تجدد الحملات ضد اللاجئين في مصر بين الدوافع والأهداف ومواجهة الأخطار

يجب أن ندرك أن من يقفون وراء الحملات الممنهجة ضد اللاجئين في مصر يلحقون الضرر بها بوعي أو بدون وعي. ويتزامن ذلك مع دعوات إلى العزلة أو الانكفاء على الذات.

  • اللاجئون والمهاجرون في تاريخ مصر.
    اللاجئون والمهاجرون في تاريخ مصر.

في ظل تجدد الحملات الإعلامية ضد اللاجئين في مصر، وخصوصاً العرب، وتحديداً السوريين، يبرز تساؤل جوهري حول الدوافع وراء هذه الحملات والأهداف الخبيثة التي قد تكمن خلفها.

إن قضية اللاجئين والمهاجرين في مصر ليست بالظاهرة الجديدة، بل تعود جذورها إلى عقود وقرون طويلة؛ فقد شهدت مصر على مرّ تاريخها موجات متعاقبة من الهجرة واللجوء، كان لكل منها دورها في تشكيل نسيجها الاجتماعي والثقافي.

الدوافع خلف الحملة الإعلامية

الحملة الإعلامية الحالية ضد اللاجئين، والتي تهدف إلى إثارة الرأي العام ضد وجودهم، وتستخدم أساليب متعددة من التحريض ونشر الشائعات، قد تبدو للوهلة الأولى كرد فعل عفوي تجاه أزمات اقتصادية أو اجتماعية، لكن النظرة الدقيقة تكشف أهدافاً أعمق وأكثر ضرراً.

وفي هذا السياق، يبرز سؤال مهم: ما الذي يدفع بعض الأطراف إلى القيام بهذه الحملات؟

يمكن القول إنه ربما تكون هناك أهداف خبيثة وراء الترويج لمثل هذه الأفكار، ربما تأتي كمحاولة لصرف الانتباه عن مشكلات أكثر جوهرية، كالفساد أو الفشل الإداري أو الأزمات الاقتصادية التي يعانيها المواطن وإرجاعها في أحد جوانبها إلى وجود 9 ملايين لاجئ كما يتردد..

إضافة إلى ذلك، قد تكون هناك محاولات لتعزيز فكرة النقاء الثقافي أو العرقي، ما يسهم في تغذية النزعات القومية المتطرفة التي تعزز الانقسام بدلاً من الوحدة في وجه التحديات، وهو ما يعد تناقضاً صارخاً مع التاريخ الطويل لمصر كبوتقة تنصهر فيها الثقافات المتعددة.

اللاجئون والمهاجرون في تاريخ مصر

إن المهاجرين واللاجئين في مصر لهم دور بارز ومهم في تاريخ البلاد. وفي هذا المجال، من المهم أن نورد ما ذكره الدكتور جمال حمدان، عالم الجغرافيا المصري البارز، في كتابه "شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان"، من أن مصر عبر تاريخها كانت دائماً بمنزلة ملاذ للمهاجرين واللاجئين.

لقد كانت هذه الهجرات إضافات قيّمة للنسيج الاجتماعي والثقافي في مصر، إذ ساهم هؤلاء المهاجرون في تطوير الاقتصاد والمجتمع. كذلك، فإن الإسهامات الثقافية والاقتصادية لهذه المجموعات عبر التاريخ لا يمكن تجاهلها، من الرومان واليونانيين في العصور القديمة إلى الأرمن والشوام في العصور الحديثة، كلهم أضافوا أبعاداً متعددة للحضارة المصرية.

دور "الشوام" في النهضة المصرية

السوريون أو الشوام، كما يعرفون في السياق المصري، أدوا دوراً بالغ الأهمية في النهضة الحديثة لمصر في العصر الحديث، وخصوصاً خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وأسهموا في عدة مجالات، مثل التجارة والصناعة والتعليم.

كما كان لهم دور بارز في تأسيس وتطوير الصحافة وإثراء الفكر والأدب في مصر، وفي هذا نذكر سليم وبشارة تقلا وجرجي زيدان وفرح أنطون وفاطمة اليوسف وجورج أبيض وغيرهم كثيرين ممن قدموا إسهامات كبيرة في الثقافة المصرية، وكان لهم تأثير في تشكيل الوعي الثقافي والفكري في البلاد.

كما أنّ الشوام أسسوا في مصر عدداً من المدارس والمعاهد التي أدت دوراً كبيراً في تعليم الأجيال المتعاقبة.

الأثر الاقتصادي والاجتماعي

المهاجرون واللاجئون ليسوا عبئاً على الاقتصاد، بل هم في كثير من الأحيان دافع للنمو، فالسوريون في مصر، على سبيل المثال، ساهموا بشكل كبير في الاقتصاد، من خلال إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة تعزز من توفر الوظائف والخدمات، والمطاعم السورية والمحال التجارية والحرف اليدوية هي مجرد أمثلة على كيفية تأثيرهم الإيجابي في الحياة اليومية المصرية.

من الضَّروري أن ننظر إلى تاريخ الهجرة في مصر بنظرة موضوعية ونقدّر الدور الذي يؤديه هؤلاء المهاجرون في تطوير البلاد. من هذا المنطلق، يجب التصدي للحملات الإعلامية التي تستهدف اللاجئين وتعمل على تشويه صورتهم. يجب أن تعمل الدولة والمجتمع المدني على تعزيز التسامح والتعايش بين مختلف المكونات الثقافية في البلاد، وأن تعمل على توفير الحماية والدعم للمهاجرين واللاجئين.

ويجب أن ندرك أن من يقفون وراء هذه الحملات الممنهجة يلحقون الضرر بمصر بوعي أو بدون وعي. ويتزامن ذلك مع دعوات إلى العزلة أو الانكفاء على الذات، وهذا يمكن أن يفضي إلى أن تتكسر مصر داخل ضلوعها، ما يجعلها عرضة للتحديات والأخطار من القوى المعادية المتمثلة في الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية.

إن الوقت الراهن يتطلب مراجعة السياسات وتحسين الأطر التنظيمية التي تحكم قضايا اللجوء والهجرة في مصر.

ويجب أن تكون هذه السياسات شاملة، وأن تحمي حقوق الإنسان وتعزز التنوع الثقافي. 

كما يتوجَّب في وسائل الإعلام أن تؤدي دوراً أكثر إيجابية، وأن تكون بناءة في تغطية قضايا اللاجئين، بعيداً عن التحريض ونشر الكراهية.

خلاصة القول، من الضروري عدم النظر إلى اللاجئين والمهاجرين كأعباء، بل كفرص للتطور والنمو المشترك، ويجب على المجتمع المدني والدولة أن يعملا معاً لتعزيز سياسات الدمج والتعايش الفعال.

 بالتالي، فإن التصدي للحملات الإعلامية المغرضة وفضح أهدافها الخبيثة وتعزيز ثقافة التسامح والتعددية هي الخطوات الأولى نحو مجتمع أكثر انفتاحاً وتقدماً.

في هذه اللحظات الحاسمة من تاريخ مصر، يتحتم على الجميع التذكير بأن الوحدة والتعايش ليسا مجرد قيم تاريخية، بل هما أساس لمستقبل مزدهر ومستدام للجميع.

ويجب أن نذكر بأن تاريخ مصر كأرض للتلاقي والتعايش يجب أن يكون دليلنا نحو مستقبل يسوده التفاهم والاحترام المتبادل بين جميع سكانها، وأن تحقيق التقدم والازدهار في أي مجتمع لا يمكن حدوثه من دون اعتراف بالدور الذي يمكن أن يؤديه الجميع، بغض النظر عن أصولهم.