من إدلب إلى دمشق.. "شام كاش" يُثير المخاوف في سوريا
أثار تحويل رواتب موظفي الدولة السورية إلى تطبيق "شام كاش" موجة من الجدل والمخاوف بشأن الخصوصية والشفافية والجهة المشغّلة، وسط بنية تحتية غير مؤهلة.
-
من إدلب إلى دمشق.. "شام كاش" يُثير المخاوف في سوريا
مع بدء العام الحالي أصدرت حكومة تصريف الأعمال السورية، تعليمات لجميع موظفي القطاع العام بإنشاء حسابات على تطبيق "شام كاش" لتسليمهم رواتبهم.
وفي تعميم صادر عن وزير المالية، في الحكومة الحالية، تم توجيه جميع المحاسبين بإصدار أوامر الصرف الخاصة برواتب وأجور وتعويضات العاملين، وإيداعها في حساب "شام كاش" المفتوح لدى "مصرف سوريا المركزي" بدءاً من شهر أيار/مايو الماضي، الأمر الذي يأتي "في سياق تسريع عملية الدفع الالكتروني، وتعزيز مبدأ الشفافية وتسهيل صرف المستحقات المالية للعاملين" بحسب معاون الوزير.
لاقى هذا القرار لدى السوريين ردود فعل متباينة بين الحيرة أمام الكثير من التساؤلات غير المجاب عنها والتخوف والتفاؤل.
ما هو تطبيق "شام كاش"؟
ظهر التطبيق للمرة الأولى في إدلب حينما كانت تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام، ولا يزال يعمل خارج نطاق النظام المالي العالمي ومصرف سوريا المركزي، كما تتولى إدارته شركة بنك شام المسجلة في تركيا وغير المعترفة دولياً.
وأوردت منصة"سمكس" الحقوقية أنّ التطبيق تم تطويره من قبل شركة تركية تُدعى "نورث سوفت" وهي شركة متخصصة بالبرمجة وحلول التكنولوجيا.
كما نال التطبيق 17 نقطة من أصل 22 في عملية تقييم المخاطر (22 هو الأكثر خطورة) الذي يتّبعه فريق التحليل الجنائي في المنصة ذاتها التي لم توصِ باستخدام التطبيق، لما يشوبه من ثغراتٍ وضبابيّة، تثير مخاوف من انتهاكاتٍ واختراقاتٍ قد تهدّد سلامة المستخدمين وخصوصيّة بياناتهم.
حاجة إلى التحول الرقمي في سوريا
على باب إحدى شركات الحوالات المالية والصرافة في دمشق، تقف سهام في الطابور بانتظار دورها لاستلام "هدية العيد" من أختها المقيمة في السويد، تقول للميادين نت: "كل مرة آتي للاستلام، أحسب ألف حساب، وأضطر لأخد إجازة ساعية من عملي، الازدحام شديد في الأحوال العادية، ولا أستطيع أن أتخيل الضغط الشديد الذي سيسببه تحويل أكثر من مليون موظف سوري حكومي لاستلام رواتبهم من تطبيق شام كاش عبر أفرع شركات التحويل المالية الثلاث الأشهر في دمشق".
تفضل المعلمة في إحدى مدارس العاصمة البقاء على الطريقة التقليدية واستلام الرواتب من المحاسبين في المؤسسات، خصوصاً وأنه لا يزال "الموظفون الذين تم تحويل رواتبهم الى الصرافات الآلية قبل عدة سنوات يعانون كثيراً، لأن بيئتنا التحتية من كهرباء وغيرها، غير جاهزة عدا عن أن أغلبية المحال لا تزال تتعامل نقداً". وتتساءل السيدة الخمسينية: "ألم يفكر أحد بالذين لا يملكون هواتف حديثة، أو الذين لا يعرفون استخدام هذه التطبيقات حتى؟!".
يدير أحمد محلاً صغيراً للاتصالات في أحد الأحياء الشعبية بعد دوامه الحكومي نهاراً، ويقدّم خدمة الدفع الالكتروني لفواتير الكهرباء والمياه والانترنت للأهالي. يعتبر أبو رامي أن "هذه الخطوة ممتازة للالتحاق بركب الدول المتطورة، بعد 14 عاماً من الوقوف في المكان نفسه".
ويتابع: "أعتقد أن الأمر سيكون صعباً قليلاً نتيجة ضعف خدمات الانترنت وشبكات الاتصالات في الكثير من المناطق، لكن إذا تم الأمر، أجزم أن الدفع الالكتروني سيكون الوسيلة المفضلة للمواطنين في البلاد، فتطبيق شام كاش يضم متاجر ومطاعم متعاقدة (في إدلب فقط الآن)، لكن بالتأكيد مستقبلاً سيمتدّ الأمر إلى المحافظات الأخرى، في وقت تسبب تدهور قيمة الليرة السورية بتكلّف المواطن عناء حمل كميات كبيرة من النقود الورقية لشراء احتياجات يومية، لكن التطبيق سيساعد على التخلص من هذا العناء، كما سيصبح عامل الحماية من السرقة أكبر".
لم يستطع أمجد، المهندس في وزارة الصناعة، حتى الآن تحميل تطبيق شام كاش، على هاتفه الذي يعمل بنظام "IOS"، بل طلب مجبراً من أخته الطالبة الجامعية أن تُحمّله له على هاتفها، لأن التطبيق لا يزال متوفراً فقط لأجهزة الأندرويد، وغير موجود أصلاً في متاجر التطبيقات الموثوقة على النظامين.
يشعر الشاب الثلاثيني بالقلق من هذه الخطوة لاعتبارات عديدة أهمها من وجهة نظره: "طلب التطبيق من المستخدم تزويده بمعلومات شخصية، مثل صور الهويات والأرقام الوطنية ومكان السكن والعمل ونوعه والراتب، الأمر الذي يجعل من السهل جمع بيانات حساسة عن العاملين، خصوصاً وأن التطبيق لا يرتبط بمصرف سوريا المركزي وبمنظومته المالية بل بشركة صرافة في إدلب".
عند كل تحديث، يعاني أمجد من صعوبة الوصول إلى حسابه، وهذا ما شكل له عامل قلق إضافي بسبب عدم استجابة خدمة العملاء لاتصالاته. ويتساءل: "أمن أجل هذه الجودة ستقتطع شركات التحويل 5 بالألف شهرياً من كل موظف؟!".
تساؤلات بشأن التطبيق
"واحد من أهم أسباب نجاح الحكومات هو الشفافية مع المواطن"، بحسب الخبيرة الاقتصادية رشا سيروب التي تمتلك العديد من الأسئلة حول تطبيق "شام كاش"، والتي "يحتاج المواطنون لسماع إجابات وتوضيحات عنها من قبل وزير المالية وحاكم مصرف سوريا المركزي".
تشير سيروب إلى أن الموقع الالكتروني للتطبيق لا يتعامل سوى بالدولار الأميركي والليرة التركية، وتتساءل "هل وضع مصرف سوريا المركزي آليات لضمان عدم قيام شركات الصرافة بمهنتها بالمضاربة على الليرة السورية، والاستفادة من فرق السعر بين السعر الرسمي وسعر الصرف في السوق السوداء؟".
من ناحية أخرى، تبرز احتمالية وجود "إثراء غير مشروع بموجب قرارات لم تعلن غايتها ومبرراتها"، بحسب سيروب، التي تبين أنه "وفقاً للتطبيق فإن عمولة السحب ستكون 5 بالألف وفقاً لشركتي الصرافة اللتين تملكهما أسرتين (أي عدد أفراد لا يتجاوز 10 أشخاص أشقاء وأبناء)، أي سيحصل 10 أفراد على الأكثر، بين أشقاء وأبناء، على ما يقارب 3 مليار ل. س شهرياً، أي ما يقارب 3 مليون دولار سنوياً".
وتختم بتساؤل: "أليست المصارف العامة أبدى من شركات الصرافة بالحصول على هذه الأموال؟".