التحالف العابر للمكوّنات.. آفاق الحل للأزمة العراقية

التحالفُ العابرُ للمكوّنات سيمكّن الناخبَ العراقيَ من حُسنِ الاختيار ويشجّعهُ على المشاركةِ وينهي حالةَ البرامج الانتخابية المستنسخة والشعارات المكرورة التي تشتّتُهُ وتزيدُ من إحباطه.

  • التحالفَ الانتخابي العابرَ سيمثّلُ مشروعاً سياسياً وطنياً كبيراً
    التحالفَ الانتخابي العابرَ سيمثّلُ مشروعاً سياسياً وطنياً كبيراً

يقتربُ العراقُ من استحقاقٍ انتخابيٍ جديدٍ مشابهٍ لما سبقه من حيث الممارسة والأداء ومختلفٍ من حيثُ التوقيتِ  والتسمية. إذ تتميّزُ الانتخاباتُ القادمة بأبعادها المصيرية وقدرتها على حسم المرحلة القائمة والانتقال بالعراق الى مرحلةٍ أكثرَ هدوءاً إذا ما أُحسِنَت إدارةُ الأزمة، وقد تكونُ أكثرَ توتراً وتصعيداً إذا حصل عكس ذلك.

فلهذه الانتخابات مجموعةٌ من الاستشرافات التي نعتقدُ بصحّتها، ففيها أُفولٌ لقوىً سياسيةٍ، وصعودٌ لأُخرى، وتكريسٌ لمكانةِ قوى سياسيةٍ فاعلةٍ في المشهد، ولكن أيَّاً كان شكلُ هذه الانتخابات ومخرجاتها، فإنَّ عليها أن تجدَ إجابةً وافيةً للاستفهام الذي مفاده: ماذا لو ذهبنا إلى الانتخابات المبكرة وانتهت الممارسة الانتخابية من دون أن تتمكنَ من إزالةِ الاحتقانِ واستعادة ثقة المواطن بنظامه السياسي الديمقراطي.

إنَّ الحلَّ الذي نراه للأزمةِ العراقية هو ذاته الحلّ الذي طرحناه في فتراتٍ سابقةٍ وواجهَ اعتراضاً من الكتل السياسية بسبب المزاج السياسي الذي كان يسود آنذاك، فقد كانت الكتلُ السياسيةُ تخشى المجازفةَ، وتحدوها رغبةٌ دائمةٌ بالتفكير داخلَ الصندوق لا خارجَه.

وانطلاقاً من تلك التعثّرات، فإننا نرى أن الحلَّ يكمنُ بتشكيل تحالفٍ انتخابيٍ عابرٍ للمكوّنات، ممثّلٍ للجميع، وطني التوجه والإرادة، قادرٍ على ردم الهوّة بين الجمهور العام والمنتظم السياسي وبوسعهِ تشكيل نواة العمل المتوازن بالنظام السياسي على أساسِ فكرة (الموالاة والمعارضة)، عبرَ قوىً تتفقُ قبل الانتخابات على وجهتها في إدارة الدولة، وهو سياقٌ مختلفٌ تماماً عن التحالفات التي تتشكّل بعد الانتخابات، والتي يكون فيها العاملُ المشتركُ بين الجميع هو كيفية تقاسم السلطة وفقَ لغة الاستحقاق الانتخابي.

وأما التحالفُ العابرُ للمكوّنات، فإنهُ نسيجٌ يشاركُ فيه ممثّلون عن قوى سياسيةٍ من جميع الساحات، قوىً تمتلك ثقلاً سياسياً واجتماعياً، وتاريخاً نضالياً واضحاً إلى جانبِ القوى المنبثقة من حراكِ تشرين الذي نترقبُ قدرتَه على إثبات تمثيله السياسي في المرحلة القادمة.

إنَّ تشكيلَ التحالفِ العابرِ سيفرض بالتراتب تشكيلَ التحالفِ المماثلِ له، وبالتالي سيعززُ الوصولَ إلى الهدف المنشود بإمكانية أن يحظى أحدُ التحالفين بأغلبية البرلمان ويشكّلُ الحكومةَ ويختارُ الرئاساتِ الثلاث، كما يمكنُهُ أن يوفّرَ أرضيّةً مناسبةً للإصلاحات المنشودة وفي مقدّمها تعديلُ الدستور وتحديثُ النظامِ السياسي وفق متطلبات المرحلة الجديدة.

التحالفُ العابرُ للمكوّنات سيمكّن الناخبَ العراقيَ من حُسنِ الاختيار ويشجّعهُ على المشاركةِ وينهي حالةَ البرامج الانتخابية المستنسخة والشعارات المكرورة التي تشتّتُهُ وتزيدُ من إحباطه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ تشكيل تحالفٍ وطني جامعٍ سيحدّدُ بشكلٍ واضحٍ من هو المسؤولُ الفعليُّ عن النجاح أو الفشل.

ولا شكَّ في أنَّ التحالفَ الانتخابي العابرَ سيمثّلُ مشروعاً سياسياً وطنياً كبيراً يعبِّرُ عن المبادئ العامةِ التي يتفق عليها العراقيون، وعلى رأسها (المواطَنةُ وتكافؤ الفرص وتحقيق الخدمات العامة). وسيعمل هذا التحالف المنشود على تقديم الحكومة الخادمة لشعبها، فهو حلٌّ ينبعُ من عمق المرحلة الحالية وأزماتها، وهو في ذات الوقت نواةٌ لحلٍّ أكبرَ في المرحلة القادمة. وقد لا يستسيغُ البعضُ هذا الطرحَ من الناحيةِ السياسيةِ ولاسيما القوى التي تعوّدت منذ 2003  الغوص في الأماكن المفروزة سياسياً، وقد لا ينسجم أيضاً مع رغباتٍ دوليّةٍ وإقليميةٍ تؤثّرُ في الوضعِ العراقي وتتأثّرُ به ممن اعتادت التعامل مع العراق وفق معادلة تمثيل الساحات العراقية.

سيؤسسُ التحالفُ العابرُ للمكوّناتِ شراكةٍ الأقوياء وسيُنهي معادلةَ بقاء الجميع محتفظاً بمكانته السياسية من دون السماح للآخرين بالتقدم أو تبادل الأدوار، فثمّةَ شخصياتٍ رُشّحت لمواقع المسؤولية ورفضتها، لا لِعلَّةِ في سيرتها أو أدائها، وإنما لأهليّتها وكفاءتها وقدرتها والخشية من تقدّمها انتخابياً.

إنَّ الحلولَ المرجوّةَ للأزمةِ العراقية لا بدّ أن تكون بمستوى التحديات، إذ لم يعد ممكناً مواجهةُ التحديات الكبيرة بحلولٍ ترقيعيّة يتمّ تدويرها وترحيلها من دورةٍ لأخرى.

إنَّ ما شهدهُ حراكُ تشرين من جمهورٍ معترضٍ على طبيعة النّظام والأداء السياسيَّيْن إلى جانب أغلبيةٍ متعاطفةٍ مع الحراك، ومرجعيةٍ عُليا مساندةٍ ومؤيدةٍ لمطالبه بالإصلاح ومكافحة الفساد، كان مؤشراً صارخاً على ضرورة أن يكونَ الحلّ شبيهاً بالتدخّل الجراحي، مع التأكيد بأن الكتلةَ العابرةَ لا يمكن أن تخرج بعيداً عن معادلة (الدولة واللادولة) لأنها تسعى أولاً إلى الوصول الناجز على صعيد أداءٍ نيابيٍ سليم، بلحاظ قراءة الساحة السياسية العراقية التي تقرُّ بعدم إمكانية ذهاب أيٍّ من الكتل لحسمِ الانتخابات (بالنصفِ زائداً واحد)، وهذا ما يثبتُ حاجةَ الجميع للجميع، فلماذا لا نستثمر الوقتَ ونحسنُ قراءةَ المرحلة وضروراتها، ونهيِّء إلى حلٍّ نهائي يكون التنافس فيه لخدمة العراق وشعبه على أساس المواطنة والمشروع الوطني؟