فشل الحوار مع "قسد" هل يعني الذهاب إلى المواجهة معها؟

المشهد السوري يبدو معقداً، والحكومة مطالبة بتحمّل مسؤولياتها في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها، وطمأنة مكونات الشعب السوري كافة.

  • ما مستقبل الحوار مع
    ما مستقبل الحوار مع "قسد"؟

لا يمكن التقليل من أهمية المؤتمر الذي عقد في مدينة الحسكة برعاية من "قوات سوريا الديمقراطية" ومشاركة ممثلين عن باقي مكوّنات الشعب السوري، في ما بدا وكأنه "تحالف الأقليات" الموجّه ضد الحكومة الانتقالية في دمشق.

"قسد" المدعومة من 88 دولة بما فيها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وعدد من الدول العربية، والتي تضم في صفوفها نحو مئة ألف مقاتل، وتمتلك مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتوسطة، يجب أن يشكل وجودها مصدر قلق لكل من تركيا والحكومة السورية.

ما حققته "قسد" ناتج من تحكمها بثروات سوريا، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، ومشاركة عدد من الدول الإقليمية والدولية التي ساعدتها على بيع النفط المسروق من شمال شرق سوريا.

الحديث عن تحالف الأقليات يصوّر الصراع في سوريا على أنه صراع طائفي، وهذا غير صحيح، فليس جميع السنة مؤيدين للحكومة الانتقالية، و"قسد" لا تعبّر عن الكرد جميعاً، ولا يمكن اختصار السويداء بالشيخ الهجري ومواقفه.
مشاركة عدد ممّا سمّي بشيوخ العشائر العربية كان الهدف منه إظهار أن المؤتمر ممثل لجميع أطياف المجتمع السوري، وهذا صحيح نظرياً، لكنه غير دقيق على أرض الواقع.

كثير من هؤلاء ليسوا هم الشيوخ الحقيقيون لقبائلهم، كما أن الامتيازات التي يحصلون عليها من "قسد" أمر يلقى استهجان العرب من أبناء المنطقة قبل غيرهم.

انسحاب بعض شيوخ العشائر من المؤتمر عند إلقاء الشيخ الهجري كلمته والشيخ غزال غزال يدل على أنهم جاؤوا إلى المؤتمر، ولا يعرفون شيئاً عن جدول أعماله.

الغريب أن الهجري وغزال كان من أسباب امتعاضهما جلوس الرئيس السوري مع مظلوم عبدي دون سواه، فهل تم ذلك لأن عبدي مدعوم من الولايات المتحدة الأميركية.

قدرة "قسد" على عقد مثل هذا المؤتمر أمر يحسب لها، مع الإشارة إلى أن مثل هذا الأمر ما كان ليتم دون موافقة الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يجب على دمشق أن تأخذه بعين الاعتبار.

عقد المؤتمر على عجل، ولم تتضمن فعالياته حوارات حقيقية، فكان أقرب إلى مهرجان خطابي منه إلى مؤتمر للحوار السياسي، خصوصاً في ظل غياب المتخصصين في العمل السياسي عنه، وكانت القيادة فيه لـ"قسد"، وهو أمر يلقى حساسية كبيرة من أبناء العشائر العربية في المنطقة.

اللامركزية هي المطلب الرئيس للمؤتمر...

ركزت نتائج المؤتمر على ضرورة صياغة دستور ديمقراطي لا مركزي، بمعنى أنه اشترط اللامركزية بدلاً من الدعوة إلى استفتاء شعبي عليها، لقناعتهم بأن ذلك لن يتحقق إذا ما جرى استفتاء ديمقراطي عليها.

رغبة بعض الأقليات في الحصول على "امتيازات فوق دستورية" أمر غير مقبول، مع ضرورة المساواة بين جميع أبناء الشعب السوري في الحقوق والواجبات.

الحديث عن أن تشكل "قوات سوريا الديمقراطية" نواة جيش وطني أمر مستغرب، خاصة أن عدد أفراد تلك القوات يزيد على عدد القوات المنضوية تحت مظلة وزارة الدفاع، وهو ما لن تقبل به الحكومة بكل تأكيد.

الحديث عن الدعوة إلى إقامة دولة مدنية من قبل بعض رجال الدين أمر مستغرب (شيوخكم في الإسلام أئمتكم في العلمانية!!)، وكان يمكن تقبله لو أنهم قاموا بتسهيل انتخاب ممثلين سياسيين عن المحافظات التي ينتمون إليها، وترشيحهم للتفاوض مع السلطة في دمشق، فلكل علم أهله، إلا علم السياسة الذي بات الجميع يتنطّحون له.

صدور بيانات من الشيخ الحناوي والشيخ الجربوع تؤيد موقف الشيخ الهجري تؤكد أن شعبية الهجري في السويداء قد ازدادت، لكنّ شكره لـ"إسرائيل حكومة وشعباً" جعل شعبيته في الحضيض في باقي المناطق السورية.

الخلاف مع السلطة يجب أن لا يدفع البعض إلى التصويب نحو الدولة، فالسلطة شيء يمكن الاختلاف عليه، أما الدولة ووحدتها فيجب أن تكونا محط إجماع جميع السوريين.

الشعب السوري نسيج واحد متماسك فرّقته السياسة التي أفرزت سياسيين فضّلوا البحث عن مصالحهم الوطنية على حساب المصلحة الوطنية العليا لسوريا.

علينا العمل على إسقاط مصطلح الـ "نحن" والـ "هم"، وعدم السماح بمقاربة المشهد السوري من منظور ما يسمّى بالأقلية والأكثرية، خصوصاً أن الأقليات كثيراً ما كانت فاعلة مقابل الأكثرية التي تعيش حالة من العطالة وضياع البوصلة.

قناعة البعض بأن له الحق في التواصل مع الدول الأجنبية أسوة بالحكومة الانتقالية أمر غير صحيح، فما يحق للحكومة لا يحق لغيرها. وفي المقابل، فإن على الدولة أن تتحمّل المسؤولية وأن تبحث عن الحلول، واستعادة زمام المبادرة كي لا يبدو المشهد هلامياً، ويرسل رسائل سلبية إلى الجميع.

على الحكومة السورية أن تكون واضحة وحاسمة في مسألة تعاطي البعض مع "إسرائيل"، وتطبيق القانون بحق كل من يقوم بذلك، خاصة أن عدداً من المحللين السياسيين السوريين باتوا يظهرون مع نظرائهم الصهاينة على بعض الفضائيات العربية التي تسعى للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني.

مجرد الظهور مع هؤلاء هو شكل من أشكال التطبيع حتى لو قام المحاور بشتمهم ورفض سياسة حكومتهم التوسعية، هذا الأمر يجب أن يكون واضحاً وأن تبادر وزارة الإعلام إلى التدقيق فيه.

رغبة البعض في تسجيل انتصار على غيره متناسياً أن الجميع مهزومون في الصراع بين أبناء الوطن. وأن الخارج أياً كان يبحث عن مصالحه أولاً، وكل ما يسعى إليه هو تحقيق مزيد من الإحراج للدولة السورية لإجبارها على تقديم مزيد من التنازلات.
كان من المفيد للمؤتمر الخروج بالمشتركات التي يجمع عليها أبناء الشعب السوري مثل: التعددية والديمقراطية وترسيخ مبدأ تداول السلطة...إلخ، والتوجّه بتلك المطالب نحو السلطة ودعوتها إلى الالتزام بها باعتبارها تعكس إرادة الشعب السوري.

مستقبل الحوار مع "قسد"...

يبدو أن المضي بتطبيق اتفاق 10 آذار بين الحكومة الانتقالية و"قوات سوريا الديمقراطية" بات مستبعداً، وسط غياب الثقة بين كلا الجانبين، ورفض الحكومة الذهاب إلى مؤتمر باريس للحوار.

العامل الخارجي يلعب دوراً في عرقلة هذا الحوار، فتركيا ترفض تدويل القضية الكردية، وترسل تهديدات واضحة فيما لو التزمت"قسد" بالانضمام إلى الجيش السوري.

المبعوث الأميركي توم باراك كان قد تحدث عن دعم الولايات المتحدة لانضمام "قوات سوريا الديمقراطية" إلى وزارة الدفاع والتعاون مع حكومة دمشق، لكن أطرافاً دولية أخرى وخاصة فرنسا تريد الاستثمار في الورقة الكردية للمزيد من الضغط على دمشق.

ما حدث في السويداء زاد من مخاوف "قسد"، وقوّض اتفاق 10 آذار الذي نص على وقف إطلاق النار في الأراضي السورية كافة، ومشاهد العنف التي ظهرت في السويداء تسببت في كثير من الحرج لحكومة دمشق.

صدور بيان رئاسي من مجلس الأمن الدولي ومطالبة الحكومة السورية بتطبيق القرار 2254 أمر يجب على الحكومة السورية أن تأخذه بعين الاعتبار، خاصة أن المجلس كان قد فشل في التوصل إلى مثل هذا البيان بعد أحداث الساحل.

فشل الحوار مع "قسد" هل يعني الذهاب إلى المواجهة معها؟ خاصة أن تلك المواجهة لن تكون سهلة، نظراً لما تمتلكه "قسد" من قوة، والدعم الدولي لها، وعدم رغبة الحكومة في المواجهة معها، لأن ذلك سيعطي انطباعاً بأنها ذهبت للمواجهة مع الأقليات كافة (العلويين والدروز ومن ثم الكرد).

على الدولة أن تتحمّل المسؤولية، وأن تجترح الحلول والابتعاد عن الإجراءات الشكلية مثل استقبال الوفود في القصر وسوى ذلك، وأن تبحث عن إجراءات فعلية تؤدي في المحصلة إلى وأد الفتنة والحفاظ على وحدة سوريا.

تأليب أبناء السويداء على بعضهم لا يحلّ المشكلة، وتجاهل المكانة التي يتمتع بها شيوخ العقل الثلاثة (الهجري والجربوع والحناوي)، ومحاولة تأهيل الشيخ البلعوس كبديل لهم أمر لا يحل المشكلة.

إرسال قوافل المساعدات إلى السويداء أمر غير كاف، بل يجب إرسال قوافل سياسية واجتماعية تضم ممثلين عن أبناء سوريا جميعاً لاحتضان أبناء السويداء، وعدم إجبارهم على التوجه نحو الخارج.

استجابة الحكومة لمطالب الشعب تزيد من قوتها ولا تقلل من شأنها، وعدم تصوير المشهد على أنه نوع من الانهزام أمام المطالب الشعبية.

إعادة النظر في الخطاب الإعلامي الرسمي ليكون خطاباً جامعاً أمر غاية في الأهمية، فحرية الرأي لا تعني السماح لبعض الحاقدين والطائفيين الجهلة ببث سموم حقدهم من على منصة الإخبارية السورية.

تجريم الخطاب الطائفي أمر غاية في الأهمية، مع التركيز على ما يصدر من "الأكثرية" قبل غيرهم، لطمأنة الأقليات وإشعارهم بحقوقهم في المواطنة وامتيازات عيشهم في كنف الدولة.

ما تحتاجه سوريا هو مشروع وطني جامع لا "دستور أقليات"، والابتعاد عن مواقف البعض في انتقاد "هيئة تحرير الشام" والسعي في الوقت نفسه لتشكيل "هيئة تحرير السويداء"، أو هيئة تحرير الساحل.

المشهد السوري يبدو معقداً، والحكومة مطالبة بتحمّل مسؤولياتها في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها، وطمأنة مكونات الشعب السوري كافة بعيداً عن لغة التهديد التي لن تفيد في مثل تلك الحالات.

"تعظيم المخاطر" هو السبيل لتجنّبها والقدرة على إيجاد المخارج لحلّها، أما التقليل من شأنها فهو أسوأ ما يمكن أن تقع فيه السلطة في ظل كثرة المطبّلين حولها.

نجاح دمشق في رعاية الحوار مع "قسد" يفشل التدخل الخارجي في الشؤون السورية، أما المضي نحو مؤتمر باريس للحوار فستكون له تبعاته بكل تأكيد لجهة تدويل المشكلة السورية.