"Clubhouse".. حوارات بمظهر الحداثة

اليوم، يثبت "Clubhouse" أنَّ تواصل الناس والتفاعل مع الحوارات، ليس شيقاً فحسب، بل له أهمية بالغة أيضاً في عالم الرقميات المسموعة.

  • خلال أقل من عام، أصبح "Clubhouse" من التطبيقات المشهورة في وادي السيليكون

حتى نقضي مدة طويلة في منصات التواصل الاجتماعي، يقضي خبراء تكنولوجيا الرقمية أسابيع وأشهراً لإنتاج التطبيقات التي "ستجعلنا مميزين" من جانب. ومن جانب آخر، ستجعل الشركة المنتجة من أسياد وادي السيليكون، من خلال حصد ملايين الدولارات. هذا ما تشهده ساحة التكنولوجيا الرقميّة كلّ يوم، من خلال اختراع تطبيق جديد يشمل امتيازات معروفة، لكنَّ المهم أيضاً هو طريقة التسويق الذكية مع بعض لمسات الحداثة، ثم تأتي المهمة التالية، أي إقناع الناس بأنهم سيكونون مميزين، وعلى اتصال مع المشهورين والمميزين حول العالم، في حال استخدموا هذه التطبيقات.

في السابق، كانت النقاشات والحوارات السياسية تُدار داخل المقاهي وفي التجمّعات، وكانت النوادي الثقافية تستضيف السياسي أو الصحافي ليجيب عن أسئلة الناس، كما كان هناك مشرفون يوزّعون الأدوار ليطرح الناس الأسئلة، وكان بعض الضيوف يتعرّضون للكلمات النابية والرشق بالبندورة.

اليوم، وخلال أقلّ من عام، أصبح "Clubhouse" من التطبيقات المشهورة والفاعلة في وادي السيليكون. وحتى الآن، جذب هذا التطبيق ملايين المستخدمين حول العالم. أمّا الأرباح، فتقدّر قيمتها بأكثر من مليار دولار. وخلال انتشار فيروس كورونا والتزام الناس الحجر المنزلي، زاد رواد التطبيق، وأصبح محطّ اهتمام النخب الثقافية. 

وهكذا، عادت الدردشة الصوتية إلى الواجهة بعد استحواذ الفيديو والصورة على عقول المستخدمين لفترة طويلة. واليوم، يثبت "Clubhouse" أنَّ تواصل الناس مع بعضهم ببعض، والتفاعل مع الحوارات، ليس شيقاً فحسب، بل له أهمية بالغة أيضاً في عالم الرقميات المسموعة، فالتطبيق يساعد على التركيز على فكرة النقاش من دون التشتت بالملهيات البصرية التي تعتمدها التطبيقات الأخرى.

وقد اعتمد المصمّمون في "Clubhouse" على المحافظة على بساطة التصميم، وحصروا استخدامه بغرفة النقاش. وتعدّ فكرة التطبيق مشابهة إلى حد كبير لجهاز الراديو، لكنَّ المفارقة أنَّ المستخدم يستطيع إبداء رأيه وطلب المشاركة من المراقبين الذين يوزعون أدوار النقاش، فقد استطاع بول دافيسون في الولايات المتحدة، بعد جولة من التجارب في الشركات التي عمل بها والمناصب التي شغلها، طرح التطبيق، مُميِّزاً نفسه بالتركيز على الصوت، مستفيداً من خبرته في العمل مستشاراً في "Bain & Company" و"CoinList"، ونائباً لرئيس شركة "Metaweb Technologies"، ليقدّم للناس عمله الخاص. وقد حصد بذلك الكثير من الأموال.

دافيسون اليوم هو الرئيس التنفيذي للشركة، وإلى جانبه روهان سيث، والهدف، كما يعلن دافيسون، هو ربط الناس بعضهم ببعض، من خلال النقاش والحوار الواضح وشعور المشاركين بالراحة بعد استخدام التطبيق. وقد اعتمد خلال ترويجه للتطبيق على أسلوب الندرة في التسويق، وتحديد الدعوات بالمشاهير وكبار مديري عالم التقنيّة، ما أدّى إلى اتهام التطبيق في بداية استخدامه بأنّه "نادي الأثرياء السرّي".

في البداية، انتشر التّطبيق في متجر "Apple store"، ثم انتقل إلى متجر "Android". ورغم إعلان دافيسون وسيث أنَّهما يتطلّعان إلى زيادة أعداد المستخدمين، فإنّ التّطبيق بقي تحت قيد التّجربة، وظل محصوراً بتلقي دعوة للمشاركة في غرف النقاش. لذلك، لم يشهد التّطبيق شهرة واسعة إلى أن استضاف الرئيس التنفيذي لتطبيق "روبن هود" فلاد تينيف مؤسسَ شركة "تسلا" إيلون ماسك في محادثة طويلة عبر "Clubhouse".

فكرة التّطبيق ليست جديدة، فهناك عدد من التطبيقات المشابهة، مثل "Spoon"، و"Signal"، و"Riffr"، و"Discord"، إلا أنَّ "كلوب هاوس" تميّز بسرعة انتشاره بين الشباب، وبروزه كمقصد للنقاشات السياسية والثقافية. وما إن بدأ يحقّق انتشاراً واسعاً، حتى سارع "فيسبوك" إلى تطوير خاصيّة "Messenger Rooms"، وأطلق "تويتر" غرف "Twitter Spaces".

في العام 2005، برز موقع "LebanonVoice" في لبنان، وهو موقع متخصّص بالدردشة الصوتية، تميز بالنقاشات السياسية الحادة التي كانت تشهدها البلاد، وخصوصاً مقاهي الإنترنت. النقاشات كانت تُدار بين شباب من مختلف المناطق والانتماءات، وكانت التوترات السياسية والطائفية تنعكس على تلك الغرف، إذ شهد بعضها حوارات متشنّجة تصل إلى حد الشتائم.

اليوم، يشعر رواد تطبيق "Clubhouse" بارتياح بوجود مشرفين يديرون النقاش ويضبطون بعض الخروقات اللاأخلاقية من بعض الدخلاء، والأهم أن التطبيق لا يؤرشف الحوارات، ما يبعد الخشية من الاختراقات الأمنية، وهو ما رأت فيها وسائل إعلام خليجية إيجابية، بسبب حساسية الأنظمة الخليجية من حرية الرأي والتعبير.

من جانب آخر، تحدث تقنيون عن خشية دخول الذباب الإلكتروني والتشويش على غرف الحوارات، من خلال المشاركة بحسابات مزورة وحرف النقاش عن مساره. ولم تكن هذه المشكلة محصورة بغرف النقاش الخاصة بالوضع الخليجي، بل يتعداه إلى أي مكان يشهد حساسيات من الحريات الإعلامية أو يواجه اضطرابات سياسية معينة، كما هو الحال في لبنان، ما يؤدي إلى دخول الذباب الإلكتروني إلى غرف الحوار الخاصة بالسياسة الداخلية اللبنانية، إذ يتفاجأ رواد التطبيق بهجمة خارجية لمناقشة موعد الانتخابات اللبنانية مثلاً أو الأزمة الاقتصادية اللبنانية.

وبسبب مخاوف أمنية أو اجتماعية وسياسية معينة، حظرت دول خليجية، مثل الإمارات وعمان، التطبيق، ونشرت صحيفة الرياض مقالاً تحت عنوان "الكلوب هاوس ومناديب إبليس"، رأى فيه الكاتب أن "إبليس يعشعش في غرف التطبيق"، فيما ركزت المواقع السعودية على العيوب الأمنية للتطبيق. رغم ذلك، لا يتردد مشاهير السعودية في المشاركة في الندوات والحوارات.

في لبنان، وبعد البطالة المتزايدة التي يعيشها بعض الإعلاميين الّذين صُرفوا من وظائفهم جراء الأزمة الاقتصادية، وجد هؤلاء في التطبيق مساحةً لبناء مكانة خاصّة بهم، وللبقاء على تواصل مع الجمهور والمشاركة كمشرفين على غرف "Clubhouse".

ويبدو أنَّ التّطبيق سيكون فرصة مناسبة للمرشّحين إلى الانتخابات النيابية لطرح مشاريعهم وتطلعاتهم إلى مستقبل البلاد، وإن كان على المشرفين أن يكونوا حذرين أكثر من كلمات المواطنين الغاضبين وأسئلتهم.