ماذا عن لبنان إذا توسّعت حرب غزّة

لطالما كانت الحروب مدمرة على الدوام، سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية الإنسانية، الأمر الذي يدفع الدول التي تشهدها إلى السعي للمحافظة على الأنشطة الاقتصادية الأساسية لها.

  • الحدود اللبنانية الفلسطينية.
    الحدود اللبنانية الفلسطينية.

لا كلام يختصر الواقع في لبنان الرسمي إلّا "الإنهاك والتخبّط"، فبينما يتصاعد العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني ربطاً بالحرب القائمة على غزة، تنهمك الحكومة اللبنانية في التخبط في خطة وطنية وضعتها على الورق لمواجهة مخاطر الحرب إذا امتدت إلى لبنان. وتركت أمر تمويلها وتأمين تنفيذ هذه الخطة للسراب.

لا الحكومة تملك فلساً، ولا لجان المجلس النيابي المشتركة استنبطت تشريعاً يوفّر حداً أدنى أو جزءاً يسيراً معنوياً بعد تعذر الحد الأدنى المادي.

لطالما كانت الحروب مدمرة على الدوام، سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية الإنسانية، الأمر الذي يدفع الدول التي تشهدها إلى السعي للمحافظة على الأنشطة الاقتصادية الأساسية لها، وضمان وصول الغذاء والوقود، مع تعويل على دعم تمويلي على المستويات كافة، دولياً وإغاثياً.

في حالة ما يعيشه لبنان، وفي ظل حصار تمويلي دولي نتيجة ظروف أدت إلى الانهيار الذي يعيشه، مالياً واقتصادياً، منذ أواخر عام 2019 من خلال فقدان عملته الوطنية قيمتها، وانهيار الثقة الدولية ومؤسسات المجتمع الدولي بهذا البلد، الذي تخلّف عن تسديد ما يتوجب عليه من قروض وحتى من خدمة دين، قرأ واضعو خطة الطوارئ الحكومية الفضفاضة، في حرب تموز/يوليو 2006، وما أنتجت وما خلفت، ووضعوا على أساسها خطتهم، لكنهم تجاهلوا أن للفضفضة تكلفة، كان من الممكن تأمينها في الظرف السابق، ويستحيل أن نشهد مثيلاً لها اليوم.

صُلب الخطة النزوح، وتأمين مستلزماته. وساحته المفترضة، في حال نشوب حرب في جبهة لبنان، ستكون المناطق المواجهة للعدو الإسرائيلي، وتحديداً في الجنوب والبقاع الغربي، اللذين سيشهدان نزوحاً جماعياً وتهجيراً قسرياً...

كل وزارة من الوزارات المعنية وضعت تصورها لجهة المخاطر، كما لجهة الحاجة.

لكن تدارك التطورات الدراماتيكية يتطلب الخروج بخطة واقعية شاملة وممكنة التنفيذ والفعالية.

فكيف يكون جبه مخاطرها في غياب إمكان تقديرها مسبّقاً، وخصوصاً أن الخسائر الكبرى ستكون حتماً في الفوضى الإسكانية والكمية والبيئة وخطر ذلك على الأمن، اجتماعياً وسياسياً.

ذكرت الحكومة الجهات التي يجب أن تنخرط في خطتها الطارئة، وأبرزها منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة الكوارث، والصليب الأحمر الدولي والصليب الأحمر اللبناني. وتهدف الحكومة، من خلال ما تم وضعه، إلى الاستجابة لحاجات مليون نازح، يتوزعون بين مدارس ومراكز كشفية، باعتبار أن النازحين الآخرين في إمكانهم تشريع إقامتهم عبر استئجار منازل في مناطق متفرقة موزعة على امتداد جغرافية لبنان.

لم يغب الأمن الغذائي عن الأولويات، لكن القدرة، من خلال ما يجري من تنسيق مع برنامج الغذاء العالمي، لا يمكن أن توفر سوى نحو 400 ألف شخص لمدة شهر.

كما لم يغب الموضوع الصحي وذاك المتعلق بتأمين المياه والنظافة وضمان استمرار الاتصالات والطرقات والفيول والأفران...

القيّمون على الخطة يتحدثون بثقة عن جاهزية لمواجهة أي تداعيات للعدوان، من غرفة عمليات مركزية، إلى آلية التنسيق بين الوزارات والمنظمات وربط غرف العمليات المحلية الثماني، بعضها بالبعض الآخر.

بالطبع، لا تتوقف الخطة عند حدود النازحين اللبنانيين، فهي ذكرت في جملة ما ذكرت ثلاث فئات من غير اللبنانيين، هي: النازحون السوريون واللاجئون الفلسطينيون والعمال الأجانب. وستواجه الحكومة متطلبات الفئة الأولى مع منظمات الأمم المتحدة، والثانية مع وكالة الأونروا، والثالثة مع منظمة الأمم المتحدة للهجرة.

أمام سلطة هكذا لا يسع من يدرك واقع لبنان المفلس والمتأزم، ومخزونه من القمح والمواد الغذائية لا يكفي سوى شهرين إذا لم تؤمن استمرارية دعم في الدوامة المستمرة منذ عام 2019، إلّا أن يحتار في الغوص بكاءً أو ضحكاً من جراء الاستخفاف في رسم الخطط على الورق، ولا تصوّر لدى أي من المعنيين بالدولة عن مصادر للتمويل او كيفية ذلك، وكل طرف يرمي المسؤولية على الآخر.

ففي المجلس النيابي، التقى أكثر من تسعين نائباً، لاكوا واسترسلوا في الكلام، قبل أن يتسرب واحد تلو الآخر حتى نهاية الجلسة، حيث بلغ عددهم ما يقارب عشرة من دون تسجيل اي خطوة إلى الأمام.

ليس ذلك سوى دليل عجز وتخبط، وليس أمام اللبنانيين إلّا أن يقتلوا رغبة العدو الاسرائيلي ونيّاته في زعزعة كيانه ومجتمعه، وهو ما بخل يوماً بالدم ولمّا يزل.