ترامب ينزع أقنعة المُطبّعين والمنطقة تستعد لكلّ الاحتمالات

الهدف الأول لـ"الربيع العربي" كان إسقاط سوريا، لتكون بحلّتها الجديدة هي من يُطبّع ويُوقّع، ولو نجحت الولايات المتَّحدة في ذلك لما كان هناك أيّ قيمة لتطبيع مشيخات ودويلات الخليج.

  • رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان ووزير خارجية البحرين عبد اللطيف الزياني خلال التوقيع على
    رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان ووزير خارجية البحرين عبد اللطيف الزياني خلال التوقيع على "التطبيع الأسرلة"

لن يشعر نظاما الإمارات العربية المتحدة والبحرين بالغربة في محطّة "الأسرلة" التي رفع الأميركي الستار عنها مؤخراً، لأنّهما سيجدان في استقبالهما أنظمة عربية سبقتهما منذ عقود، سالكة طريقهما نفسه للوصول إلى القلب الأميركي، وإن اختلفت نقطة الانطلاق، سواء كانت كامب ديفيد أو وادي عربة أو أوسلو.

وسيكون كلّ من وصل إلى هذه المحطة حتى الآن في استقبال من ستختاره الولايات المتحدة الأميركية لينال بعض الرضا، بمن فيهم ما يُسمى جامعة الدول العربية، التي أنجزت بإتقان كلّ ما رُسم لها، لتكون عاملاً لتفرقة العرب لا لجمعهم، ولن نستغرب ذلك من جامعة أسّستها بريطانيا في بداية أربعينيات القرن الماضي، بجهود وزير خارجيتها أنتوني إيدن، لتكون الذراع البريطانيّة، ولاحقاً الأميركية، لرعاية كلّ المشاريع الغربية في المنطقة العربية وتمريرها.

بالتأكيد، تنتظر دول الخليج الإشارة الأميركية لتلتحق بقطار التطبيع، ليتبيَّن أنَّ العروبة وفلسطين والأقصى ما هي إلّا شعارات تتستّر بها، ومواد للتجارة تُباع حين يأمر مُشغّلها ببيعها. ويُحسب لحكام تلك الدول أنّهم قسّموا شعوبهم، فقسم لا ينظر إلى التطبيع إلّا من زاوية السياحة إلى "إسرائيل" التي تُلبي رغباتهم المكبوتة كافة، والقسم الآخر أتخموه قمعاً وفقراً، فأصبح واقعاً تحت همّ السلامة ورغيف الخبز. وهنا لا نشمل كل الشعوب بدليل أن معظم الشعب البحريني انتفض ضدّ التطبيع رغم الفقر، ورغم الاحتلال السعودي والقمع السلطوي.

ومن المُلاحظ أن بعض أقلام هذه الممالك والدويلات بدأ يعمل بشكل حثيث وعلنيّ، للتأثير في الوعي الجمعي، فبدأت الكتابات عن أن اليهود ظُلموا ويجب أن "يعودوا إلى أرضهم في الجزيرة العربية"، وبتنا نلحظ الكثير من هذه المقالات التي تصبّ في هذا الاتجاه، مثل المقالات التي تُنشر للأكاديمي محمد الغبّان وغيره من الكتاب والأكاديميّين في الجامعات السعودية الرسمية، ومن المؤكد أن أكاديمياً في جامعة سعودية لا يستطيع كتابة ذلك من دون رضا المرجعيات السعودية العليا.

أما الطرف العربي الَّذي بدأت تدور به الأرض، فهو السلطة الفلسطينية، التي سبقت الدول الملتحقة بالتطبيع مؤخراً بسنوات عديدة، وكانت النتيجة أنها فقدت الرضا الأميركي والإسرائيلي، لأنها لم تستطع تقديم المزيد من التنازلات، بسبب شعب ومقاومة فلسطينيين كانا للجميع بالمرصاد، وبسبب محور لم يعرف الخيانة ولا التجارة بالثوابت، وبقي وفياً لفلسطين ولشعبها. 

والآن، السلطة الفلسطينية في مهب الريح، لأن الظروف لم تعد تسمح لها بالأكاذيب والمناورات التي اعتادت ممارستها، فإما الذهاب بالتطبيع إلى حد بيع ما تبقى من فلسطين، وهذا أضحى شبه مستحيل، بسبب تنامي الرفض الشعبي وقوة الفصائل الفلسطينيّة المقاومة، وإمّا ترك الساحة لمن يعتقد أنه يستطيع إتمام هذا البيع. ويبدو أن دور محمد دحلان قد اقترب كثيراً.

ولو نظرنا إلى رد فعل الطرف الآخر المعنيّ المباشر بما يجري، وهو محور المقاومة، وفي طليعته الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإننا نلاحظ أنّ إيران بدأت بالرد من خلال تحذير دول الخليج من أن هذا التطبيع يهدد الأمن الإقليمي، وخصوصاً الإيراني، وأنها "لا تمزح عندما يتعلَّق الأمر بأمنها"، كما جاء على لسان سعيد زاده، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية. 

ولنلاحظ هنا أنَّ السعودية والإمارات وكلّ من تحالف معهما من عرب وغير عرب، وبدعم أميركيّ وإسرائيليّ مباشرين، لم يستطيعوا هزيمة اليمن ذي الإمكانيات المتواضعة، فكيف سيكون حالهم في مواجهة عسكرية مع إيران!؟

أما رد الفعل الأهم، فهو السّعي إلى بناء حلف يمنع تداعيات ما يحدث أو يقلّل منها. ولذلك، رأينا التحرّك الإيرانيّ باتجاه كلّ من باكستان وتركيا، باعتبارهما من أكبر الدول الإسلاميّة، ونحن نعتقد أنَّ القادة الإيرانيين يعرفون أنَّ تركيا سبقت الجميع بتنسيقها مع الكيان الصهيوني، وأنَّ رفضها اللفظي للتّطبيع ما هو إلّا مناورة لإبعاد السعوديّة عن الزعامة الإسلامية، وقد يكون لباكستان التطلّعات نفسها، ولكنّه يبقى تحالف الضرورة، إذ تعتمد كلّ من تركيا وباكستان على أن معظم الشرائح العربيّة والإسلاميّة تعرف أن السعودية هي اليد الأميركيّة الفاعلة في هذا الملف.

بطبيعة الحال، إنَّ عمليات التطبيع هذه، والتي تمَّ تضخيمها لإرضاء اللوبي اليهودي المُؤثر في الانتخابات الأميركية، لا تحمل الكثير من التأثير، لأنَّ هذه الدول مُطبّعة منذ زمن بعيد، وما حصل وسيحصل ليس سوى إعلان لهذا التطبيع، كما أنَّ هذه الدويلات ليست وازنة، وليست من دول الطوق. وبطبيعة الحال، فإنها لم تكن في أي يوم مع القضايا العربية، وخصوصاً القضية الفلسطينيَّة، بدليل تنسيقها في مختلف المجالات مع "إسرائيل".

وهنا يتأكَّد أنَّ الهدف الأول لـ"الربيع العربي" المزعوم كان إسقاط سوريا، لتكون بحلّتها الجديدة هي من يُطبّع، ويُوقّع، ويُسلّم، ويستسلم. ولو نجحت الولايات المتَّحدة في ذلك، لما كان هناك أيّ قيمة لتطبيع مشيخات ودويلات لا يُسمن تطبيعُها ولا يُغني.

أنظمة عربية عدة، وبعد سنوات من التطبيع السري مع الاحتلال الإسرائيلي، تسير في ركب التطبيع العلني، برعاية كاملة من الولايات المتحدة الأميركية.