مصريات يتعرض للضرب المبرح في ساعات لقاء الأبناء بعد الطلاق

على الرغم من المبادرات التي أطلقتها الدولة لاحتواء أزمات الطلاق في مصر، إلا أن قصص النساء المعنفات من قبل الرجال بعد الطلاق منهن لا تنتهي، خصوصاً في ساعات "الرؤية".

  • مصريات يتعرض للضرب المبرح في ساعات لقاء الأبناء بعد الطلاق
    مصريات يتعرض للضرب المبرح في ساعات لقاء الأبناء بعد الطلاق

يعتقد كثير من النساء اللاتي يرغبن في إنهاء الزواج في مصر، أن الأمر قد يبدو يسيراً، "في السراء كذلك في الضراء" كما يقول الرباط المقدس بين اثنين أرادا الارتباط، لكن ما تشير إليه التقديرات أن العنف يستمر بين الرجل والمرأة حتى بعد إنهاء الزواج. 

عنف مستمر بعد الطلاق

في الآونة الأخيرة، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بحادث بين رجل وطليقته، حينما تعدى عليها بالضرب في أثناء "الرؤية"، وهو حق مكتسب قانوناً يمنح الرجل حق رؤية ابنه بعد الطلاق في مكان عام تحدّده الدولة لمثل هذه الظروف. 

الفيديو الذي انتشر يوضح الرجل وهو يسحل زوجته التي كانت ممسكة بطفلتهما وسط صراخٍ عالٍ من الطفلة وهي تبكي وخائفة، وتوجه الناس إليه بالقول إنّ ما يفعله "حرام" وعليه أن يرحمها من أجل الطفلة.

ليس هذا الحادث الوحيد الذي تتعرض فيه امرأة للعنف على يد طليقها، فالقائمة لا تنتهي.

أماني رحيم (اسم مستعار) لم تكن تحب هذه الأوقات، إذ ليس من السهل عليها، ولا على أولادها أن يسمعوا طوال الوقت الأب يعنف أمهم ويسبّها ويخوض في شرفها. 

قالت أماني لـلميادين نت: "الأمر معتاد جداً في هذه الأماكن، إذ تحدث دوماً بين الآباء والأمهات مشكلات في أثناء الرؤية لأن كلا الطرفين يكون مشحوناً تجاه الآخر لوجود قضايا لا تزال عالقة بينهما في المحاكم، مع انعدام وجود الشرطة، فيما أفراد الحماية هناك لا حول لهم ولا قوة ولا يستطعيون الدفاع عن أحد وتكون معظم الاعتداءات من الزوج أو أهله".

ويبدو أن ذلك المشهد المعتاد قد حدث لأماني نفسها، ففي أحد الأيام ذهبت لرؤية طليقها وحدث مشادّة كلامية بينهما وشتمها بـ"أفظع الشتائم" وهددها بأخذ الأولاد منها، ثم صفعها على وجهها مرات عدة. لم ترد وقتها وسقطت على الأرض وصرخ أبناؤها من حولها.

بعد تلك الحادثة، حرّرت ضد طليقها محضراً وحكم عليه بالسجن أسبوعين، وعند الاستئاف حكم له بالبراءة.

أماني متخوفة من تهديد طليقها، وعلى الرغم من ثقتها بأن المحكمة لن تحكم له، إلا أن أمد المحاكم الطويل المرهق الذي يطيل الأمر على النساء لن تحبّ أماني تجربته والخوض فيه.

وتحكي للميادين نت أنها في  إحدى المرات شاهدت أماً ومعها طفلتها (5 سنوات) حاول الأب جذب الطفلة بالقوة فصرخت وحينما اعترضت الأم فأمسك برأسها وحاول ضربها، إلا أن المحيطين به منعوه، واتصلت بالشرطة 4 مرات إلا أنهم لم يستجيبوا لها.

عنف قبل وبعد الطلاق

قصص العنف ضد الناس تتشابه في قسوتها، فتحكي (م.ش) للميادين نت أنها كانت تتعرض دائماً للضرب من زوجها في أثناء الزواج ولم يتوقف الضرب والعنف الصادر منه بعد الطلاق، حيث مكث عاماً لا يرى ابنه ولا يعرف عنه شيئاً وطلبت منه غير مرة أن يراه، لكنه كان يرفض بذريعة أنه لا يريد دخول بيت عائلتها متهماً إياهم بأنهم "بلطجية" وقد يعتدون عليه.

وبعد العام وبدافع من أم الأب، طلب الرؤية رسمياً وحُكم لهما، وحاولت (م.ش) أن تذهب ليرى الطفل أباه وجدّته. وبعد تأهيلها للطفل لهذا اليوم، كانت الجدة تسيئ إلى سمعة الأم في مكان الرؤية وخاضت في شرفها مرات عديدة.

ثم جاء اليوم الذي تسلمت فيه شقتها بحكم من المحكمة فتعدى عليها طليقها بصحبة أمه، وحينما طلبت إلى أهلها المجيء تعدوا أيضاً عليهم، وأرادت الجدة أن تتخلّص من الأم بإلقائها من النافذة، ولم ينتهِ هذا العنف إلا حينما تنازلت الأم عن شقتها وكل حقوقها في مقابل الطلاق.

وكان هذا الحادث هو الرابع الذي يشهد فيه الطفل عنفاً من الأب وأهله تجاه الأم، ما أثّر في  نفسيته وأصبح متخوفاً طوال الوقت ولاحظت سلوكاً عنيفاً عليه. كما كان الأب يشحن الطفل ضد الأم وطلب إليه أن يضرب أمه ويشتمها.

في إحدى المرات تأخر الأب ووالدته عن الرؤية وحينما عاتبتهم (م.ش) تلقت صفعات وضربات في وجهها حتى نزف منه الدم، كل ذلك وهي ممسكة بطفلها ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، حتى سقطت أرضاً، وقتذاك قام بسحلها هي وطفلها الذي تضرر كثيراً جسدياً ونفسياً.

وحينما ذهبت إلى قسم الشرطة وجدت الأم والجدة قد حرّرتا ضدها محضراً بالسب والضرب وأصبح "محضراً ضد محضر" لإجبار الأم على التنازل فاضطرت إلى التصالح.

تعلم (م.ش) أنها لن تكون المرة الأخيرة التي تتعرض فيها لذلك، لكنها لا تريد أن تحرم الابن أباه وفي الوقت نفسه هي مهددة أن يجري خطف طفلها منها وأن تدفع تعويضات إلى الأب وجدة الطفل.

الطلاق في مصر: واقع من الأرقام

وعلى الرغم من المبادرات التي أطلقتها الدولة لاحتواء أزمات الطلاق في مصر قبل الزواج، مثل مبادرة "مودة" إلا أن نسب الطلاق والعنف في مصر مرتفعة، وبحسب "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" بلغت بيانات الطلاق 222 ألف حالة في عام 2020، ثمّ ارتفعت لتبلغ 245 ألف حالة خلال 2021، بمعدل حالة طلاق كل دقيقتين، ونحو 25 حالة في الساعة، وأكثر من 18 ألف حالة في الشهر.

وتشهد مصر نحو 25 حالة طلاق أمام كل مئة حالة زواج، وفقاً لبيانات 2020. كما أن 28% من حالات الطلاق وقعت في السنوات الثلاث الأولى من الزواج.

داليا وصفي الباحثة الاجتماعية والنسوية قالت لـلميادين نت إن "البداية من التربية حينما يحتفي الأهل بالابن لأنه ذكر، ويحمل اسم العائلة، ويتعاملون معه دائماً بتساهل أكثر مما يتعاملون مع الابنة، هذا التصرّف يعطي الطفل والشاب شعوراً بالاستحقاق العام".

وأضافت أن ذلك "يشعر الرجل وينمّي في داخله أن من حقه أن يأمر فيطاع، وأنه محور الكون بالنسبة إلى كل من في دائرته من النساء، ورفض أي أمر له هو رفض لوجوده وإهانة لشخصه، وليس مجرد رفض لأسلوبه الذي يمكن تغييره إذا ما حاول بدرجة كافية".

وأشارت إلى أنه "في حال طلب المرأة الطلاق عن طريق القضاء يشعر الذكر بأنه أهين علناً وحُطّ من قدره وذلك يجعله منفعلاً بصورة كبيرة، فيبدأ في التصرف كطفل لا يمكنه السيطرة على مشاعره".

وترى أن الرجل في الأغلب "يريد الصورة العامة، مظهره كرب أسرة وكأب حتى لو كان سيعامل المرأة كعبدٍ لخدمته وإكمال صورة سيد المنزل أمام مجتمعه". وأنهت حديثها قائلة: "عنف الرجل في أثناء الحياة الزوجية أو بعد انتهائها هو تصرف طفولي وأناني يضر بجميع الأطراف بمن فيهم هو نفسه لأنه يدمّر صورته أمام الجميع ويقطع كل فرص المودة أو التواصل مع أبنائه أو زوجته".

وطالبت أماني رحيم و(م.ش) بحماية وزارة الداخلية المصرية وتأمين أماكن الرؤية حتى لا يتعرّضوا للعنف من الأب أو أسرته.