الصراع الجيو-اقتصادي الأكبر: تأثير الصين وأميركا على الاقتصاد العالمي والموانئ
الرسوم الجمركية ستؤدّي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، انخفاض التجارة الدولية، وتقليص الناتج المحلي في كثير من الدول، والصناعات التي تعتمد على الصادرات ستشهد تقليصاً في الإنتاج.
-
هل الصراع الصيني الأميركي مجرّد خلاف اقتصادي؟
في 10 تشرين الأول/أكتوبر عام 2025، أصدرت الولايات المتحدة والصين قرارات على المستوى الاقتصادي الواسع، الأولى استهدفت الصين بفرض رسوم جمركية عليها بنسبة 100%، وأعلنت أنه في 1 تشرين الثاني/نوفمبر ستفرض الولايات المتحدة ضوابط على تصدير البرامج.
من جهة الصين، أعلنت بكين أنّ السفن التي تمتلكها أو تشغّلها شركات أو أفراد من الولايات المتحدة ستواجه رسوم موانئ. والقرار نفسه صدر عن الولايات المتحدة بالنسبة للسفن الصينية. ويلاحظ أنّ القرار يأتي بعد تعثّرات في المفاوضات التجارية.
أبرز التداعيات على الموانئ
1- اضطراب الأسواق الدولية
القلق اليوم واسع في الأسواق الدولية؛ الرسوم الجمركية تضعف الثقة في النظام التجاري متعدّد الأطراف، وهناك خوف من استقرار حركة التجارة البحرية، التي سيكون تأثيرها مباشراً أيضاً على الشحن وسلاسل التوريد العالمية، الأمر الذي يؤدّي إلى تباطؤ النمو. بحيث أنّ الانخفاض الذي وصل إلى 0.2%في الفصلين الأول والثاني من 2025 يُرجّح أن يصل مع نهاية العام إلى 1.5%، مع انخفاض وصل إلى 12.5% في صادرات أميركا الشمالية.
مع العلم أنّ الإيرادات التي حقّقتها الولايات المتحدة وصلت إلى 170 مليار دولار حتى نهاية آب/أغسطس، بانتظار نهاية العام إذا وصل الرقم إلى 400 مليار دولار كما هو متوقّع في هذه السياسة.
2- انخفاض الصادرات والواردات
التأثير المباشر على الاقتصادين الأميركي والصيني كبير ومعقّد، نتيجة هذا التنافس بين أكبر قوة إنتاجية في العالم وأكبر قوى استهلاكية ومالية في العالم.
أولاً: التأثير على الاقتصاد الأميركي.
· في القطاع الصناعي:
- انخفاض استيراد المواد الأولية والخام من الصين يؤدّي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج.
- تضرّر قطاعات تعتمد بشكل أساسي على التصنيع في الصين ومواده الأولية، خاصة في الزراعة والسيارات والإلكترونيات.
· بالنسبة للمستهلك الأميركي:
- تراجع القوة الشرائية خصوصاً للطبقة الوسطى.
- ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
· تضرّر سوق العمل:
- خسارة آلاف الوظائف في شركات التصدير التي تعتمد على سلاسل التوريد الصينية.
- التأثير المباشر على الصناعات الأخرى وإخراجها من الخدمة.
ثانياً: التأثير على الاقتصاد الصيني:
· تأثير تراجع الصادرات:
- الولايات المتحدة من أكبر الأسواق بالنسبة للصين، فتراجع الطلب يؤدي إلى الضغط على الاقتصاد وتراجع النمو.
- انخفاض أرباح الشركات المصدّرة خصوصاً في الإلكترونيات.
· التأثير على الناتج المحلي:
- تباطؤ النمو الاقتصادي بسبب تراجع التجارة الخارجية.
- تراجع الإيرادات الضريبية، والاضطرار إلى فتح سيولة وتحفيزات ضريبية أكبر.
· تسريع التحوّل الاقتصادي:
التخطيط الصيني المتسارع لفكّ الارتباط مع السوق الأميركية، وتنمية سوقها الداخلية، والتوجّه إلى توسيع العلاقات التجارية مع آسيا وأفريقيا كسوق بديلة.
أما الآثار المشتركة على الاقتصادين الصيني والأميركي:
- تراجع التجارة العالمية.
- انكماش سلاسل التوريد العالمية.
- زيادة التوجّه نحو الحمائية والانكماش بدل العولمة.
3-الأثر المباشر على سلاسل التوريد العالمية
أصبح جلياً أنه خلال العقود الماضية معظم شركات العالم كانت مصانعها في الصين وأهمّ أسواقها الولايات المتحدة، مما اضطر بعض هذه الشركات لنقل مصانعها إلى فيتنام والهند وإعادة فتح فروعها الأساسية في الولايات المتحدة، ما يعني أننا أمام مسار تغيير وجهة سلاسل التوريد العالمية، مما سيؤدي حتماً إلى خلل في سلاسل التوريد التقليدية.
4- انخفاض الاستثمارات العالمية
إنّ القلق وعدم اليقين، وتفاقم حالة الخوف من نتائج الرسوم الجمركية، عوامل دفعت العديد من المستثمرين لتجميد أو تعليق استثماراتهم، مما سيؤثّر مباشرة على الوظائف التي ترتبط بشكل أساسي بالموانئ والتجارة العالمية، إضافة إلى الفرص الجديدة الإنتاجية والتسويقية.
5-ارتفاع الكلفة التشغيلية والإنتاجية
الرسوم التجارية أدّت إلى ارتفاع المواد الأولية والمواد الخام والمكوّنات المكمّلة، مما يؤدّي إلى ارتفاع كلفة الإنتاج وارتفاع أسعار الشركات، الأمر الذي سينتج عنه حتماً تضخّم إضافيّ في سوق الاستهلاك.
6- التأثير على العملات والأسواق المالية
ضعف الصادرات سيضغط على العملات المحلية، ويؤدّي إلى هبوطها أمام العملات الأجنبية، ويؤثّر بشكل مباشر على المستثمرين الذين سيضطرون إلى البحث عن دول وأسواق مستقرة.
7-تأثير سياسي واجتماعي
التأثيرات السياسية والاجتماعية ستكون كبيرة، أهمها الاحتجاجات بين الصناعيين والتجار، وضغوط على الحكومات لتخفيف الرسوم، واضطرار الحكومات لدعم القطاعات المتضرّرة.
ختاماً، الرسوم الجمركية ستؤدّي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، انخفاض التجارة الدولية، وتقليص الناتج المحلي في كثير من الدول، والصناعات التي تعتمد على الصادرات ستشهد تقليصاً في الإنتاج. والسؤال الأساسي: هل هذا الصراع مجرّد خلاف اقتصادي، أم أنه مرحلة صراع استراتيجي يغيّر قواعد الاقتصاد السياسي الدولي ويؤسّس لنظام عالمي جديد قائم على التنافس لا التعاون؟