نستجيب للفتنة ونخدم أعداءنا

لو كنّا سنُجيب بهكذا مواجهات مع كلّ مَن يمسّ عقيدتنا وإيماننا فغداً سنكون لقمة سهلة لأعداء هذه الأمّة من الصهاينة وغيرهم من دون أن يضطروا إلى إطلاق أيّة رصاصة.

  • نستجيب للفتنة ونخدم أعداءنا
    فوضى في شوارع بيروت

 

لم يكد الشارع اللبناني يهدأ قليلاً حتى عادت الصِدامات ومشاهد الفوضى تعمّ الشاشات التي تنقل الحدث اللبناني، لا على خلفية المطالب المعيشية هذه المرة، بل بسبب فيديو مُسيء لأمَّة المليار ونصف المليار مسلم نشره أحدهم، واتُهم بمحاولة إحداث فتنة كُبرى وإشعال فتيل حرب أهلية لا تُحمَد عُقباها، قبل أن يعود ويعتذر موضحاً ما جرى.

العُقلاء داخل لبنان من عُلماء المسلمين وجهات سياسية وأهلية أدركوا الواقِعة وسعوا جاهدين حتى انطفأت وتمّ وأدها في مهدها من دون وصول الموضوع إلى مستوى اللاّعودة. هنا لَسْتُ في مكان المُحَلِّلِ للفيديو المُسيء لكرامة الأمَّة الإسلامية وإيمانها وعقيدتها، بل لقراءة مُجريات ما حصل.

لا نخفي أنّ كلّ مَن سمع الفيديو شعر باشمئزازٍ وحزنٍ وغضبٍ عميقٍ جدّاً، إلاّ أنّه كان على الجميع تفعيل العقل والفكر الرّشيد أكثر فأكثر. ففي رأيي أنّ ما حصل من صِدامات مع الأمن اللبناني ما كان يجب أن يحصل بتاتاً. فمَن قام بهذه الإساءة أساساً ومَن يتابع الفيديو جيِّداً، لا تبدو عليه علامات الرّشاد أو العقلانيّة.

كان من الأجدَى بمكانٍ على الجميع تفعيل نداء سيِّد المقاومة الأمين العام على الأرواح والدماء سماحة السيِّد حسن نصرالله وهو نداء "الصّبر والبصيرة ". كان حريّ على الجميع الصّبر والتحمّل مهما كان الوجَع، وعليهم بالبصيرة حتى لا يأخذ الموضوع حجماً أكبر بكثير بسبب شخصٍ لا يعلم إلاّ الله تعالى مَن يكون. فلو كنّا سنُجيب بهكذا مواجهات مع كلّ مَن يمسّ عقيدتنا وإيماننا مهما علا شأنه، فغداً سنكون لقمة سهلة لأعداء هذه الأمّة من الصهاينة وغيرهم دون أن يضطروا إلى إطلاق أيّة رصاصة.

لو تذكّرنا جيّداً في السنوات الماضية، حين تمّ إحراق القرآن الكريم في أميركا إعداماً لمسلمين، وأيضا حين تمّت الإساءة لرسولنا الأعظم (ص)، لم نشهد مثل هذه المواجهات إلاّ في عدَّة مناطق من العالم الإسلامي وأصلاً تمّ التّنديد بها، أمّا في لبنان فقد انتظر الجميع موقف حزب الله ونذكّر جيّداً أنّ الرّدّ على الفيلم المُسيء للرسول الكريم (ص) كان بتظاهرةٍ حاشدةٍ جدّاً لاقت استحسان الجميع.

فلو قرأنا القرآن الكريم جيّداً، فالله سبحانه وتعالى حين حدَّثنا في جانب الإساءة إليه أو الاستهزاء بالدين الإسلامي، لم يأمرنا بالدفاع عبر الغضب والاقتتال، بل طلب منّا الابتعاد عمَّن يُسيء وعدم الخوض معهم في أيّ جدال وعدم شتمهم أو شتم مُعتقداتهم حتى "لا يسبّوا الله". فهذا أمر الله لنا ناهيك عن أمر رسوله الأكرم (ص) أو عن أمر آل بيته (ع) أو عن أمر صحابته (رض) وأيضاً جميع عُلماء المسلمين باختلاف اجتهاداتهم.

ومن أجل مواجهة أيّة فتنة من أيّ نوع مستقبلاً، علينا هنا الامتثال لأمرين، أحدهما لرسول الله (ص) حين قال: "الفتنة نائمة، لَعَنَ الله من أيقضها"، وأمر الله تعالى في محكم التّنزيل، بقوله تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا"(63) سورة الفرقان. 

هنا نُدرِك من الأمر الأوّل أنّ علينا السّعي لوأد الفتنة حتّى لو سعى العدوّ سعيه لإشعالها، أمّا الأمر الإلهي، فالله عزّ وجلّ خاطبنا برحمته لعبوديّتنا له أن نُخاطب الجاهلين الفتنويين بعقول عباد الله المؤمنين، فنحن الذين أخرجنا الله بدينه الإسلام الحنيف من الظُلمات إلى النور، وجَب علينا ألا نجعل الظلاميين الجاهلين أن يُعيدونا إلى السواد والظّلامية.

بلطفٍ من الله تعالى، حُفِظَ لبنان من الفتنة، وباللطف الخفيّ لربّ السماوات والأرض خرج لبنان سالِماً غانِماً من حربٍ ليست طائفية فقط بل دينية مشؤومة. نحمد الله أنّ في لبنان من العُقلاء والرّاشدين ما يكفي ليخرج لبنان عزيزاً مُنتصرِاً وتمرّ تلك الليلة السوداء من دون سوء، ويكون درساً أنّ لبنان كان وسيبقى أَبَدَ الدّهر بلد العيش المُشترَك لكل الناس وقِبْلَةَ الحبّ والسّلام.