في أجواء رمضان : الأزهر حين ينهض مُجدَّداً

في رمضان المُعظَّم نتذكَّر الأزهر الحق وليس الأزهر الوهّابي، أزهر محمّد عبده  والدجوي وعبدالمجيد سليم ومحمود شلتوت ومحمّد أبو زهرة وجمال قطب ومحمود عاشور وأحمد السايح وعشرات الأئمة والشيوخ الكبار الداعين للاستنارة والوحدة ورفض الغلوّ والتكفير ،لا أزهر بعض الشيوخ الذين ذهبوا تُحرِّكهم الدنيا بزخرفها إلى النفط وثقافته في السبعينات، وعادوا مُحمَّلين بفكرٍ وهّابي داعشي شاذ يخالف دين الأزهر الذي هو دين الإسلام الصحيح.

ظهر في الأزهر مَن يستجيب للإختراق ويقبل بإغراء المال وفساده، فعمل عل تحريم مظاهر وأساليب العصر والحياة المُتمدّنة

كل عام يحضر الأزهر تاريخاً وقِيَماً ودوراً، ليس في مصر وحدها بل في غالب البلاد الإسلامية والعربية ، لِما للأزهر الشريف من منزلِةٍ كبيرةٍ في نفوس وعقل الأمّة ، ولِما يُمثّله من إسلام وسَطي مُعتدِل جامِع للأمّة وليس مُفرِّقاً لها كما هي عقيدة الوهّابية التي أنتجت داعش والقاعدة خلال العقد الماضي ، وأذاقت الأمّة جرعات من الألم والفوضي والقتل بإسم الدين وهو منها براء ، كان الأزهر عبر مسيرته وفتاويه (في أغلبها ) نقيض هذه الوهّابية والداعشية ، كان ولايزال مؤسّسة لنشر الخير والوحدة والتسامُح ، ولذا لا يأتي شهر الصيام بإعتباره شهر الخير والرحمة إلا ويذكر الأزهر ويستحضر الناس سيرته ، وتنطلق الأمنيات بشأنه ، وفي رمضان المُعظَّم يأتي  الحديث المُتجدِّد عن الأزهر الشريف ودوره في إطفاء  الخلافات المذهبية والطائفية التي تنهش جسد الأمّة الإسلامية ، هو حديث يأتي من قناعة بأهمية دوره، والذي تجسَّد عبر عصور طويلة من طرح مفهوم الإسلام الوسَطي الذي قدَّم نموذجاً حضارياً لصورة الإسلام والمسلمين ، والذي يتعرَّض اليوم لهجمةٍ شرسةٍ من قِبَل قوي التطرّف الوهّابية والداعشية، وتحاول هذه الفِرَق السيطرة على الأزهر الشريف من داخله بدعمٍ سعودي مالي كبير  لِما يمثله من مكانة روحية ودينية وقومية في نفوس المسلمين في شتّي بقاع الأرض ، وإذا كان الحَرَمين الشريفين في مكّة المُكرَّمة والمدينة المنوَّرة قد حظيا بالقداسة الدينية باعتبارهما مَهْدَ الرسالة وقبلة المسلمين ، فإن الأزهر الشريف اكتسب مكانته الدينية والروحية في العالم أجمع من خلال دوره التنويري كجامِعٍ وجامعةٍ حملت عل عاتقها نشر الإسلام المُستنير ، واحتضان المذاهب المختلفة من دون استبعاد أو تعصّب . وهو الأمر الذي يحتاج منا إلى حماية الأزهر من تلك الهجمات الوهّابية من خلال استحضار دوره التاريخي في الدفاع عن وحدة الأمّة وتبنّيه للفَهْمِ الإسلامي الوسَطي المُستنير عبر تاريخه الطويل من الإنشاء(970م) وحتى اليوم 2019.

 

ظلّ الأزهر الشريف قلعة الإسلام عبر العصور، و لقد كان الجامِع الأزهر في مصر هو الذي يمثّل الدعوة الإسلامية والعمل السياسي الإسلامي المُستقل عن الحُكَّام في عصر المماليك  والعثمانيين و حتى بداية عصر "محمّد علي"، و الذي في عهده بدأ تقييد حركة الأزهر  وتجريده من نفوذه السياسي على مراحل عدّة انتهت لِما هو عليه الآن. وإذا أضفنا إليه صعود الدور الوهّابي في المنطقة منذ السبعينات؛ لوَضحت الصورة أكثر حيث ارتبطت المشاكل التي عانى منها الأزهر بتراجُع الدور المصري وصعود آل سعود والوهّابية في السيطرة على الأزهر، وتأثيره المُتنامي مع هزيمة 1967، ويعود إلى ما يُعرَف بحقبة ـ البترودولار وسياسة دفتر الشيكات لشراء الولاء والذِمَم، وانتعاشها منذ سبعينات القرن الماضي، والإفصاح عن وجهها كرديفٍ للجهد الأميركي المُكثّف لاحتواء المنطقة. ولم يكن ذلك ممكناً من دون غياب الدور المصري، السياسي والتنموي والديني والثقافي والحضاري. ونجحت في ذلك نجاحاً كبيراً، وصرفت على ذلك أموالاً طائلة تقدِّرها بعض المصادر بـ76 مليار دولار على مدى ثلاثين عاماً.

وظهر في الأزهر مَن يستجيب للإختراق ويقبل بإغراء المال وفساده، فعمل عل تحريم مظاهر وأساليب العصر والحياة المُتمدّنة، ووجدنا من بين الأزهريين مَن يُحرِّم التعامُل مع المواطن لمُجرَّد الاختلاف في الدين، وتأتي الأفكار الوهّابية في شنّ الحملة الوهّابية على الأزهر وتأثيره المباشر للفكر المُتطرّف بتحريم الزهور للمرض والأفراح، ويرفض القبول بكروية الأرض، وغطّت مثل هذه الفتاوى المجال الاجتماعي العام كافة، من زيارة القبور وعذاب القبر وأهوال الآخرة، والدعوة إلى هدم القباب والأضرحة، والتشبّه بالوهّابية السعودية التي أزالت عبر تاريخها الممتد منذ الدولة السعودية الأولى التي ازاها المصريون في الدرعية عام1818 أعاد البعض التشبّه بها في بعض الطقوس الشاذّة مثل  هدم أضرحة آل البيت والأشراف والصحابة في البقيع وغيره من الأماكن المُقدّسة . وتمكّنت هذه العدوى من الأزهر ودار الإفتاء، وخرجت الآراء والفتاوى المُنافية للدين والمنطق والعقل. تتناول كل ما هو شاذ وغريب، ولازال بعضها منتشراً ومتواصلاً حتى اليوم 2019 للأسف الشديد. 

ورغم هذه الهجمة  الوهّابية الشرِسة التي تعرَّض لها الأزهر الشريف ، فإن تاريخ الشيوخ الداعين لوحدة الأمّة وإلى الفكر الإسلامي المُستنير ظلّ هو الأصل في تاريخ الأزهر الممتد، ومنهم نتذكّر الشيخ البشري صاحب المُناظرة الشهيرة مع السيّد عبدالحسين شرف الدين(التي صدرت في كتاب معروف بإسم المراجعات ) وعبدالمجيد سليم شيخ الأزهر في نهاية الأربعينات  مؤسّس دار التقريب بين المذاهب، والشيخ محمود شلتوت صاحب الفتاوي المعروفة بالوحدة بين السنّة والشيعة وصولاً إلى الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق رحمة الله عليه، والذي رأس دار التقريب بين المذاهب في مصر وكان كاتب هذه السطور قريباً منه وصديقاً له . هؤلاء العلماء وغيرهم كانوا دُعاة للخير من خلال دعوة الأزهر الشريف للوحدة ورفض الفِتَن والصراعات والانحرافات الفقهية ، إن الازهر لايزال ينبض بالعِلم القائم على حتميّة وحدة المسلمين في مواجهة الأعداء الحقيقيين من صهاينة وأميركان ووهّابية صاحبة الفكر الديني الشاذ والذي أنتج القاعدة وداعش، ووصل إلى حد تكفير كافة المذاهب الإسلامية المعروفة مثل الأشاعرة والإباضية والحنفية والشافعية والشيعة.

ولا شك أن تراجُع دور الأزهر في السنوات السابقة خاصة ما سُمّي بسنوات الربيع العربي  مرتبط بتراجُع الدور السياسي المصري وصعود النفوذ السعودي، وتأثيره المُتنامي والراغِب في الحصول على الشرعية الدينية من أهم مؤسّسة دينية في العالم الإسلامي (السنّي إذا جاز الوصف ) بعد أن فقدت مؤسّسة الوهّابية سمعتها بعد تاريخ من التكفير والقتل الداعشي وإنتاج تنظيمات تكفيرية  ارتبطت بها خلال السنوات الثماني السابقة . 

إننا في رمضان المُعظَّم نتذكَّر الأزهر الحق وليس الأزهر الوهّابي، أزهر محمّد عبده  والدجوي وعبدالمجيد سليم ومحمود شلتوت ومحمّد أبو زهرة وجمال قطب ومحمود عاشور وأحمد السايح وعشرات الأئمة والشيوخ الكبار الداعين للاستنارة والوحدة ورفض الغلوّ والتكفير ،لا أزهر بعض الشيوخ الذين ذهبوا تُحرِّكهم الدنيا بزخرفها إلى النفط وثقافته في السبعينات، وعادوا مُحمَّلين بفكرٍ وهّابي داعشي شاذ يخالف دين الأزهر الذي هو دين الإسلام الصحيح.

في رمضان المُعظَّم  نريد ونتمنّى للأزهر أن ينهض مُجدَّداً بالفقه والفكر والدور الصحيح الجامِع للأمّة والذي كان ولا يزال ، هو دوره التاريخي الذي عرفته مصر وعرفه العالم الإسلامي قبل الهجمة الوهّابية، وأظنّه سيعود حتماً بإذن الله.