الاعتداء الصارخ على إيران والدور الوظيفي الإسرائيلي...!

تَمكُّن "إسرائيل" من الترسانة الصاروخية الإيرانية يعني إطلاق يدها لمواصلة الحرب من دون ردّ، ما يعني فتح شهية "إسرائيل" نحو تفكيك البرنامج النووي.

0:00
  • "تركيع" إيران في المفاوضات مع واشنطن هو أحد أهداف هذه الضربة.

لطالما ردّدت "إسرائيل" ومعها الولايات المتحدة الأميركية مصطلح "أذرع إيران في المنطقة" في إشارة صريحة إلى قوى المقاومة التي تدعمها إيران ضدّ "إسرائيل" ولا سيما حزب الله في لبنان وحركتا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين المحتلة.

اللافت أنّ هذا التوصيف يليق حصراً بالدور "الوظيفي" الذي تؤدّيه "إسرائيل" في المنطقة في إطار علاقتها مع حلفاء وخصوم الولايات المتحدة والغرب في منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص إيران. 

لا يجد المتتبّع لتطوّر العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" تاريخياً كثير عناء ليلحظ أنها تستند إلى الشراكة التي تربط تلك "الدولة" الصغيرة بالولايات المتحدة كقوة عظمى.

ولا شك بأنّ الفوائد التي تعود على الولايات المتحدة من علاقتها بـ "إسرائيل" تدلّ على أنّ تحالفهما لا يعتمد فقط على "القيم الديمقراطية" المشتركة بينهما، أو مكانة "إسرائيل" في السياسة الأميركية، بل يعتمد كذلك على المصالح المتبادلة بينهما.

ولا نجد أدلّ على عمق هذه العلاقة "المنفعية" المتبادلة مما كتبه الباحثان في معهد واشنطن: مايكل أيزنشتات، وديفيد بولوك، عام 2012، حين تحدّثا عما جَنَته الولايات المتحدة من علاقتها بـ "إسرائيل" في عدة مجالات يذكران منها:

مواجهة النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط، ومناوأة القومية العربية من خلال التعاون الأمني الذي بدأ منذ أيام الحرب الباردة، كما مواجهة "قوى التطرّف" في الشرق الأوسط، بما في ذلك ما يصفانه بالإسلام السياسي والعنف. كذلك ساعد التحالف الأميركي الإسرائيلي في بعض الأحيان على توثيق العلاقات الأميركية العربية، بناء على نظرية مفادها أنّ الولايات المتحدة فقط هي التي يمكنها إقناع "إسرائيل" بتقديم تنازلات في المفاوضات. 

وأخيراً تقاسم المعلومات الاستخباراتية بشأن "الإرهاب" وانتشار السلاح النووي والمساهمة في منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة عبر إحباط البرامج النووية في العراق وسوريا وليبيا.

وهو ما يقودنا للحديث عن طبيعة الدور الإسرائيلي في الاعتداء الأخير على إيران وما سبقه من تناغم وتقاسم أدوار بين "إسرائيل" والولايات المتحدة.

بالاستناد إلى ذلك، يمكننا القول إنّ الولايات المتحدة وظّفت عدوانية نتنياهو وتوقه اللامحدود ليسجّل لنفسه إنجازاً في إطار المواجهة المفتوحة مع إيران، كعصا غليظة هشّت بها على إيران على امتداد جولات المفاوضات النووية التي جرت بين الطرفين، في محاولة لتخويف إيران باستخدام الحرب النفسية والتسريبات المتواصلة من الإعلام الأميركي والإسرائيلي، والتلميحات الغامضة من ترامب، حول نيّة "إسرائيل" توجيه ضربة لإيران، والتي كانت كلّها جزءاً من "عرض" أميركي هدف إلى الضغط على إيران في المفاوضات وجرّها إلى جولات المحادثات من موقع أضعف لدفعها للتعاطي مع الشروط الأميركية الإسرائيلية، ويبدو أنّ "إسرائيل" شاركت بوعي في هذا "العرض". 

وحين استعصت إيران وأظهرت صلابة في مواقفها، حيث عَبّر ترامب مؤخراً عن استيائه من تشدّد إيران في المحادثات، ولم تفلح معها التهديدات والحرب النفسية، أوعزت الولايات المتحدة لـ"إسرائيل" "الدولة المُقاوِلة" كما يسمّيها الراحل اليهودي المغربي المعارض للصهيونية، أبراهام السرفاتي، لتشنّ ضربة مُنسّقة ضدّ إيران، يراد منها في حدّها الأدنى، إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات وفق السقوف الأميركية الإسرائيلية، من دون أن تتورّط الولايات المتحدة بشكل مُعلنٍ مباشر في هذه الحرب، وهذا ما أكده تصريح ترامب لفوكس نيوز بعد الضربة الإسرائيلية، قائلاً: "لا يمكن لإيران امتلاك قنبلة نووية ونأمل العودة إلى طاولة المفاوضات". ثم أكد الأمر بلا مواربة في منشور مُطوّل وجّه فيه تحذيراً شديد اللهجة لإيران، داعياً إياها إلى "إبرام اتفاق" قبل أن "يفوت الأوان"، وأضاف: "على إيران أن تبرم اتفاقاً، قبل ألا يبقى شيء....".

وكما لم يكن وقوف بايدن، وبعده ترامب، مع "إسرائيل" ودعمهما لها بشتى أنواع الدعم غريباً، لأنها رأس الحربة للولايات المتحدة وللغرب، وهي "الدولة الوظيفية" التي تخدم مصالح واشنطن والغرب، وتقاتل "الإرهاب" نيابة عنهما نظير الدعم السياسي والدبلوماسي والدولي والمعونات المالية والمساعدات العسكرية الجمّة، فمن المنطقي، بل مما يتفق مع مسار السياسة الخارجية، والمصالح الاستراتيجية الأميركية أن تدعم واشنطن "إسرائيل" وتؤيّدها في صراعها مع إيران، من دون التفات إلى أنّ "إسرائيل" هي "دولة" مُعتدية، إذ إنّ سياسة الولايات المتحدة نفسها لا تولي اهتماماً لمسألة موقف "إسرائيل" القانوني أو الأخلاقي، لأنّ الأهمّ لديها في هذا الصراع هو مناصرة "إسرائيل"، الحليف والوكيل الذي يخدم مصالحها.

كما أنه ليس من المتوقّع أن تترك واشنطن "إسرائيل" وحدها حينما تتورّط في حربها مع إيران كما في كلّ مغامراتها السابقة، وهو نفسه ما التزمت به واشنطن بعد هجوم السابع من أكتوبر، وبعد أن شنّت "إسرائيل" حرباً، وما زالت تفعل، على غزة. وليس غريباً أن يكون ردّ فعل الولايات المتحدة مُناصراً ومُسانداً، وعلى الأرجح مُشاركاً، لأن ما تفعله "إسرائيل" "الدولة الوظيفية" يخدم المصالح الأميركية. 

وفي سبيل ذلك قد يذهب ترامب اليوم، وفق ما تريده "إسرائيل"، إلى ما هو أبعد من التغطية والدعم ليصل إلى حدود الشراكة الفعلية، القائمة أصلاً وإن كانت غير مُعلنة، في هذه المواجهة، خاصةً إذا ما قرّرت إيران كسر سقوف ردودها التقليدية في مواجهة "إسرائيل"، وربما توسيع نطاق ردّها ليشمل مصالح الولايات المتحدة وقواعدها في المنطقة.

صحيح أنّ "تركيع" إيران في المفاوضات مع واشنطن هو أحد أهداف هذه الضربة التي وجّهتها "إسرائيل" لإيران، لكنّ أهداف الحرب الإسرائيلية الشاملة على إيران لا تقتصر على هذه النقطة بل تتجاوزها إلى السعي لتدمير برنامجها النووي، وترسانتها الصاروخية، وصولاً إلى إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية. 

فنجاح الضربة ضد المفاعلات النووية، وهو الأمر المستبعد، إضافة إلى الترسانة الصاروخية، يشكّل نقطة التحوّل الأبرز في مسار المواجهة وهو ما ستكشف عنه طبيعة الردّ الإيراني المتوقّع. فإن أتى الردّ الإيراني بقوة صاروخية هائلة فلن يكون أمام "إسرائيل" والولايات المتحدة إلّا مواصلة الحرب حتى تحقيق واحد من ثلاثة أهداف مجتمعة أو منفردة: الترسانة الصاروخية، البرنامج النووي، وبنية النظام الإسلامي الثوري.

إنّ تَمكُّن "إسرائيل" من الترسانة الصاروخية الإيرانية يعني إطلاق يدها لمواصلة الحرب من دون ردّ، ما يعني فتح شهية "إسرائيل" نحو تفكيك البرنامج النووي، ومن ثمّ المطالبة برأس النظام الإسلامي للجمهورية الإيرانية.

وفي المحصّلة، إذا ما مرّت هذه الضربة الإسرائيلية ـــــ الأميركية من دون ردّ إيراني كاسر للتوازن وكاسر للغطرسة فإنّ "إسرائيل" ستتعامل مع إيران كما تتعامل اليوم مع لبنان وسوريا، تضربها وكأنها ذاهبة في نزهة! لذا فإنّ ردّاً إيرانياً غير تقليدي هو حاجة مُلحة ليس فقط للحفاظ على الردع الإيراني أمام "إسرائيل"، بل للحفاظ على البقاء والوجود أمام هذا التغوّل والغطرسة، وربما نكون في الساعات القليلة المقبلة أمام الاحتمالات الآتية:

ردٌ عسكري (صاروخي) إيراني كبير يخلق توازن رعب وردع ضدّ "إسرائيل"، يوازيه ردّ على أميركا بإعلان إنتاج القنبلة النووية والانسحاب من كلّ الالتزامات والمفاوضات النووية.

وإما أن تُبادر إيران بتراجع سياسي تفاوضي مع واشنطن عبر الوسيط العماني، وهو ما نستبعده في المدى المنظور، ما يعزّز استمرار حالة الحرب بحيث يُترك للميدان وأوراق الضغط أن يُحدّدا سقوفها الزمنية ونتائجها.