اليوم التالي وما توعدون..

وعود اليوم التالي التي يقدّمها قرار مجلس الأمن الدولي وخطة ترامب ليست سوى سراب وأوهام، لا تختلف عمّا حدث في اتفاق أوسلو وكلّ الاتفاقات التي تلته.

0:00
  •  الفلسطينيون باقون على أرضهم اليوم، وغدا وفي كل الأيام التالية.
    الفلسطينيون باقون على أرضهم اليوم، وغداً وفي كلّ الأيام التالية.

أقرّ مجلس الأمن الدولي خطة ترامب لغزة، لتتحوّل هذه الخطة إلى قرار من قرارات الشرعيّة الدوليّة، وجد وسيجد له أنصاراً على جميع المستويات ابتداءً ممن شاركوا في صياغته وطرحه من أنظمة عربية وإسلامية وليس انتهاءً بالمثقّفين "الموضوعيّين" الذين سيجدون فيه بعض الإيجابيات، وأهمّها، بحسب تنظيراتهم، إيقاف شلّال الدم الفلسطيني، ويرمون في وجه معارضي هذه الخطة قفّاز التحدّي ويطلبون منهم طرح البديل، وقد يستشهدون بقبول حزب الله وإيران بخطة أميركية مشابهة.

ينظر الكثيرون إلى خطة ترامب التي طرحها في أيلول/سبتمبر الماضي، على أنها خطة سلام أميركية لوقف الحرب بين الكيان الصهيوني والمقاومة. هذه النظرة بعيدة جداً عن الواقع، فالولايات المتحدة ليست وسيطاً في الحرب التي دارت رحاها في قطاع غزّة، إذ إنّها الطرف الأصيل الذي خاض هذه الحرب دفاعاً عن الكيان من جهة، وتثبيتاً لمصالح الولايات المتحدة، والنظام الرأسمالي من جهة أخرى.

فالقرار الدولي إذاً لم يتبنَّ خطة سلام أميركية، ولكنه كرّس شروط الطرف الأقوى وحوّلها إلى قرار دولي، من دون أخذ وجهة الطرف الآخر بعين الاعتبار. يقول قائل إنّ خطة ترامب تحقّق وقف إطلاق النار، وتسمح بدخول المساعدات، وتطلق إعادة الإعمار وهذه هي مطالب المقاومة. مثل هذا الطرح الذي يسقط كلّ ما حدث خلال تاريخ القضية الفلسطينية، ويتعلّق بأحداث لحظة معيّنة من هذا التاريخ، ليصبح وقف الإبادة، أو السماح للبشر بالحصول على الطعام إنجازاً، وهدفاً يدفعون ثمنه المزيد من التنازلات عن حقوقهم الوطنية.

من قبيل ذر الرماد في العيون، اشتملت الخطة على بند يعتبرها انطلاقاً لمسار يفضي إلى دولة فلسطينية، بغضّ النظر عن أكذوبة الدولة التي يطرحها الغرب في كلّ مرّة يهبّ فيها الفلسطينيون للدفاع عن حقوقهم، فقد وضعت الخطة من دون البدء بهذا المسار شروطاً أقلّ ما يقال عنها أنها تعجيزية. من ناحية قطاع غزّة المطلوب تدمير البنية التحتية للمقاومة من أنفاق وورشات لتصنيع الأسلحة، ثمّ تسليم سلاح المقاومة وإعادة إعمار القطاع، كلّ ذلك بإشراف قوة دولية غير تابعة لمجلس الأمن. يحتاج تحقيق هذه الشروط لعشرات السنوات يكون خلالها الفلسطينيون مجرّدين من أيّ إمكانية للدفاع عن النفس، وخاضعين كليّاً لشروط المستعمرين.

على صعيد الضفة، المطلوب إصلاح السلطة الفلسطينية، وهذا يعني بحسب تعريف الولايات المتحدة والدول المانحة، القضاء على الفساد، وتعديل المناهج بشطب الحضّ على "الكراهية" وهو التعريف الاستعماري للحديث عن المقاومة وتاريخ الصراع العربي – الصهيوني، وإيقاف المبالغ التي تُصرف لأسر الشهداء والأسرى. لم يلحظ القرار الحديث أنّ هذه السلطة التي مضى على إنشائها أكثر من ثلاثة عقود، كانت بدورها نتيجة خطة وقرار قديمين يقودان، بحسب ما بشّرنا به الرؤساء الذين وقّعوا اتفاق أوسلو، إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية. اليوم يأتي قرار جديد ليقدّم لنا الوهم نفسه مقابل المزيد من دمنا ومن أرضنا.

أيّ اتفاق بين طرفين لا بدّ وأن يضع شروطاً على كلّ طرف، فما هي الشروط التي فرضت على الكيان الصهيوني؟

- وقف إطلاق النار، لم ينفّذ وتجاوز عدد الشهداء منذ بداية هذه الخطة 250 شهيداً ونحو 700 مصاب.

- انسحاب "جيش" العدو على مراحل، لم ينفّذ والعدو يتوغّل في مناطق القطاع يومياً، ويدمّر المزيد من الأبنية، التي تشترط الخطة إعادة إعمارها للبدء بمسار الدولة.

- إدخال المساعدات، الذي تحسّن، لكنه ما زال بيد العدو يوقفه متى شاء، والأهمّ أنّ السماح للمواطنين بالحصول على الحدّ الأدنى من شروط البقاء على الحياة، من طعام وشراب ومأوى وخدمات صحية، أصبح في ظلّ التوحّش الرأسمالي إنجازاً ومنحة تقدّم للشعوب المضطهدة. 

يمكننا تلخيص القرار بأنه اتفاق يقدّم من خلاله الشعب الفلسطيني الدم والأرض، ويقدّم العالم الموت وكلمات التأبين الرقيقة. 

أما من يتحدّثون عن البديل، فهذا البديل كان موجوداً دائماً عبر تاريخ الشعب الفلسطيني، المقاومة المستمرة منذ أكثر من 100 عام، والقادرة على الاستمرار حتى التحرير. ليس بالضرورة أن تكون المقاومة بالبندقية فقط، فالمقاومة السياسية جزء مهم من المقاومة. بإمكان الفصائل الفلسطينية عدم الامتثال لبعض الشروط التي تجرّد الشعب الفلسطيني من إمكانيات الدفاع عن نفسه مقاومة. تقديم الدعم الشعبي لأهل القطاع من خلال حملات تبرّع ضخمة، مقاومة. الضغط القانوني على سلطات الاحتلال ومطاردة مجرمي الحرب في كلّ دول العالم، مقاومة. وتبقى البندقية أشرف وأعلى درجات المقاومة.

وعود اليوم التالي التي يقدّمها قرار مجلس الأمن الدولي وخطة ترامب ليست سوى سراب وأوهام، لا تختلف عمّا حدث في اتفاق أوسلو وكلّ الاتفاقات التي تلته. الفلسطينيون باقون على أرضهم اليوم، وغداً وفي كلّ الأيام التالية، من يبحث عن حلول لأزماته هو الاستعمار وأدواته، واليوم التالي أزمتهم وليست أزمة الشعب الفلسطيني. على هذه القاعدة نستند لنكرّر المقولة الخالدة "ما لم يتحقّق بالمقاومة، يتحقّق بالمزيد من المقاومة".