المرأة في السياسة: التحديات في إقليم متفجر
المطلوب اليوم ليس فقط زيادة عدد النساء في السياسة، بل المطلوب أيضاً تغيير جذري في الثقافة السياسية، بحيث تصبح مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار أمراً طبيعياً، وليست استثناءً.
-
هناك حاجة ماسّة إلى تطوير خطاب سياسي نسوي جديد وواضح.
عند فهم الحركات الاجتماعية، من الضروري أن ندرك أنها ظواهر ديناميكية وتاريخية، وبالتالي فهي "تتشكل في إطار تاريخي معين، وتنمو أو تنكمش استجابةً لظروف موضوعية إمّا تمكّنها، وإمّا تعوّقها. وعليه، يجب فهم الحركات الاجتماعية من خلال الظروف التي توجد فيها، وليس بشكل منفصل، أي أن الزمن عامل حاسم في فهم الحركات الاجتماعية، وكذلك المكان والفضاء اللذين تعمل فيهما.
وهكذا، فإن نجاح الحركات الاجتماعية هو وليد اللحظة التاريخية، بحيث تتقاطع الظروف الاقتصادية، السياسية، والثقافية، لتفتح مسارات التغيير أو تغلقها.
تاريخياً، منذ أواخر القرن التاسع عشر بدأت الحركات التي تسعى للحصول على حق المرأة في التصويت والترشح، على الرغم من أن الحركات الاجتماعية الأخرى المرتبطة بتحرير العبيد وسواها كانت بدأت قبل ذلك بقرون.
بعد الحرب العالمية الثانية، توسعت الحركات النسوية، ومعها حركات السلام، ومناهضة العسكرة وسباق التسلح، وحركات البيئة، والحركات المناهضة للتمييز، عرقياً وإثنياً وجندرياً... إلخ. حدث هذا التوسع في سياق أزمات سياسية واقتصادية، وعلى إثر حروب كبرى، وظهور وسائل الإعلام الجماهيري، والتغيرات العلمية السريعة والتحولات التكنولوجية، والتوسع في تقنيات وسائل التواصل الحديثة.
اليوم، تسير منطقة الشرق الأوسط إلى منعطف حاسم يتّسم بعدم اليقين المستقبلي. وبالتالي، فإن المسار الذي ستتخذه المنطقة سيؤثر في مسار التقدم الذي يمكن أن تحققه النساء في السياسة في المنطقة ككل، وفي لبنان.
ونجد أن المنطقة يمكن أن تتجه إلى السيناريوهات التالية:
1. السيناريو الأول: الانتقال من الحروب والاستبداد إلى الديمقراطية.
2. السيناريو الثاني: الانتقال إلى دويلات طائفية، أو سيادة الأصولية الدينية.
3. السيناريو الثالث: ربط النزاع وبقاء الحال على حالها (أقله في المدى القصير).
في السيناريو الأول، بحيث تتعزز الديمقراطية ويتم احترام التنوع، يمكن للنساء الاستفادة من التطورات لتأسيس حركات سياسية جديدة خارج الإطار الطائفي التقليدي، مستفيدة من فشل المنظومة القديمة في تأسيس دول حديثة.
وهذا يحتاج أن تخرج المرأة من التركيز على الإطار الجندري وتعزيز الخطاب الذي يتحدث عن الإصلاح والتنمية الاقتصادية والبيئة... إلخ، أي الخروج إلى إطار عام أرحب، وخصوصاً في ظل الحاجة الماسّة إلى سياسات أكثر شمولاً.
تحقُّقُ السيناريو الثاني سيؤدي إلى انكماش في المساحة الديمقراطية، وسيتم تضييق العمل السياسي، عبر صعود التيارات الدينية الأصولية، التي ستقوم حتماً بمزيد من الإقصاء والتهميش للحركات النسائية.
كيف يمكن للنساء مواجهة هذا الاتجاه؟
- الاستفادة من الضغط الدولي على السلطات الجديدة لتعزيز دور المرأة.
- التركيز على روايات بديلة تُبرز دور المرأة في الأزمات محركاً أساسياً للحلول، وليس عنصراً هامشياً، كما يراها الاصوليون.
- بناء تحالفات مع القوى المعتدلة داخل الأحزاب السياسية لتعزيز خطاب أكثر تقدمية بشأن المرأة.
أما في المسار الثالث، وهو المرجَّح في المدى القصير، فيمكن للنساء إطلاق حملات لفرض قوانين أكثر إنصافاً للنساء في السياسة. لا يزال لبنان يفتقر إلى قوانين تضمن مشاركة نسائية عادلة في السياسة، مثل الكوتا النسائية، على سبيل المثال، لا الحصر.
كذلك، يمكن استخدام الضغط، إعلامياً ومجتمعياً، لتغيير الرأي العام بشأن دور المرأة في الحكم، وإنتاج محتوى سياسي يعكس صورة أكثر واقعية وتقدمية عن دور النساء في السياسة.
في المحصلة، المطلوب اليوم ليس فقط زيادة عدد النساء في السياسة، بل المطلوب أيضاً تغيير جذري في الثقافة السياسية، بحيث تصبح مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار أمراً طبيعياً، وليست استثناءً.
زد على ذلك، أن هناك حاجة ماسّة إلى تطوير خطاب سياسي نسوي جديد وواضح، لا يقتصر فقط على قضايا "المرأة"، بل يشمل الرؤى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأشمل. وذلك يتطلب من النساء الخروج من الأنا النسوية، للتركيز على قضايا الفقر، والفساد، والعدالة الاجتماعية، والأمن، وغيرها من القضايا، من أجل جذب دعم أوسع من المجتمع، عبر معالجة قضاياه الملحّة.