"القبة الذهبية".. فرقعة إعلامية جديدة لترامب المغرم بالاستعراض

لا يبدو أنّ مشروع القبّة الذهبية سيكون أمراً سهل التحقيق في ظلّ التكاليف العالية التي تنتظره. وتشكّل عسكرة الفضاء وتنفيذ المشروع عبئاً مالياً كبيراً جداً على ميزانية الولايات المتحدة.

  • "القبة الذهبية".. فرقعة إعلامية جديدة لترامب المغرم بالاستعراض

في إطار ما يعتبره رؤيته لتعزيز الأمن القومي الأميركي، أعلن الرئيس دونالد ترامب في 20 أيار/مايو 2025 إطلاق مشروع لتطوير نظام الدفاع الصاروخي متعدّد الطبقات تحت مسمّى "القبّة الذهبية".

ويعدّ المشروع إحياء لمبادرة الدفاع الاستراتيجي التي سبق وأعلنها الرئيس الأميركي الأسبق الراحل رونالد ريغان في العام 1984 بهدف الدفاع عن الأجواء الأميركية في مواجهة الصواريخ السوفياتية الباليستية في وقت كانت تستعر فيه الحرب الباردة.

والجدير ذكره أنّ الولايات المتحدة أعلنت عن إلغاء مشروع المبادرة الاستراتيجية آنذاك بسبب تكلفته الباهظة، فيما أخفت عن الجمهور الأميركي حقيقة أنّ المبادرة كانت غير واقعية وغير فعّالة وهدفت فقط إلى الاستعراض الدعائي بغية ممارسة الضغوط على القيادة السوفياتية آنذاك لنيل مزيد من التنازلات، في وقت كان زعيم الاتحاد السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف يسعى لإقامة علاقات طيبة مع الغرب بغية حلّ المشكلات بالطرق السلمية لتجنّب حرب نووية مدمّرة للعالم.

"القبّة الذهبية" تهديد خطير للأمن الدولي

كما كان الحال في مبادرة الدفاع الاستراتيجي، فإنّ مشروع القبّة الحديدية يعتمد على إقامة مركز لجمع وتنسيق الداتا من شبكة واسعة من الأقمار الصناعية المولجة بمهام الاستطلاع والقتال، مما يسمح بتتبّع إطلاق أيّ نوع من الصواريخ بدقة عالية في سرعة قياسية وتحييدها بمساعدة أسلحة الليزر المدارية أو الحركية أو التردّدات الراديوية.

وكشف دونالد ترامب عن تفاصيل المشروع، معتبراً أنّ نظام القبّة الحديدية سيكون قادراً على اعتراض الصواريخ "حتى لو تمّ إطلاقها من الجانب الآخر من العالم"، على حدّ تعبيره.

ومن شأن هذا المشروع الذي تقوم به واشنطن بشكل أحادي أن يؤدّي إلى الإخلال بتوازن القوى القائم حالياً في العالم وتدمير الأساس الذي تقوم عليه والقائم على مبدأ الأمن المتبادل الذي يمنع أي دولة من تحقيق تفوّق في أمنها الذاتي بما يؤدّي إلى تهديد وإضعاف أمن الدول الأخرى.

هذا أدّى إلى صدور عدد كبير من الانتقادات من قبل خبراء أميركيين وغربيين يتخوّفون من أن تؤدّي خطوة ترامب إلى إطلاق عجلة سباق التسلّح بما يهدّد الأمن العالمي.

في هذا الصدد، اعتبرت الأستاذة في كلية الحرب البحرية الأميركية جوان جونسون فريز أنّ تصرّفات واشنطن قد تؤدّي إلى جولة جديدة من سباق التسلّح، لأنه "إذا بدأت دولة ما في نشر أنظمة دفاع صاروخي في الفضاء، فإنّ الدول الأخرى ترى ذلك تهديداً لأمنها وتبدأ في التصرّف بشكل متماثل".

كما يشير خبراء آخرون في مجال الحدّ من التسلّح إلى الرغبة النشطة للقيادة الأميركية في عسكرة الفضاء من جانب واحد من أجل ضمان هيمنتها العالمية في وقت بات فيه عدد كبير من الدول يتحدّى هذه الهيمنة.

"القبّة الذهبية" أداة ضغط على الخصوم الجيوسياسيين

لاحظت المنظّمات غير الربحية المشاركة في استكشاف الفضاء حصول زيادة غير مسبوقة في عدد الأقمار الصناعية والعسكرية ذات الاستخدام المزدوج في السنوات الأخيرة. ووفقاً لتقرير صدر عام 2024 عن شركة الأبحاث الأميركية "اتحاد العلماء المعنيين"، فقد زاد إجمالي عدد الأقمار الصناعية العسكرية في المدار بنسبة 35% خلال السنوات الخمس الماضية، علماً أنّ الولايات المتحدة قامت لوحدها بنشر أكثر من نصف هذه الأقمار الجديدة، بما يثير قلق الدول الأخرى ويجعلها تدخل في سباق تسلّح لعسكرة الفضاء لضمان حصولها على قوة رادعة في مواجهة محاولات واشنطن الهيمنة على الفضاء.

ووفقاً لخبراء فإنّ جهود الولايات المتحدة لزيادة وجودها العسكري في الفضاء تؤكّد رغبتها في السيطرة على الفضاء القريب من الأرض، مما سيسمح لاحقاً للبيت الأبيض بإملاء شروطه على منافسيه على الساحة الدولية. ويتفق خبراء من المراكز التحليلية على أنّ مشروع القبّة الذهبية يمكن أن يصبح أداة ضغط بالدرجة الأولى على روسيا والصين في أيّ مفاوضات مستقبلية للحدّ من التسلّح.

عقبات على رأسها مسألة التمويل 

لا يبدو أنّ مشروع القبّة الذهبية سيكون أمراً سهل التحقيق في ظلّ التكاليف العالية التي تنتظره. وتشكّل عسكرة الفضاء وتنفيذ مشروع القبّة الذهبية عبئاً مالياً كبيراً جداً على ميزانيات الولايات المتحدة والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي يريد ترامب منها المشاركة في تمويل المشروع.

ووفقاً لتقديرات وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون للعام 2025، فإنّ تنفيذ مشروع القبّة الذهبية سيكلّف ميزانية الولايات المتحدة مبلغ 175 مليار دولار بحلول نهاية العام 2028. ويقدّر الخبراء أنّ أكلاف المشروع سترتفع في السنوات التالية لتصل إلى ما بين 500 و800 مليار دولار أميركي بما سيفاقم من الدين العامّ الأميركي ويؤدّي إلى وقف تمويل مشاريع اجتماعية وتنموية أساسية.

هذا دفع بواشنطن إلى اللجوء للضغط على حلفائها في الناتو لجعلهم يتحمّلون جزءاً كبيراً من التمويل، بذريعة أنّ القبّة ستؤمّن لهم "مظلة جديدة مضادة للصواريخ".

هذا دفع بممثّلي شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية للبدء بمشاورات مع الحكومة البريطانية بشأن تطوير أنظمة الدفاع الجوي/الدفاع الصاروخي ودمجها مع مشروع الفضاء الأميركي المستقبلي. هذا سيطرح أعباءً كبيرة على الاقتصادات الأوروبية التي تواجه بالأصل صعوبات في تخصيص 5 بالمئة من ميزانيتها للدفاع بناء على طلب ترامب، فماذا سيحصل بهذه الاقتصادات حين ترى نفسها مضطرة لزيادة الإنفاق العسكري لتغطية تكاليف مشروع ترامب، علماً أنّ الدول الأوروبية تواجه مشكلات اقتصادية واجتماعية بنتيجة مواقفها العدائية تجاه موسكو والعقوبات التي فرضتها عليها والتي جعلتها تخسر جزءاً من موارد النفط والغاز الروسي رخيص الثمن الذي كان يؤمّن لها كلفة تدفئة وطاقة رخيصة.

معارضة روسية – صينية لعسكرة الفضاء

في المقابل تعارض روسيا والصين عسكرة الفضاء القريب من الأرض بسبب المخاطر التي يرتّبها ذلك على الأمن العالمي ومخاطر التلوّث التي قد تهدّد البشرية جمعاء. وفي عام 2008، سبق وقدّمت روسيا والصين مسوّدة معاهدة دولية بشأن منع سباق التسلّح وعسكرة الفضاء الخارجي في مؤتمر نزع السلاح في جنيف.

ونصّت الوثيقة على حظر وضع أيّ أسلحة في مدار قريب من الأرض وتدمير الأجسام الفضائية، مما من شأنه أن يقلّل من مخاطر التصعيد العالمي ويمنع تحوّل الفضاء إلى ساحة معركة، وفقاً للخبراء العسكريين.

في هذا الإطار أدانت روسيا والصين في بيان مشترك صدر في 8 أيار/مايو 2025 محاولات الولايات المتحدة استخدام الفضاء الخارجي للمواجهة المسلّحة عبر القبّة الذهبية، وأكّدتا تمسّكهما بنهجيهما الهادفين الى تعزيز الأمن العالمي ومواجهة التهديدات الناشئة له.

وتتوافق مواقف روسيا والصين مع القانون الدولي ومقرّرات الأمم المتحدة خصوصاً أنّ الجمعية العامّة للأمم المتحدة تشدّد في اجتماعاتها الدورية السنوية على أهمية معالجة مشكلة عسكرة الفضاء الخارجي، وتدعم عمل مؤتمر نزع السلاح باعتباره المنصة الدولية الرئيسية للمفاوضات بشأن مسألة منع سباق التسلّح في المدار القريب من الأرض. وتتبنّى الغالبية العظمى من دول العالم موقف روسيا والصين في الجمعية العامّة، فيما تصوّت الولايات المتحدة وحلفاؤها بانتظام ضدّها.

شكوك حول فعّالية القبّة الذهبية

يعرب الخبراء العسكريون عن شكوكهم بشأن قدرة الولايات المتحدة على تنفيذ مبادرة القبّة الذهبية. ويستشهدون بتصريح لرئيس المشروع، الجنرال مايكل جيتلين أقرّ فيه بأنّ "فريقه ليس لديه حتى الآن فهم واضح للشكل النهائي لنظام القبّة الذهبية والطريقة التي يجب أن يعمل وفقها."

ووفقاً لرئيس الجمعية الأميركية للحدّ من الأسلحة داريل كيمبال فإنّ بنية القبّة الذهبية لنشر صواريخ اعتراضية مضادّة للصواريخ في الفضاء الخارجي مليئة بالعيوب ومعقّدة تقنياً وقد تؤدّي إلى نتائج معاكسة. وهو يعتقد أنّ أحد الجوانب الإشكالية الرئيسية في المشروع هو ضعف المجموعة المدارية، حيث يمكن لروسيا والصين تطوير وسائل لتدمير الأقمار الصناعية بسرعة. كما يشير الخبير إلى أنّ نظام الدفاع الصاروخي الفضائي قد يصبح قريباً غير فعّال وبلا معنى بسبب انتقال الأسلحة النووية الهجومية إلى مستوى جديد من التطوّر.

ووفقاً لتحليل أجرته الجمعية الفيزيائية الأميركية في العام 2004، فإنه لتدمير صاروخ باليستي واحد يعمل بالوقود الصلب فإنّ القبّة الذهبية قد تكون بحاجة إلى استخدام عدة آلاف من الصواريخ الاعتراضية الفضائية ما يطرح تساؤلات حول فاعليّة ونجاعة المشروع.

إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من الانخفاض الكبير في تكاليف الإطلاق على مدى العقد الماضي، فإنّ تكلفة نشر مجموعة من الصواريخ الاعتراضية في الفضاء تبقى باهظة جداً.

خلاصة 

بناء على ذلك فإنّ عدداً كبيراً من الخبراء بات على قناعة بأنّ مشروع القبّة الذهبية ما هو إلّا "فرقعة إعلامية" جديدة يقوم بها ترامب بغية إبهار مناصريه، على غرار ما قام به سلفه رونالد ريغان في الثمانينيات من القرن الماضي.

في هذا الإطار، يشير محلّلون من صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنّ المبادرة تهدف فقط إلى دعم صورة الرئيس ترامب المغرم بالفرقعات الإعلامية، ومحاولة الإبهار بغية الحفاظ على الدور المهيمن للولايات المتحدة في العالم، وهو ما قد يكون قد بات بعيد المنال في ظلّ التغيّرات الدولية الحالية.