أنبوب تصدير النفط العراقي - السوري.. هل يهمش طموحات تركيا؟
مشروع ممر كركوك-بانياس سيعيد تعريف ديناميكيات الطاقة في المنطقة، وربما لن يكون في مصلحة تركيا التي خاضت حرب سوريا وغيرها في المنطقة طمعاً بأن تصبح "مركزاً للطاقة".
-
يمثّل خط أنابيب "كركوك - بانياس"، شرياناً حيوياً لاقتصاد العراق وسوريا.
يمثّل أنبوب تصدير النفط العراقي - السوري، المعروف باسم خط أنابيب "كركوك - بانياس"، شرياناً حيوياً لاقتصاد العراق وسوريا ويعدّ هذا المشروع قديماً وهو شكّل أول منفذ للعراق لتصدير النفط العراقي الى المنطقة.
العراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك بعد السعودية، وهو يؤدّي دوراً محورياً في أسواق الطاقة العالمية، حيث يضخ أكثر من 3.5 ملايين برميل نفط يومياً. ومع ذلك، يعتمد 85% من هذا الإنتاج على الخليج. وأيّ تصعيد في مضيق هرمز - سواء كان عقوبات، أو انعدام الأمن البحري، أو توترات جيوسياسية - قد يُعطّل فجأةً عائدات بغداد بمليارات الدولارات.
أنبوب النفط العراقي السوري (بانياس) يعدّ مشروعاً استراتيجياً ذا أهمية كبيرة لكلّ من العراق وسوريا، لما يوفّره من منفذ حيوي على البحر الأبيض المتوسط ،يعزّز التجارة النفطية بين البلدين ويفتح آفاقاً واسعة لتصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمية بتكلفة أقل لكن إعادة فتح خط أنابيب النفط كجزء من تنويع مسارات تصديره قد يُعيد رسم خريطة الطاقة في الشرق الأوسط ما يقلق تركيا من تهميش الأنبوب للمصالح التركية.
هل من دور روسي في تفعيل الأنبوب ؟
تمتلك سوريا احتياطيات مهمة من النفط والغاز، كانت قبل الحرب الأهلية في 2011 تنتج نحو 400 ألف برميل نفط يومياً، مع احتياطيات مؤكّدة تبلغ 2.5 مليار برميل.
أما الغاز الطبيعي، فكان قطاعه نشطاً بإنتاج بلغ أكثر من 316 مليار قدم مكعبة سنوياً في 2010، واحتياطيات بلغت 8.5 تريليونات قدم مكعبة. وقد وقّعت روسيا عدة اتفاقيات لتطوير هذه الموارد.
تقلق تركيا من السعي الروسي الموجود عسكرياً واستخباراتياً في سوريا والذي يتمثّل في قاعدة طرطوس البحرية، وقاعدة حميميم الجوية، ومحطة استخباراتية بالقرب من اللاذقية من تنفيذ مشروع يعرقل طموحاتها. العراق ليس خاضعاً لعقوبات أميركية، ما يسهّل تصدير النفط وتعمل روسيا حالياً لإنشاء "ممر بري للطاقة" يمتدّ من إيران، مروراً بالعراق، وهو ليس مجرّد استثمار في البنية التحتية؛ بل هو مناورة استراتيجية قادرة على تغيير موازين القوى في المنطقة. في حال تشغيل هذا الممر، بعد أن كانت النزاعات القانونية والتحديات الأمنية المستمرة قد جعلته شبه معطّل في السنوات الأخيرة.
وكانت أنقرة تستغل هذا الواقع. هل تدفع روسيا بقوة لإنجاح المشروع، وتراه خطوة في استراتيجيتها الطويلة لاستعادة النفوذ في المناطق التي تراجعت فيها بسبب الضغوط الأميركية، خصوصاً بعد الإطاحة بالأسد؟
الصين داعمة لهذا التوجّه ضمن مبادرة "الحزام والطريق" التي ستمتد إلى سوريا عبر مشروع "طريق التنمية الاستراتيجي" الذي يربط البصرة ويجري تنفيذه بالتعاون مع العراق .
بعض التحليلات تدّعي أن ترامب حاول كبح تمدّد روسيا والصين في الشرق الأوسط من خلال الإطاحة بالأسد . لكنّ موسكو وبكين تراهنان على استراتيجية النفس الطويل، واستغلال تحالفاتهما الإقليمية، وعلى رأسها العراق. لا يزال ميناء بانياس على البحر الأبيض المتوسط يعمل، ومن شأن إعادة إحياء خط الأنابيب من كركوك الى بانياس تشكيل مسار أقصر إلى الأسواق الأوروبية.
صحيح أنّ محطة جيهان/يومورتاليك تهتم بنفط كركوك والموصل، وتعالج أيضاً النفط الخام الأذربيجاني. ومع ذلك، فإنّ تشغيل خط كركوك-بانياس قد يحوّل سوريا إلى مركز طاقة متزايد الأهمية خلال إعادة إعمارها بعد الحرب، مما يُدرّ إيرادات حيوية لسوريا.
التداعيات التنموية على بغداد وسوريا
كانت حقول النفط التي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان في شمال العراق قد وفّرت لفترة طويلة دخلاً مستقلاً بحكم الأمر الواقع من خلال الصادرات عبر ميناء جيهان.
إلا أنّ محكمة التحكيم الدولية عام 2023 عطّلت هذا التدفّق إلى حدّ كبير، مما تسبّب في أزمة مالية لحكومة إقليم كردستان، .فإذا تمّ تشغيل خط أنابيب كركوك-بانياس، فإن بغداد قد تستعيد السيطرة الكاملة على عائدات النفط من الشمال.
أما على الجانب السوري، فلا تزال حقول النفط الشرقية في دير الزور والحسكة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب المدعومة أميركياً، تأمل دمشق أن تتمكّن من إحياء ممر بانياس واستعادة سيطرتها تدريجياً على هذه المناطق الغنية بالطاقة.
ومن المرجّح أن يُشكّل هذا اختباراً جديداً لتطلّعات قوات سوريا الديمقراطية في الاستقلال السياسي والاقتصادي أو المشاركة في حصة معيّنة بالاتفاق مع الحكومة السورية.
إذا تمّ تفعيل ممر كركوك-بانياس، فإنه حكماً سيؤثّر على دور تركيا باعتبارها أكثر طرق نقل الطاقة موثوقية في المنطقة، مما يقلّل من عائداتها، وقوتها التفاوضية، ونفوذها الاستراتيجي.
سيُعيد هذا الممر رسم خريطة الطاقة، تحاول تركيا تسريع تحديثات الصيانة والأمن والمراقبة الرقمية من أجل أن تكون أكثر البوابات موثوقية واعتماداً لتصدير النفط العراقي.
فهل ستحاول التوسّط بين حكومة إقليم كردستان وبغداد لإعادة بناء الثقة في طريق جيهان من خلال صياغة آلية عادلة لتقاسم الإيرادات تعالج أيضاً المخاوف الاقتصادية للمنطقة الكردية.
فهل ستتمكّن من فتح باب دبلوماسية الطاقة مع سوريا ولا سيما أنّ الحقول في سوريا تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية؟ وهل ستتمكّن من وضع طريق بانياس كخيار مكمّل وليس كمنافس؟
هل ستبحث أنقرة مع السوداني موضوع الطاقة أم أن الموضوع سيبحث فقط التداعيات الخطيرة لوجود القوات التركية داخل الأراضي العراقية، والتوغّل في إقليم كردستان، إضافة إلى الاعتداءات المتكرّرة على السيادة العراقية تحت مسمّى الحرب على إرهاب حزب العمال الكردستاني.
يبدو أنه لملف ضبط الحدود حضور قوي على طاولة النقاش في أنقرة . إلا أن بغداد تريد توقيع اتفاقات ومذكّرات تفاهم في مجالات الطاقة، والمياه، والنقل، والاستثمار، إضافة إلى الدفع قدماً بمشروع "طريق التنمية"، والذي يُعدّ من أبرز المشاريع الاستراتيجية التي تعوّل عليها لربط العراق بمحيطه الإقليمي والدولي.
بغداد تريد تعزير مكانة العراق الإقليمية بدعم أولويات التنمية والإصلاح إلا أن مشروع ممر كركوك-بانياس أصبح يبحث بشكل جدّي وهو سيعيد تعريف ديناميكيات الطاقة في المنطقة، وربما لن تكون في مصلحة تركيا التي خاضت حرب سوريا وغيرها في المنطقة طمعاً بأن تصبح "مركزاً للطاقة".
فهل سترى أنه تمّ الابتعاد عن حلمها وترى أن العائدات التي راهنت عليها أصبحت عائدات مفقودة بالإضافة الى موقع جيوسياسي متراجع أم ستحاول التفاهم مع العراق وسوريا حول دورها؟