رسالة من ترامب: إمكانية نجاح مسعى الحوار مع إيران
الأسلوب التهديديّ الذي تحدّث به ترامب، وعرضه "الاتفاق وإلّا الحرب"، ليس إلّا تكراراً لرسالة أوباما، والتي أجاب عليها المرشد بالقول "لن نقبل أيّ عرض للمفاوضات يسير جنباً إلى جنب مع القوة".
-
هل ينجح مسعى ترامب الجديد لاتفاق نووي مع إيران؟
في مقابلة تلفزيونية، كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يريد التوصّل إلى اتفاق جديد بخصوص البرنامج النووي الإيراني، وأنه لتحقيق هذا الهدف قام بإرسال رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي. هذا الكشف يعيد التذكير برسالة مماثلة أرسلها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المرشد الأعلى الإيراني عام 2009، لكنّ الخامنئي اتهم حينها الرئيس أوباما بأنه "يمدّ لنا يداً بقفاز ناعم لكن تحتها ربما تبدو هناك يد من حديد".
ويضيف "الرئيس الأميركي الجديد يرسل إلينا رسالة تهنئة بمناسبة العام الجديد لكن في الوقت نفسه يتهمنا مرة أخرى بدعم الإرهاب وبالسعي لحيازة أسلحة نووية".
وفي مناسبة أخرى، وفي عام 2014، كشف الإعلام الأميركي أنّ الرئيس أوباما أرسل رسالة ثانية إلى المرشد الأعلى الإيراني طلب خلالها الأول من الأخير التفاهم حول مشاركة إيران في الحرب على "داعش" وإظهار مرونة في المفاوضات النووية تقود بدورها إلى اتفاق نهائي ومرضٍ بهذا الصدد.
هل ينجح مسعى ترامب الجديد لاتفاق نووي مع إيران؟
لا شكّ يريد الرئيس دونالد ترامب إنهاء النزاعات في كلّ من أوروبا والشرق الأوسط، وتخفيف الانخراط الأميركي في المنطقتين الحيويتين للتفرّغ لمواجهة التهديد الصيني المتعاظم عالمياً، والتفرّغ لمواجهة أجنحة الدولة العميقة في الداخل التي قد تمنعه من تنفيذ سياساته (كما حصل في فترته الأولى)، وكذلك الاهتمام بالوضع الاقتصادي الأميركي الذي يعاني من تضخّم هائل وهجرة الصناعات وارتفاع معدلات البطالة وازدياد الدين العام.
وبمقارنة تصريحات ترامب في فترته الأولى والحالية، نجد أنّ سقف المطالب الأميركية للتفاوض مع إيران قد تراجع، ففي الفترة الرئاسية الأولى كان ترامب يريد التفاوض على نفوذ إيران الإقليمي، وبرنامجها الصاروخي، وبرنامجها النووي، بينما يقوم ترامب حالياً بحصر موضوع التفاوض بعدم حيازة إيران سلاحاً نووياً، وهو الذي يعتبره الأميركيون خطاً أحمر.
وهذا السقف الجديد الذي يضعه ترامب يمكن للإيرانيين القبول به والتعامل معه، إذ عمدوا في الآونة الأخيرة الى الإعلان أنّ هناك فتوى تحرّم حيازة السلاح النووي واستخدامه، وأنّ برنامجهم كان وسيبقى سلمياً.
لكنّ الأسلوب التهديديّ الذي تحدّث به ترامب، وعرضه "الاتفاق وإلّا الحرب"، ليس إلّا تكراراً لرسالة أوباما الأولى التي أشرنا إليها، والتي أجاب عليها المرشد بالقول "لن نقبل أيّ عرض للمفاوضات يسير جنباً إلى جنب مع القوة، سنرى إذا تغيّرت السياسة الأميركية بالفعل سوف نتغيّر نحن أيضاً، لكن يجب أن تتغيّر الأهداف وليس التكتيكات فقط".
أما في الإطار الإقليمي، فتختلف ظروف الإقليم الحالية عن الفترة التي حصل فيها الاتفاق النووي الإيراني السابق مع الرئيس باراك أوباما عام 2015، فمن ناحية أولى خفّت حدّة الرفض الإقليمي للاتفاق، مع التفاهمات الإقليمية بين إيران والسعودية ومن بعدها دول الخليج الأخرى، بينما بقي الرفض الإسرائيلي على حاله، لا بل ازداد حدّة، خاصة بعد التهديدات الإسرائيلية المتزايدة بحرب على إيران.
وفي هذا الإطار أيضاً، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في الأسبوع الأول من شهر آذار/مارس أنها نفّذت مهمّتها الثالثة خلال أسبوعين، والتي شملت وحدة قاذفات استراتيجية في الشرق الأوسط، وذلك بهدف "تعزيز التنسيق مع الشركاء الإقليميين وإظهار قدراتها العسكرية".
وتأتي أهمية هذا الإعلان أنه أتى في أعقاب تصريحات أدلى بها إيال زامير، رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد، الذي أعلن أنّ عام 2025 سيركّز على الصراع في غزة ومع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأنه سوف تتمّ إعادة هيكلة استراتيجية "الجيش" الإسرائيلي للتعامل مع التهديد الإيراني على وجه التحديد.
وبالتزامن مع تلك التصريحات الأميركية والإسرائيلية المتناغمة، أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أنّ المرشد الأعلى وجّه المفاوضين الإيرانيين إلى إيقاف الحوار مع الأميركيين، وبالتالي حكومته ستلتزم بوقف التفاوض، ما دفع ترامب لإرسال رسالة إلى الخامنئي تماماً كما فعل الرئيس الأسبق باراك أوباما حين تواصل مباشرة مع المرشد.
وهكذا، يمكن فهم الترابط بين التصعيد الأميركي – الإسرائيلي المشترك وبين دعوة المرشد إلى عدم التفاوض مع الأميركيين تحت الضغوط، كذلك فهم التصعيد الإسرائيلي العسكري في لبنان والقيام بعشرات الغارات الجوّية، وهي الأكبر منذ وقف إطلاق النار، في اليوم الذي كُشف فيه عن رغبة أميركية بالحوار مع إيران، وفي ما يبدو أنه ردّ إسرائيلي تصعيديّ لاستجلاب ردّ لبناني مقابل، في محاولة لخلط الأوراق الإقليمية من جديد بعد قيام ترامب بالكشف عن رسالة أرسلها للمرشد الأعلى علي الخامنئي يدعوه فيها للحوار.