أميركا والصين... اتفاق لتمرير الوقت
لا يُعدّ الاتفاق الحالي بين واشنطن وبكين أكثر من هدنة موقتة في حرب اقتصادية طويلة الأمد. فكلّ طرف يسعى لالتقاط أنفاسه وترتيب أوراقه الداخلية قبل جولات جديدة من الصراع.
-
قد ينجح الجانبان في تهدئة الأسواق مرحلياً، لكنّ جذور الخلاف لا تزال عميقة.
في ظلّ التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، تسعى واشنطن وبكين إلى اتفاقيات مرحلية هدفها الأساسي كسب الوقت، لا إيجاد حلّ جذري للصراع التجاري.
بطبيعة الحال، يحتاج كلّ طرف إلى هذه الهدنة، إذا نجحت، لأسبابه الداخلية الخاصة؛ فالولايات المتحدة تحتاج هذا الاتفاق لتمرير الانتخابات النصفية، وفي الوقت نفسه لتخفيف الضغط عن الاقتصاد، أما الصين فتحتاجه لترتيب أوضاع سلاسل التوريد والانفتاح على أسواق جديدة في العالم من أجل تحسين النمو، والوصول إلى اتفاقيات أفضل مستقبلاً بين البلدين.
وفي حين لا يزال الخلاف الجوهري بين الصين والولايات المتحدة بشأن النفوذ العالمي، والتكنولوجيا، والعملة، من دون حلّ، تُطرح تساؤلات حول طبيعة حاجة كلّ من الجانبين إلى هذا الاتفاق.
أولاً: الولايات المتحدة
1- التهدئة قبل الانتخابات
تسعى واشنطن لتجنّب تصعيد تجاري مع الصين في فترة حسّاسة داخلياً، والهدف:
- تخفيف الضغوط على المستهلك الأميركي: تؤدّي الرسوم إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، مما يضرّ بالناخبين ويؤثّر على شعبية الإدارة الحاكمة.
- تهدئة الأسواق المالية: استمرار التصعيد مع الصين قد يسبّب اضطراباً في الأسواق، وهو ما لا تريده واشنطن في مرحلة انتخابية حسّاسة.
- دعم الشركات الأميركية: العديد من الصناعات الأميركية تعتمد على مكوّنات من الصين، وتواجه صعوبات بسبب الرسوم، وتجميدها يخفّف الأعباء ويعيد النشاط إلى الأسواق.
- كسب أصوات قطاع الأعمال: التوجّه نحو التهدئة يرضي مجتمع الأعمال، الذي يمتلك تأثيراً كبيراً على التمويل الانتخابي واللوبيات، خصوصاً أنّ غرف التجارة واتحاد المنتجين تضغط على الإدارة الأميركية لتخفيف الإجراءات التي أضعفت التنافسية.
2- تهدئة الضغوط في الشركات الأميركية
الهدف هو امتصاص التوتر في القطاعات الصناعية والزراعية والتكنولوجية قبل الانتخابات، وتجنّب مزيد من الأعباء في ظلّ تباطؤ النمو.
- قطاع الصناعة: يعتمد على المواد الخام والقطع المستوردة من الصين، وقد ارتفعت تكاليف الإنتاج بشكل كبير بسبب الرسوم.
- قطاع الزراعة: تضرّر من الردود الصينية المضادة عبر فرض رسوم على المنتجات الزراعية الأميركية، مما قلّص صادرات الفلاحين الأميركيين، خصوصاً في مجال فول الصويا، الذي يُعدّ أحد أهمّ محاصيل التصدير الأميركية إلى الصين، ويُستخدم في إنتاج الأعلاف والزيوت والمنتجات الغذائية.
- شركات التكنولوجيا: تعتمد بشكل أساسي على التصنيع والتوريد من الصين، وتواجه اضطرابات في سلاسل الإمداد وتكاليف إضافية متزايدة.
3- محاولة إعادة بناء الثقة بعد تباطؤ الاقتصاد العالمي
التصعيد أثّر سلباً على الأسواق والطلب العالمي، وهناك توجّه لخلق مناخ تفاوضي أكثر استقراراً بسبب التداعيات الكبيرة لهذا الصراع.
ثانياً: الصين
تهدف بكين من خلال الاتفاق الموقت مع واشنطن إلى تأجيل تطبيق نظام تراخيص وتصدير المعادن الاستراتيجية، لأسباب عديدة:
1 ـ الضغط الدولي والانتقادات:
القرار أثار مخاوف لدى الدول الصناعية الكبرى التي تعتمد بنسبة تفوق 90% على المعادن الصينية، نظراً لتفوّق بكين في هذا القطاع منذ سنوات. وتخشى بكين أن يؤدّي الإصرار على هذا النظام إلى زيادة التوتر مع الشركاء الاقتصاديين وإضعاف صورتها كمصدر موثوق.
2 ـ تفادي العقوبات المضادة:
هناك قلق من ردود فعل اقتصادية من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، إذا مضت بكين في سياسة التضييق.
3 ـ الحفاظ على مكانتها كمورّد عالمي موثوق:
من الواضح أنّ الصين لا تريد أن تخسر ثقة عملائها الدوليّين في مرحلة دقيقة من إعادة توزيع سلاسل الإنتاج عالمياً.
4 ـ استخدام التأجيل كورقة تفاوضية:
يمنح هذا التأجيل بكين مرونة إضافية في أيّ مفاوضات تجارية مقبلة مع واشنطن.
في المحصّلة، لا يُعدّ الاتفاق الحالي بين واشنطن وبكين أكثر من هدنة موقتة في حرب اقتصادية طويلة الأمد. فكلّ طرف يسعى لالتقاط أنفاسه وترتيب أوراقه الداخلية قبل جولات جديدة من الصراع على النفوذ والتكنولوجيا والموارد.
قد ينجح الجانبان في تهدئة الأسواق مرحلياً، لكنّ جذور الخلاف لا تزال عميقة، ومؤجّلة إلى حين اتضاح موازين القوة في النظام الدولي المقبل.