طوفان الأقصى: إيران تفتح أبواب الحوار مع جيرانها

يمكن عدّ القضية الفلسطينية الجسر الذي يردم الهوة ويربط طرفي الحوار العربي الإيراني، لكنّ هناك ضرورة للتقارب الأعمق بين طهران والعواصم العربية، والتعاون المشترك بينهما حيال التطورات الإقليمية، وعلى رأسها الحرب على غزة.

  • الديبلوماسية الإيرانية في خدمة الحوار مع الدول العربية.
    الديبلوماسية الإيرانية في خدمة الحوار مع الدول العربية.

تؤدّي الجغرافيا دوراً في رغبة إيران في التوافق مع محيطها العربي، فهي تقع عند تقاطع استراتيجي بين العالم العربي وتركيا وروسيا والهند، وتشكل نقطة عبور رئيسة للشرق الأوسط والخليج العربي وآسيا الوسطى والقوقاز وشبه القارة الهندية ولثلاثة بحار: بحر قزوين وبحر العرب وبحر عمان. 

تنفذ طهران سياسة خارجية نشطة شرقاً، بحيث تعمل على تعزيز قيادتها ومواجهة الهيمنة الأميركية النشطة في الخليج، من خلال إقامة علاقات وثيقة، تجارية وقائمة على الطاقة، بجيرانها الشرقيين، عبر الممر الإيراني الروسي الهندي، من دون أن ننسى العلاقات التي تربط إيران بالصين بصورة متزايدة. بمعنى آخر، تؤدي طهران دورها في المنطقة كلاعب في مجال أمن الطاقة. 

في هذا الإطار، حثّ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، السيد علي خامنئي، مؤسسة السياسة الخارجية في بلاده على العمل الجاد لتحسين العلاقات بدول المنطقة، وشدّد على "الحاجة إلى التعامل الحكيم والمرونة مع المحافظة على المبادئ"، وسلط الضوء على الحاجة إلى "وضع" إيران في النظام العالمي الجديد. ومن خلال سياستها، ترى إيران أنه لا يوجد نظام إقليمي مستقر من دون أن تؤدي دوراً رئيساً فيه، كونها إحدى القوى الإقليمية الكبرى. 

لذلك، تَعُدّ أن النظام الإقليمي المستقر فرصة تؤدي فيه دوراً رئيساً إلى جانب القوى الإقليمية، مثل السعودية. تدرك أنه يجب أن يكون هناك تعاون، أمنياً واقتصادياً وسياسياً، من أجل نظام إقليمي مستقر يمكن أن تستفيد منه دول المنطقة وشعوبها. وفي ظل طوفان الأقصى، تؤدي إيران دورها بأفضل ما تستطيع، على الرغم من أنها محاطة بالقواعد العسكرية الأميركية في العراق ودول الخليج.

أولوية الأمن في العلاقة بكردستان 

الأمن الحدودي يشكل أهمية قصوى لإيران في علاقتها بالشمال العراقي، حيث تعتمد أحزاب إقليم كردستان، أي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على الشراكة الأميركية للمحافظة على الأمن والمكانة. ومع ذلك، فإن العمل الوثيق مع الولايات المتحدة والقاعدة الأميركية بالقرب من أربيل لم يتمكن من منع إيران من قصف ما عدّته "اجتماعات للموساد في إربيل"، تخطّط من أجل ضرب أمنها. أمّا الشراكة مع تركيا فإنها لا توفر للحزب الديمقراطي الكردستاني الأمن الاقتصادي المطلق، وضمانة عدم استهدافه.

الأميركيون يريدون كردستان متماسكة بين طرفيها، لتتمكن من تصفية الحسابات في العراق، والتأثير في السياسة في بغداد، وتحقيق التوازن مع إيران، وإيجاد موطئ قدم راسخ.

في ظل هذا الوضع، أتت زيارة نيجرفان البارزاني، رئيس وزراء إقليم كردستان، لطهران بعد ثلاثة أعوام من اجل إعادة العلاقات على أسس واضحة. جرى استقباله رسمياً، إلا أن اجتماعه بالسيد علي خامنئي في غرفة مخصصة عادة للاجتماعات الخاصة والسرية جسد رغبة إيران المؤكَّدة في إقامة علاقات مستندة إلى مبادئ تعدّها أساسية.

شدد السيد خامنئي، خلال اللقاء، على العلاقة الوثيقة بالمكون الكردي، رأى أنها العلاقة الأهم للكرد مقارنة بأي دولة أخرى، سواء في تركيا أو العراق. أعطى الجانب الإيراني خلال المحادثات الأولوية للأمن، بصورة خاصة. وأعرب عن تغيير موقف إيران تجاه كردستان، وتعزيز مكانة الحزب الديمقراطي الكردستاني في المعادلة السياسية في بغداد، بهدف المحافظة على التوازن بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتنويع العلاقات في السياق الإقليمي، وإرساء التوازن بين تركيا وإيران، وإزالة المخاوف بشأن زيادة الحركة مع تركيا، والتأكد من أن العلاقة بأحد الطرفين لا تضر بعلاقاتهما بتركيا.

كدلك طالبه بالتنفيذ الكامل للاتفاقية الأمنية الموقعة بين إيران والعراق في آذار/مارس 2023. وكان لافتاً قوله إنه "يجب على الحكومة العراقية وإقليم كردستان أن يمنعا بصورة قاطعة العدو الصهيوني والعناصر المناهضة للثورة من استغلال أراضي هذه المنطقة وشن هجوم على إيران من هناك. ولا يجب السماح بأنشطة إسرائيل في كردستان، أو السماح للولايات المتحدة بأن تحول هذا المكان إلى موقع استيطاني، ويجب نزع سلاح الأحزاب الكردية الإيرانية". 

تحاول طهران وضع كردستان على ضفافها. وتدفع خطوطها الخاصة في حرب النفوذ مع تركيا على العراق. وتَعُدّ كرد العراق حليفاً استراتيجياً. ويصر السياسيون الإيرانيون على ضرورة التعامل مع حقوق الكرد في إطار الدستور العراقي.

كان لموضوع مضاعفة التبادل التجاري حيز مهم، حيث تعمل بوابات كردستان العراق السبع جميعها مع إيران، وتقع في أيدي الاتحاد الوطني الكردستاني. ويبلغ حجم التجارة الإيرانية مع العراق وإقليم كردستان نحو 13 مليار دولار. يتم توفير أكثر من نصف البضائع العابرة عبر بوابات في كردستان. وتُعَدّ إيران ثاني أكبر شريك تجاري بعد تركيا مباشرة. 

يتعرض الحزب الديمقراطي الكردستاني لانتقادات بين الكرد بسبب وقوعه تحت السيطرة التركية. في المقابل، تتهم القوى الكردية قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني بالدخول في مشاريع إيران والعراق وعدم مراعاة بعض الحساسيات. أما إيران فتحاول ضبط الأمن عند حدودها في ظل الصراع في المنطقة ومحاولات "الموساد" الإسرائيلي اختراقها، عبر بعض الكرد الانفصاليين، الذين يعملون على تهديد أمنها، ولاسيما بعد القصف الدي طالها بعد ردها على الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة في سوريا، وطال مستشاري الحرس الثوري بواسطة عملاء في الداخل الإيراني.

الديبلوماسية الإيرانية في خدمة الحوار مع الدول العربية 

 في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، ناقشت إيران، عبر وزير خارجيتها، مسألة عزل الكيان الصهيوني في المنطقة، وإرغامه على إيقاف ماكينة الحرب في غزة، ومواجهة السياسات الأميركية التوسعية كي يعود الاستقرار إلى الشرق الأوسط، بعد أن أثبت العدوان الإسرائيلي المتواصل على الفلسطينيين لشعوب المنطقة أن "إسرائيل هي عدوها الحقيقي، وهي من يحتل" مقدساتها. 

أكدت الحرب على غزة ضرورة استمرار الحوار العربي الإيراني وتبديل مخرجاته إلى ملفات للتعاون الميداني. فكلّما تقدمت المنطقة في الحوار قطعت خطوات جبارة نحو التقدم والازدهار والاستقرار الإقليمي. من أجل ذلك، يجب أن يكون الحوار واقعياً لتحقيق الأهداف المنشودة من أجل مصالح الأمة الإسلامية، وازالة سوء فهم الآخر، عبر الحوار المباشر، وهو كفيل بتبديد أسبابه وإزالة كل التحديات التي قد تواجه المنطقة.

يمكن عدّ المؤتمر، الذي عُقد في طهران للمرة الثالثة، طريقاً إلى الحوار العربي الإيراني، هدف إلى التواصل وإلى إدراك تفاهم مشترك بين الجانبين العربي والإيراني بشأن القضايا والنقاط والملفات التي تقع في صلب النقاط الخلافية بين العرب والإيرانيين. وجرى طرح الحرب الإسرائيلية على غزة، وما جرى ويجري في سوريا واليمن، إلا أنه، على رغم التقارب الكبير المتعلق بعدد من القضايا، فإن الخلاف بشأن ملفات أخرى ما زال مستمراً. وتمكّن مؤتمر الحوار العربي خلال الأعوام الماضية من تذليل العقبات في العلاقات الإقليمية. ويمكن القول إن دائرة القضايا الخلافية بدأت الانحسار، بعد أن تمكن المؤتمر، خلال هذه الأعوام، من تذليل العقبات في العلاقات الإقليمية.

يمكن عدّ القضية الفلسطينية الجسر الذي يردم الهوة ويربط طرفي الحوار العربي الإيراني، لكنّ هناك ضرورة للتقارب الأعمق بين طهران والعواصم العربية، والتعاون المشترك بينهما حيال التطورات الإقليمية، وعلى رأسها الحرب على غزة، ومآلتها، واليوم التالي، من وجهات نظر، إقليمية وعربية وإسلامية.