على موعد مع الثورة
تصريحات ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى منطقة الشرق الأوسط، قبل عدة أيام، تفتح الباب أمام الاضطرابات أو حتى الثورات من جديد.
-
على موعد مع الثورة
لم تكن تصريحات ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى منطقة الشرق الأوسط، قبل عدة أيام، حول قلق الإدارة الأميركية المتزايد من سقوط الأنظمة العربية، وأيضاً تصريحاته في الثالث عشر من آذار/مارس خلال لقاء عقد في الدوحة بحضور وزراء خارجية السعودية ومصر وقطر والأردن ووزير الدولة بالخارجية الإماراتية، وكذلك أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلا رسالة من أن التصعيد في غزة قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في دول الجوار، ما قد يفتح الباب أمام الاضطرابات أو حتى الثورات من جديد، فالشعوب العربية تشتعل غضباً من جراء صمت الأنظمة وقمع المواطنين ومنع التظاهر ومنع إقامة الفعاليات المناهضة للاحتلال في المعاهد والجامعات والمساجد والشوارع، في تجاهل غير مسبوق للدم النازف في قطاع غزة منذ أكثر من عام ونيف.
ورغم تناقض الموقف الأميركي الداعم لاستمرار الحرب، فإنه يبدو محدداً بزمن أمام نتنياهو وحكومته المتطرفة، المدعومة كما يبدو من بعض البلدان العربية ممن تسعى للقضاء على محور المقاومة من أجل فتح المجال أمام التطبيع مع "دولة" الاحتلال بحرية.
تلك التصريحات وما سبقها من تصريحات للأمين العام للأمم المتحدة غوتيرش حول الأوضاع في غزة، وقوله إنها تهدد بانفجار إقليمي واسع، جاءت من خلال دراسات عديدة تؤكد أن الثورات العربية قادمة، خصوصاً الدراسات والأبحاث التي استشرفها معهد "كارنيغي" في الولايات المتحدة الأميركية وكذلك المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" في لندن، والذي نشر مقالاً عام 2021 بعنوان "الربيع العربي بعد 10 سنوات" يؤكد أن "الربيع العربي" لم ينته بعد، مشدداً أن الاضطرابات السياسية قبل عقد من الزمن أدت إلى تحولات سياسية عميقة في المشهد، فكيف الحال بعد الحرب على غزة، تلك الحرب التي شكلت صدمة استراتيجية للمنطقة كلها.
ورغم ممارسات البلطجة التي تقودها النظم الشمولية في المنطقة، خصوصاً دول الطوق، وممارسة القمع والاغتيال السياسي والاقتصادي والمعنوي للنخب الفاعلة وجمهور العامة فإنها محاولات فاشلة أمام الطوفان الهادر الذي سيغرق المنطقة بالدم من جديد، وسيؤسس لمرحلة ذات أبعاد جيواستراتيجية في شكل النظم التي ستتعامل مع "دولة" الاحتلال. فتجاهل تلك الحكومات لدور الإعلام الذي عمل على استنهاض الشعور الجمعي العربي والإسلامي لنصرة غزة، مع تآكل شرعية تلك الأنظمة نتيجة الأزمات الاقتصادية الخانقة، والعودة إلى البلطجة والقمع السياسي، سيؤدي عما قريب إلى انفجار كبير، ليس فقط بسبب الحرب على غزة، بل بسبب التدهور المعيشي وغياب العدالة الاجتماعية والكثير من الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لكن غزة أمام هذا كله تشبه الصاعق الذي سيفجر تلك القنبلة البليدة.
وعلى الرغم من محاولات الأجهزة الأمنية العربية متابعة منصات التواصل الاجتماعي وانتشار مقصلة الرقيب على الصحف والمجلات وكذلك السينما والدراما، فإنها لم تستطع كبح جماح الشبان من الدفاع عن فلسطين في الفضاء الأزرق ومنصة x، في حالة تشبه الأوضاع التي سبقت ما سمّي بـ"الربيع العربي"، ولعل الفارق بين الزمنين هو أن الشعوب اليوم لديها وعي سياسي أكبر وتجربة أعمق مع نتائج "الربيع العربي" السابق، ما قد يجعل الحراك هذه المرة أكثر تنظيماً أو أشدّ عنفاً بسبب الإحباط المتراكم.
فالقضية الفلسطينية تعدّ جزءاً من الوجدان العربي، وكلما اشتدت الاعتداءات على غزة، فإن من الطبيعي أن يتحرك الشارع بشكل أكبر مدفوعاً بالعاطفة القومية والدينية، ولعل هذه الحرب فضحت الصمت الرسمي العربي ودوره في قمع التظاهر أو إنشاء الحراكات الثورية الشابة، الأمر الذي عمّق الهوة بين الأنظمة وشعوبها، ما قد يجعل الوضع الحالي أشبه ببرميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، وهو ما يمكن استشرافه على المدى المنظور والقريب، إذ لم تأت تصريحات ويتكوف جزافاً، والذي عدّ حدوثها تدميراً لإنجازاتهم التي تتمثل باستشهاد السيد حسن نصر الله ويحيى السنوار حسب قوله، لذلك فهي تمثل إحدى أدوات الضغط على نتنياهو للانتهاء من لعبة الموت في غزة والتي ستؤثر بشكل كلي في مسار العالم. تخشى الإدارة الأميركية من أن أي انفجار قادم لن يكون في صالح الاستعمار الرأسمالي وعملائه في منطقة الشرق الأوسط، لأنه سيهدد وجود قواعدها وكذلك جنودها بالإضافة إلى ساستها وسياستها التي ستتضرر، فتخسر الاستثمار بتريليونات الدولارات في الإمارات والسعودية، بالإضافة إلى فشل مشروع التطبيع، وربما تهديد الوجود الإسرائيلي كـ"دولة" واستيطان، ولعل عمليات الحوثيين في البحر الأحمر وبحر العرب ضد حاملات الطائرات الأميركية التي تشكل البعبع للعالم قد تبدو ضعيفة أمام صواريخ المقاومة في اليمن المساند لفلسطين ولبنان، الأمر الذي لن يكون في صالح الولايات المتحدة الأميركية.
ما يمكن قراءته من بين سطور تصريحات الإدارة الأميركية على لسان ويتكوف وكذلك بعض القادة الغربيين في أوروبا هو أن القوة الهائلة تكمن في الشعوب، وهو ما يمثل الخطر الحقيقي للاستعمار الإمبريالي الرأسمالي، وتقويض صلاحياته ومصالحه في المنطقة، فالحل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة لن يغير الواقع ولن يحقق الحل السياسي في فلسطين، بل ربما يجر المنطقة إلى انفجار أكبر تأثيراً من القنبلة النووية، وقد يحدث في القريب، لتوفر معظم العوامل التي تتنبأ بحدوثه.
إن ما جرى في السابع من أكتوبر ثم ما تبعه من تدمير لقطاع غزة واستهداف المؤسسات المدنية الصحية والتعليمية وغيرها، في تجاهل للقوانين والأعراف الدولية كافة، واعتماد سياسة الأرض المحروقة من طرف "دولة" الاحتلال الإسرائيلي بانتهاج شريعة الغاب، لن يكون في صالح الغرب بأي حال، لأن التغيير لن يكون في المنطقة العربية فقط، بل العالم أيضاً.