وعد إيران الصادق منذ انطلاق ثورتها الإسلامية

ارتبط نهوض الثورة الإيرانية من لحظة انتصارها بالمواجهة مع الشيطان الأميركي، باعتبار أن هذا النهوض جاء عبر إسقاط نظام الشاه الإيراني العميل لأميركا.

0:00
  • حاولت إيران وما زالت تحاول تأجيل المعركة الشاملة مع أميركا و
    حاولت إيران وما زالت تحاول تأجيل المعركة الشاملة مع أميركا و "إسرائيل".

لم يكن الوعد الصادق الذي أطلقته إيران ضد الكيان الإسرائيلي قبل عام مضى، وتحديداً بعد العدوان الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، إلا تدشين عسكري مباشر للوعد الفكري الإسلامي النهضوي الذي أطلقه مفجر الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني منذ عام 1979، لذا نراه وعد تجدد بعد اغتيال القائدين إسماعيل هنية وحسن نصر الله، ثم يتجدد الآن منذ العدوان الإسرائيلي الأميركي الواسع على إيران، وقد أطلقت عمليات الرد باسم الوعد الصادق 3، فهل صدقت إيران في وعدها يوم أطلق الإمام يوم القدس العالمي، وحوّل السفارة الإسرائيلية في طهران إلى سفارة فلسطين، وحاصر تلامذته سفارة الشيطان الأميركي في طهران لمدة 444 يوماً وفي داخلها 52 موظفاً أميركياً؟

ارتبط نهوض الثورة الإيرانية من لحظة انتصارها بالمواجهة مع الشيطان الأميركي، باعتبار أن هذا النهوض جاء عبر إسقاط نظام الشاه الإيراني العميل لأميركا، والذي كان بمثابة شرطي الخليج، حيث سقط في مواجهة ثورة شعبية عارمة قادها الفقهاء من حوزاتهم العلمية، وقد مثّلت نموذجاً فريداً في هزيمة السياسة الأميركية، خاصة أن هذه الهزيمة ارتبطت بانقلاب جذري شامل في السياسة الإيرانية، عبر تأصيل فكري إسلامي يرى بالكيان الإسرائيلي دولة غير شرعية بالمطلق، وأن أزالتها من الوجود واجب شرعي وأخلاقي وإنساني، لأنها قامت على أطلال الشعب الفلسطيني المظلوم وتأدية الأعمال القذرة للغرب في عالمنا الإسلامي.

وعد إيران الصادق تمثل ابتداء بوعد للقدس أن تبقى في ذاكرة المستضعفين، كفريضة دينية عبر الجمعة الأخيرة من كل رمضان، يتجدد فيها هذا الوعد الإيراني بوجوب تخليصها من الاحتلال والتهويد، واستنقاذ المسجد الأقصى من دنس المحتلين، وفق رؤية وحدوية للأمة الإسلامية، يكون فيها الدور الإيراني عامل مركزي في الدعم والتعبئة، وهو ما تحقق في تدشين محور المقاومة عبر حركات وقوى إسلامية جهادية، بدأت بحزب الله والجهاد الإسلامي وحماس وأنصار الله والحشد الشعبي، حيث مثّلت لهم إيران مظلة كاملة في الدعم والتدريب والتسليح.

جاء الوعد الصادق 3 تكثيفاً عميقاً وإن متدرجاً لوعد تأصّل في الوعي الإيراني على مدار عقود التأسيس والتطوير، وقد استهلت فصوله في تلك اللحظة التي ابتسم فيها سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله يوم أطلق البشرى أن نافذة خير قد افتتحت بعد الحماقة الإسرائيلية باستهداف قنصلية إيران في دمشق، فكان الوعد الصادق 1، يومها ابتلعت "إسرائيل" لسانها وتقبلت الرد الإيراني في تلك الليلة الصاخبة بالقصف على طول دولة الكيان وعرضها.

والوعد تجاوز في طور التمهيد طابعه الجهادي المقاوم، وقد دخلت إيران في حرب مفروضة دامية لثماني سنوات مع العراق، ولكنها ظلت خلالها ترقب فضاء القدس، وهو ما جعلها تنجح في تأسيس قاعدة للحرس الثوري في البقاع اللبناني تكريساً لهذا الوعد، وقد دعا الإمام الخميني لإطلاق جيش العشرين مليون مسلماً لتحرير القدس، في وقت أمعنت فيه الأنظمة الحاكمة في العالم العربي بالارتهان للسياسة الأميركية، ما دفع إيران للمراهنة على خيرية الشعوب ونبضها الصادق، وهو الذي تجلى بظهور حركات المقاومة في مواجهتها للغطرسة الإسرائيلية، والتي بلغت الذروة عام 2000 بانتفاضة الأقصى في الضفة وغزة، والانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، ثم عام 2006 بالوعد الصادق اللبناني، حتى سيف القدس عام 2021 في غزة، وانتهاء بالسابع من أكتوبر 2023 ذلك اليوم المفصلي الذي ما زالت فصوله تترى، وعبر محطاته أدخلت إيران المواجهة العسكرية المباشرة مع الكيان الإسرائيلي.

تجلى صدق الوعد الإيراني كمشروع إسلامي نهضوي في مقارعة الصلف الإسرائيلي، في مواجهات أمنية سرية أو معارك غير مباشرة، بعضها في البحر أو دول إقليمية وعالمية مختلفة، وهي في كل ذلك ظلت تدفع أثماناً باهظة لهذا الوعد، تمثل في حصار غربي ظالم رزحت فيها كدولة في شتى مصالحها الاقتصادية، وقد تحملت في ذلك الكثير مع تسعير الفتن المذهبية، واستهدافها عبر سلسلة من العملاء وشذاذ الآفاق من التكفيريين الدمويين، وهي في ذلك تواصل تطوير ذاتها عبر ناتجها المحلي، حتى امتلكت مقدرات متقدمة في الصناعات العسكرية والطبية والعلمية.

حاولت إيران وما زالت تحاول تأجيل المعركة الشاملة مع أميركا و "إسرائيل"، نظراً للواقع العربي الإسلامي الخاضع للغرب من جهة، ونظراً للفجوة الهائلة بين مقدرات الغرب التي يضعها بيد الربيبة الأميركية "إسرائيل"، وبين مقدرات محور المقاومة رغم تطورها، وهو تطور جعلها تصمد في الحرب الإسرائيلية الأمريكية الراهنة عليها، صمود ساعدها لتطلق موجات تدميرية هائلة في قلب الكيان الإسرائيلي، وأن ترد على العدوان الأمريكي بقصف قاعدته الكبرى في قطر، وهي حرب قد تضع أوزارها في لحظة ما لتفشل كامل الأهداف الإسرائيلية، رغم فداحة التضحيات وما لحق بها من استشهاد بعض قادتها وعلمائها، وتدمير كثير من مؤسساتها، في وقت حافظت فيه على قدراتها النووية وهي هدف العدوان الأساس، كما ظلت ترسانتها الصاروخية تسيطر على أجواء الكيان الإسرائيلي وترد على الغارات الإسرائيلية الهائلة في عمق إيران، والأهم أن وعد إيران الصادق يتجدد بفاعلية ميدانية أثبتت صدقية خطها الفكري الثوري في نصرة المستضعفين على امتداد العالم من القدس حتى سراييفو مروراً بصنعاء وبيروت.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.