المؤتمر الجماهيري لأجل فلسطين.. حدث تاريخي في لحظة تاريخية

هذا التوصيف الذي نطلقه على المؤتمر الجماهيري لأجل فلسطين، والذي التأم في مدينة ديترويت في  ولاية ميشغين بين 24-26 أيار الماضي، ليس جزافاً أو نوعاً من الخطاب الشعبوي الجعجاع غير المسنود بفاعليات ميدانية تزكّيه.

  • عن التضامن العالمي مع غزة.
    عن التضامن العالمي مع غزة.

لا يختلف اثنان حول توصيف حالة التراجع التي عاشها العمل الوطني الفلسطيني في أميركا منذ عقود، وخصوصاً بعد توقيع اتفاقيات أوسلو الكارثية، وبما أحدثه ذلك من ضرب للعمل الوطني، السياسي والتنظيمي، وامتداداته الجماهيرية وفعالياته المتنوعة، فأميركا عرفت نشاطاً وطنياً جماهيرياً فاعلاً للجالية الفلسطينية في السبعينيات والثمانينيات ومطلع التسعينيات، ملتفاً حول الثورة الفلسطينية وفصائلها، ولكنه تراجع تراجعاً حاداً منذ ذلك الحين حتى ما قبل شهور.

 لقد تمظهر التراجع أساساً على صعيد البنى التنظيمية الحاضنة للفعاليات، وتجسد بتفكك الجهود وتشتتها، وانعدام العمل الموحّد بين مختلف الامتدادات المتناثرة جغرافياً، والتي بقيت فاعلة. كذلك أمكن تلمّس، نتيجة غياب الحاضنة التنظيمية وانعدام العمل الموحّد، عدم وحدة الأهداف والشعارات والتوجهات.

ورغم ذلك، لم تنعدم الفعاليات الشعبية من قبل الجالية وأصدقائها من الأميركيين، وخصوصاً من قبل المجموعات الشبابية، فتشكلت العديد من الاتحادات والتجمعات والمؤسسات التي كانت تضم طليعة شبابية متحمسة عندما تنشط، ومخلصة في انتمائها، وجذرية في موقفها الوطني، ومنحازة دون تردد لخيار المقاومة، فكانت كأنها جاءت لتعويض حالة التراجع، لنشهد بدايات تبلور حراك للجالية الفلسطينية يكون امتداداً، لا قطيعة عما سبقه من نضالات في العقود السابقة، ويغنيه بطاقات شبابية منحازة بصلابة للقضية الوطنية، ومهارات تنظيمية وإعلامية وإدارية على قاعدة التراكم والقفزة النوعية.

لذلك، قلنا إن توصيف التئام المؤتمر بالحدث التاريخي ليس جزافاً. التأم المؤتمر بتنظيم من حركة الشباب الفلسطيني، وبالتعاون مع أكثر من 14 منظمة واتحاداً ومؤسسة فلسطينية وعربية ويسارية أميركية، في مقدمتها منظمة (طلاب من أجل العدالة في فلسطين)، وكان الهدف المعلن للمؤتمر، كما أبلغني المنظمون عندما شرفوني بدعوتي للحديث في إحدى جلساته، هو توحيد الجهود والفعاليات نصرة لشعبنا وصموده ومقاومته في وجه الإبادة الجماعية من جهة، ومن جهة ثانية إيجاد آلية تنسيقية توحد التوجهات والشعارات والأهداف ما أمكن، رغم التنوع السياسي والفكري لمنظمي المؤتمر من مختلف المنظمات والمؤسسات والاتحادات.

لذلك، قلنا إنه ليس جزافاً توصيف المؤتمر بأنه حدث تاريخي، فبعد سنين من النشاط المختلف لتلك الأطر، وخصوصاً بعد 7 أكتوبر، إذ أدت دوراً فاعلاً في فضح حرب الإبادة ضد شعبنا، وكذا تعرية الدور الأميركي الإمبريالي المشارك في الإبادة، وتأثير تلك الأطر، وخصوصاً حركة الشباب الفلسطيني وطلاب من أجل العدالة في فلسطين، في الانتفاضة الطلابية في الجامعات، بعد كل ذلك كان يتوجب البحث عن آلية تنسيقية تجمع كل الجهود وتوحّد كل الشعارات والتوجهات لقيادة الفعاليات المستقبلية وفق هدف مزدوج محدد: توسيع حملة الإسناد والتضامن في الساحة الأميركية مع شعبنا ومقاومته، وفضح الموقف الأميركي الإمبريالي المشارك في إبادة شعبنا.

كان من اللافت في انعقاد المؤتمر أنه جاء ليكون تتويجاً للانتفاضة الطلابية في الجامعات الأميركية، إذ حضره ناشطون من عدد من الجامعات المشاركة في الانتفاضة، وبلغ حجم المشاركين في المؤتمر، بالاستناد إلى البيان الختامي الصادر عنه، أكثر من 3500 عضو حضروا من مختلف ولايات أميركا الشمالية، وتوزعوا كحضور على مختلف الجلسات على مدى الأيام الثلاثة، وعشرات الآلاف تابعوه عبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، فيما فرض حضور سناء سلامة زوجة الشهيد وليد دقة وابنتها ميلاد وإلقاؤها كلمة في المؤتمر هيمنته الطاغية على مشاعر المؤتمرين الذين لم يبخلوا بالهتافات للمقاومة ولوليد الشهيد، وضد الكيان الصهيوني والإمبريالية الأميركية.

لذلك، لم يكن مفاجئاً للمنظمين والحضور تلك الحملة الصهيونية والأميركية العنصرية الفاشية للتحريض على المؤتمر، من نشر المقالات التحريضية على المؤتمر والمتحدثين فيه، وصولاً إلى رفض منح تأشيرات لدخول الولايات المتحدة لبعض المشاركين والتضييق على بعض المشاركين والمتحدثين في المطارات وإخضاعهم للاستجواب. 

كل (ذلك لم يردعنا)، كما جاء في البيان الختامي للمؤتمر. وقد تجسدت روحية الإصرار والتحدي والمثابرة لدى المؤتمرين والمنظمين، ليس بالعدد الموصوف بالنوعي للحضور فحسب، بل أيضاً، وكما جاء في البيان الختامي، بالقدرة على (جمع أكثر من 200 ألف دولار لإعادة بناء غزة ودعم شعبنا هناك)، بحسب نص البيان.

من النشوة بمكان رؤية المئات من الشبان الفسطينيين والعرب واليساريين الأميركيين يستفتحون كل جلسة، ويقاطعون المتحدثين أحياناً، بهتافات وطنية تعكس شعور الحماسة والانتماء، وكأني بهم على حواجز الاحتلال يواجهون الصهاينة بروح ملؤها التحدي.

توحيد التوجهات والشعارات والهدف وإيجاد آلية تنسيقية بين مختلف الفعاليات الفلسطينية والعربية واليسارية الأميركية.. هذا ما حققه المؤتمر، وإذا إضفنا إليه التئامه كفعالية تتويجية للانتفاضة الطلابية في الجامعات، فلكل ذلك يصح وصفه بحدث تاريخي في لحظة تاريخية هي لحظة طوفان الأقصى.