفي الإطار، يشير المواطن محمد الدقس للميادين نت، بصوت يطغى عليه الخوف، إلى أنّ "غزة أشبه بساحة ألغام مفتوحة، فالعشرات من الأجسام المتفجرة مدفونة تحت الركام، وكل خطوة قد تكون الأخيرة. أي خطأ صغير أثناء التنقل أو تنظيف البيوت قد يزهق الأرواح".
ويضيف: "أهالي القطاع يعيشون في خوف دائم من السير في الشوارع، بعد انفجار قنابل أودت بحياة وإصابة عدد من المدنيين، خاصة في مناطق مثل خان يونس وغزة الشرقية، حيث لا تزال العديد من القذائف والألغام غير منفجرة".
ويبيّن الدقس أنّ الفرق المحلية تحاول وضع إشارات تحذيرية حول المواقع الخطرة، لكنها تفتقر إلى المعدات والتجهيزات اللازمة، مشدداً على أنّ غزة بحاجة عاجلة إلى معدات هندسية متطورة وخبراء مختصين بتفكيك المتفجرات، لضمان إزالة الركام بأمان وحماية الأرواح.
70 ألف طن متفجرات و65 مليون طن ركام
ووثّق المواطنون والصحافيون في غزة وجود أجسام متفجّرة مكشوفة وأخرى مدفونة تحت الركام، ما يجعل كل شارع وحي خطراً على حياة الأطفال والنساء وكبار السن، ويعيق عودة الحياة الطبيعية، لتظلّ العائلات تعيش تحت تهديد مستمر وسط الدمار.
وحذّرت منظمة "هانديكاب إنترناشونال" مؤخراً من أنّ الذخائر غير المنفجرة تشكل خطراً هائلاً على العائدين، مع وجود نحو 70 ألف طن من المتفجرات منذ أكتوبر 2023، لم تنفجر 5–10% منها. كما حذّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أنّ إزالة 55–70 مليون طن من الركام قد تستغرق 7–15 عاماً، بتكلفة تقديرية لإعادة الإعمار تبلغ نحو 70 مليار دولار لإصلاح أكثر من 425 ألف وحدة سكنية دُمّرت أو تضررت.
نقص المعدات يعيق إزالة الركام
وفي السياق ذاته، أعلن اتحاد بلديات قطاع غزة أنّ العدوان خلف أكثر من 55 مليون طن من الركام، ما يعيق إعادة الحياة الطبيعية، مطالباً بتوفير المعدات ومواد البناء لإنقاذ أكثر من مليوني فلسطيني يواجهون كوارث إنسانية وبيئية وصحية.
من جانبه، يقول مدير المشاريع في الهيئة العربية لإعمار فلسطين المهندس محمد العالول، إنّ عمليات إزالة الأنقاض وفتح الشوارع في غزة مستمرة برغم محدودية الإمكانيات.
ويضيف للميادين نت: "الهيئة أعلنت جاهزيتها الفنية واللوجستية لإطلاق مرحلة جديدة لإعادة الإعمار، بعد تقرير يونوسات الذي أظهر تضرر 83% من مباني غزة، بينها أكثر من 17 ألف مبنى مدمّر كلياً و41 ألفاً متضرر جزئياً".
ويشير العالول إلى أنّ "هناك خطة شاملة للهيئة تتضمّن إزالة الركام وتمهيد الطرق، وتقييم المباني، فضلاً عن تأمين المأوى للأسر النازحة، إلى جانب توفير المياه والكهرباء والخدمات الأساسية"، داعياً الشركاء العرب والدوليين لتوفير التمويل اللازم لتسريع إعادة الإعمار وتحقيق التنمية المستدامة.
بدوره، يؤكد رئيس لجنة حصر الأضرار في غزة المهندس بهجت جبارين، أنّ المخلّفات والركام بما فيها المتفجرات والمواد الخطرة تهدد حياة السكان، لافتاً إلى أنّ هناك خطة شاملة لإزالة الركام تشمل التعامل مع المواد الخطرة، واستخدام الصور الجوية لجمع البيانات، بالإضافة إلى إعادة استخدام المخلفات بعد فصل المواد الخطرة، وتحديد مواقع التجميع والدفن، مع تخصيص ميزانية كافية للتنفيذ وفق المعايير الأخلاقية والفنية والإدارية.
كارثة إنشائية
في حديثه إلى الميادين نت، يحذر مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، من أنّ القطاع يواجه أكبر كارثة إنشائية وإنسانية في تاريخه، مع نحو 65–70 مليون طن من الركام و20 ألف جسم متفجر غير مُعالج.
ويوضح أنّ الأضرار طالت آلاف المنازل والمرافق الحيوية، وأعاقت وصول المساعدات، مشيراً إلى أنّ إزالة الركام صعبة بسبب نقص المعدات ومنع الاحتلال إدخالها، بالإضافة إلى المخاطر الناتجة عن المتفجرات غير المنفجرة.
ويطالب الثوابتة بوضع خطة شاملة لإدارة الركام تشمل التكديس، التعامل مع المخلفات الخطرة، وإعادة التدوير والتخزين المؤقت لضمان استعادة الحياة في غزة بأمان.