انتخابات جزر المالديف... رسالة إلى غزة!

جزر المالديف اكتسبت أهمية إضافية بعد انتخاب مويزو رئيساً للبلاد، إذ أطلق العديد من المشاريع التنموية بتمويل من الشركات الصينية، وكان ذلك عنصراً مهماً في المنافسة الهندية - الصينية في المحيط الهندي.

  • انتخابات المالديف لم تحظَ باهتمام الإعلام على الرغم من أهميتها.
    انتخابات المالديف لم تحظَ باهتمام الإعلام على الرغم من أهميتها.

شهدت جزر المالديف الأحد الماضي (21 أبريل/نيسان) انتخابات لم تحظَ إلا باهتمام عدد قليل من الإعلام العربي على الرغم من أهميتها على صعيد السياسات الإقليمية والدولية، إذ حصل حزب المؤتمر الشعبي الوطني بزعامة الرئيس محمد مويزو على 67 مقعداً (كان لديه 8 مقاعد في البرلمان المنتهية ولايته) من أصل 93، وحصل حلفاؤه على 3 مقاعد، فيما فاز الحزب الديمقراطي المالديفي بزعامة الرئيس السابق إبراهيم محمد صليح بـ15 مقعداً، بعدما خسر 50 من مقاعده في البرلمان المنتهية ولايته. 

جمهورية جزر المالديف المعروفة بمناظرها الخلابة ومنتجعاتها السياحية الفاخرة التي تستضيف السياح من جميع أنحاء العالم، وبشكل خاص من روسيا، لا تزيد مساحتها على 300 كم مربع، ويبلغ عدد سكانها نحو 500 ألف نسمة يعيشون في نحو 1200 جزيرة تقع على خط المواصلات البحري بين جنوب شرقي آسيا والغرب عبر باب المندب. 

اكتسب هذا الأرخبيل أهمية إضافية بدءاً من العام الماضي بعد انتخاب مويزو رئيساً للبلاد، إذ أطلق العديد من المشاريع التنموية في مجال السياحة والإسكان بتمويل من الشركات الصينية، وكان ذلك عنصراً مهماً في المنافسة الهندية - الصينية في المحيط الهندي، لما للمالديف من علاقات جغرافية قديمة مع الهند. ويبدو أنها، أي الهند، خسرت إحدى معاركها الاستراتيجية أمام العدو التقليدي الصين، وستكون قريباً أكثر قوة في المحيط الهندي الذي ازداد أهميةً في حسابات الجميع.

وصادف ذلك حديث قائد حركة أنصار الله اليمنية السيد عبد الملك الحوثي الخميس (25 نيسان) عن "مساعيهم لتوسيع العمليات الحربية وتقويتها في المحيط الهندي، وعلى نحو لم يكن وارداً أبداً في الحسابات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية". 

الرئيس مويزو كان مهندساً مدنياً خدم وزيراً للإنشاءات للفترة 2013-2018، ونفذ العديد من المشاريع المهمة، بما فيها المصانع والمجمعات السكنية والمستشفيات، في العاصمة مالييا بتمويل صيني ناجح. 

وسبق للرئيس مويزو أن زار الصين في يناير/كانون الثاني الماضي، ووقع على 20 اتفاقية تعاون مع الشركات الصينية، ووعد أنصاره خلال الحملة الانتخابية بطرد الجنود الهنود البالغ عددهم 89 عسكرياً، والذين يتمركزون في الأرخبيل للقيام بدوريات استطلاعية في المناطق البحرية المالديفية الشاسعة والقريبة من الهند. وقد غادرت الدفعة الأولى من هؤلاء العسكر البلاد الشهر الماضي على أن تتم عملية الانسحاب التام منتصف الشهر القادم، وسط المعلومات التي تتحدث عن احتمالات التوقيع على اتفاقيات ثنائية مع بكين قد تساعدها على تحقيق بعض الأهداف العسكرية في الأرخبيل الاستراتيجي بالنسبة إلى الجميع.

وسيحقق ذلك للصين تفوقاً عسكرياً ونفسياً، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد فيها علاقات بكين مع واشنطن وحليفاتها في المنطقة توتراً خطيراً بسبب الاستفزازات الأميركية في تايوان مع مساعي الغرب لاستعداء نيودلهي ضد بكين، التي إن حصلت على موطئ قدم عسكري في الأرخبيل فسوف يساعدها ذلك على تحقيق أهدافها، ليس عبر السيطرة على الممر البحري بين جنوب شرقي آسيا وأوروبا عبر باب المندب فحسب، بل لدعم مشاريعها في خط الحرير أيضاً، وأياً كانت التسميات، من دون أن نتجاهل السبب الذي دفع الناخبين المالديفيين إلى التصويت لحزب الرئيس محمد مويزو وهم يعرفون أنه مقرّب إلى الصين. 

ويبدو أن شعب المالديف وغالبيته من المسلمين تمنى لها أن تقف إلى جانبهم في عدائهم لنيودلهي بسبب سياساتها العنصرية قومياً ودينياً ضد المسلمين في الهند التي لم تتردد في التعاطف، بل والتضامن، مع الكيان الصهيوني في عدوانه الهمجي على غزة. وكانت جرائم الكيان الصهيوني في غزة من أهم الأسباب التي دفعت الناخبين إلى التصويت لحزب الرئيس مويزو الذي تحدث في أكثر من مناسبة عن دعمه لنضال الشعب الفلسطيني.  

وفي جميع الحالات، ومع انتظار الخطوات التي ستلقيها الصين في الأرخبيل المالديفي، بعدما حققت المزيد من النجاحات في علاقاتها مع موسكو وطهران والشرق الأوسط عموماً، فالغرب سيراقب تحركات بكين كما يراقب تحركاتها في القارة السمراء، والأهم من ذلك في أميركا اللاتينية، الحديقة الخلفية لواشنطن، التي لا تخفي قلقها من تصاعد الدور الصيني في الدول التي بات اليسار يحكمها خلال السنوات القليلة الماضية. 

وأهم هذه الدول البرازيل وتشيلي وكولومبيا وبوليفيا والبيرو، إضافة إلى كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا. وقد أثبتت هذه الدول كلها شجاعتها في التضامن مع الشعب الفلسطيني وملاحقتها الكيان الصهيوني سياسياً وقانونياً في المحافل الحقوقية الدولية، من دون أن تحظى مواقفها هذه باهتمام كافٍ من الدول والأوساط السياسية والإعلامية العربية، باستثناء سوريا ولبنان واليمن والجزائر والعراق، ومعها إيران وروسيا والصين. 

ويعرف الجميع أن تضامنها المباشر وغير المباشر سيكون كافياً للانتقام من أجل شهداء فلسطين في غزة والضفة، مهما طال الزمن، من دون أن نتجاهل أهمية أي انتصار، مهما كان متواضعاً وبسيطاً ما دام أنه على طريق النضال من أجل كل قضايا الحق في كل مكان، ولكن بشكل خاص فلسطين، إلى أن يتحقق الهدف المشترك للجميع، وهو إلحاق الهزيمة المطلقة بالدول والقوى الإمبريالية والاستعمارية التي هزمت في فيتنام ودول أميركا اللاتينية وأفريقيا، والآن في الشرق الأوسط؛ ساحة الصراعات الأساسية منذ أكثر من مئة عام، وإلا لما عشنا كل الإرهاب والقتل والدمار في سنوات ما يسمى بالربيع العربي، والآن في قلعة الصمود والتصدي فلسطين بضفتها الغربية المناضلة وقطاعها الغزاوي الصامد.  

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.