"إسرائيل" والصورة!

هل صور الدمار في "تل أبيب" وسيلة دعائية؟ أم عرض لحقيقة مرة غير قابلة للإخفاء؟ هل تُنشر لكسب التعاطف؟ أم لتبرير تصعيد؟

0:00
  •  من الصعب تبني الرواية الإسرائيلية بلا مساءلة بعد اليوم.
    من الصعب تبني الرواية الإسرائيلية بلا مساءلة بعد اليوم.

في ظل العدوان الإسرائيلي على إيران، برزت مفارقة لافتة: الكيان الذي يفرض رقابة عسكرية صارمة على إعلامه وكل ما ينشر حتى على منصات التواصل الاجتماعي، سمح فجأة ببثّ جزء من صور الدمار وأخرى تتعلق بإصابات في صفوف من يعدّهم من "المدنيين".

فهل نشهد لحظة شفافية غير مسبوقة في خضم الحرب؟! أم هي محاولة مدروسة لإعادة تشكيل رواية "الضحية"؟!

منذ نشأته، اعتمد الكيان الإسرائيلي سياسة الرقابة الإعلامية الصارمة، والتي تُعرف رسميًا بـ"الرقابة على الصحافة والاتصالات". وظيفتها، منع نشر أي معلومات تضر بـ"الأمن القومي الوجودي" للكيان، بحسب المفهوم الذي أرساه ديفيد بن غوريون.

لذا، فإن نشر صور تُظهر هشاشة الداخل الإسرائيلي لم يكن يوماً خياراً عفوياً، بل قراراً محسوباً بدقة بالغة. والقرار هو تذكير الغرب بمظلومية الكيان في محيط معاد، وصناعة رواية قابلة للتداول عالمياً. رواية تبدأ بجملة: "نحن تحت القصف". 

إنها إعادة إخراج لسيناريو السابع من أكتوبر، ولكن هذه المرة بعد أكثر من عام ونصف على العدوان على قطاع غزة المحاصر، المحصلة مجازر لا تعد ولا تحصى ومستشفيات ومدارس وأبنية سويت بالأرض. يعاد إخراج السيناريو بعد حرب شرسة شنت على لبنان، كان المبتدأ فيها تفجيرات البيجر الإرهابية، أما الخبر فلم يأتِ بعد، اذ إن الحرب لم تتوقف على البلاد، والاستهدافات التي يراد تسويقها على أنها محدودة ودقيقة تضعه رهينة الإسرائيلي، فمحاولات القضاء على المقاومة سارية المفعول.

يعاد إخراج السيناريو بعد احتلال الكيان المزيد من الأراضي السورية إثر سقوط النظام في الثامن من ديسمبر من العام الفائت. 

فهل يمكن أن نرى تعاطفاً غربياً شبيهاً بالتعاطف الذي ناله الكيان غداة السابع من أكتوبر؟ 

الواقع يقول إنه من الصعب إعادة بناء سردية "المعتدى عليه" بالسهولة نفسها التي كانت قائمة بمنحى تضليلي قبل سنوات.

بداية، لأن "إسرائيل" هي التي اعتدت على إيران، وثانياً لأنه من الصعب تبني الرواية الإسرائيلية بلا مساءلة بعد اليوم.

كانت تغطية الجرائم بحق الفلسطينيين تختصر في كلمات مثل: "صراع" أو "تبادل لإطلاق نار"، بينما توضع أفعال "إسرائيل" دائماً تحت مظلة "حق الدفاع عن النفس".

اليوم، الأمر لم يعد كذلك، تحديداً بعد ما تنشره منصات التواصل الاجتماعي. ما كان يمكن إخفاؤه سابقاً، أصبح اليوم شبه مستحيل مع الهواتف الذكية. وهذا ما أجبر الإعلام وتحديداً الغربي على الالتحاق بالرواية الأقرب إلى الحقيقة، أو على الأقل عدم تجاهلها.

فجأة، تغيّرت نبرة التغطية بشكل لافت، مدفوعة بكمٍّ هائل من الصور والفيديوهات والبيانات الحقوقية التي وثقت استهداف المدنيين والبنية التحتية بشكل مباشر. على سبيل المثال، في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، نشرت "نيويورك تايمز" تحقيقًا موسعًا بعنوان: How Israel’s War Strategy Hit Civilians Hard، (كيف استهدفت استراتيجية "إسرائيل" في الحرب المدنيين بقسوة)، كشفت فيه أن آلاف الشهداء من النساء والأطفال لم يكونوا "أضراراً جانبية".

كما بدأت مؤسسات مثل Channel 4 البريطانية وMSNBC الأميركية تبث تقارير من داخل غزة، تظهر حجم الدمار والمعاناة، وتستضيف صحافيين وحقوقيين فلسطينيين للمرة الأولى منذ عقود.

اليوم، أسئلة مشروعة عدة تُطرح، هل صور الدمار في "تل أبيب" وسيلة دعائية؟ أم عرض لحقيقة مرة غير قابلة للإخفاء؟ هل تُنشر لكسب التعاطف؟ أم لتبرير تصعيد؟

المرجح، والأقرب إلى العقل الإسرائيلي، بأن ما يراد له أن يصور على أنه معاناة إسرائيلية ليس إلا ممراً ضرورياً لتوسيع دائرة النار والحرب، وهو التوسيع غير الممكن من دون الدعم الغربي المطلق، أو بكلمات أخرى؛ أن يخوض الغرب الحرب كاملة بنفسه!

أما ما يجب أن لا يغيب عن البال، هو أن التكتيك الإسرائيلي اليوم هو سيف ذو حدين. قد يُعطي الأميركي ما هو مطلوب إسرائيلياً، ولكن ما لا يمكن استرداده هو صورة "إسرائيل" المحصنة والمنيعة؛ لذلك لا غرابة في استدعاء مقولة "أوهن من بيت العنكبوت".

بعد اليوم، على "إسرائيل" أن تودّع معادلة رابح-رابح، ففوزها والنخب الحاكمة في الغرب معاً بات تحقيقه أصعب، فذخائرها المتفجرة في الدم الحي للمدنيين، لا تغري الكتلة الناخبة في الغرب؛ وغرورها العسكري لم يعد مقنعاً للنخبة الحاكمة فيه، تحديداً عندما غامرت في جغرافيا من الصعب أن تهزم، إيران.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.