فكرة بين يدي القمة العربية الصينية الأولى

ثمة فرص كبيرة، بل استثنائية، يمكن الاشتغال عليها بين العرب والصين. ومن هذه الفرص، الاستثمار المشترك في مجالات التعدين، ولا سيما في الجزائر وموريتانيا والسودان، وإقامة قواعد صناعية مشتركة.

  • ي
    الصين هي أكبر شريك تجاري للأقطار العربية

في إطار التحضير للقمة العربية الصينية الأولى، برعاية وزارة الخارجية الصينية ومركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، التأم الخميس الماضي المنتدى العربي الصيني، بمشاركة نحو 20 خبيراً عربياً وصينياً، عبر تقنية "الفيدوكونفرانس".

وقد تباحث الخبراء في آفاق التعاون المشترك، وبحثوا سبل تعزيز التنمية المشتركة وتكامل استراتيجياتها في إطار المبادرة العالمية للتنمية التي أطلقتها الصين بعد مبادرة "الطريق والحزام"، وهي مبادرة تُعنى بقضية التنمية، وتهدف إلى توجيه الجهود العالمية صوبها، لضمان تحقيق تنمية عالمية شاملة ومتوازنة، ودفع الجهود لتحقيق الأهداف الإنمائية التي عُرفت بأجندة الأمم المتحدة للعام 2030 للتنمية المستدامة.

يُذكر أنَّ الصين تُعد الشريك التجاري الأكبر للأقطار العربية، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينها نحو 330 مليار دولار أميركي في العام المنصرم، بزيادة بلغت 37% عن العام الذي سبقه. 

وعلى الرغم من ذلك، اتّسم التبادل التجاري بين الصين والعرب بكونه تقليدياً؛ فما يزال محصوراً بأنماط التبادل النمطي، وفي مجالات محدودة، مثل الطاقة، والبنية التحتية، والتبادل السلعي، وبشكل خاص المنتجات الصناعية الصينية، ولم يتوسع بالشكل المطلوب في مجالات الاقتصاد الرقمي ومجالات الاتصالات، بما في ذلك الأقمار الصناعية وتقنية الجيل الخامس والبيانات الكبرى وغيرها من مجالات التعاون غير النمطية.

وعلى الرغم من رسوخ التعاون العربي الصيني، فإنه لم يحقق تقدماً كبيراً في مجالات ذات أهمية استثنائية، كالتعاون في مجال تحقيق الأمن الغذائي لنحو 2 مليار نسمة يمثلون ديموغرافية هذه الدول، كما أنّه لم يحرز تقدماً ملموساً في التكامل الاقتصادي الّذي يخاطب حاجة السوق العربي الصيني والأسواق المجاورة، ولم يستفِد بالقدر الكافي من الطاقات المتوفرة والكامنة عند أطرافه.

ثمة فرص كبيرة، بل استثنائية، يمكن الاشتغال عليها بين العرب والصين. ومن هذه الفرص، فرص الاستثمار المشترك في مجالات التعدين، لا سيما في الجزائر وموريتانيا والسودان، وفرص إقامة قواعد صناعية مشتركة توظف فيها القدرات الصينية من معارف وتقنيات وخبرات، ويستفاد فيها من المواد الخام التي تزخر بها الأقطار العربية، مع التركيز على مواد خام تنتجها بشكل حصري بعض الدول العربية، كخام الصمغ العربي الَّذي ينتج السودان 80% من إنتاج العالم فيه وتحتكره كارتيلات صهيونية، لعلمها بأنَّ هذه المادة تدخل في غالبية الصناعات الغذائية والدوائية، كما تدخل في غالب الصناعات العسكرية، وبشكل خاص في الصناعات العسكرية المتقدمة ذات الصلة بمجالات الصواريخ والفضاء. ويمثل الصمغ العربي مادة واحدة من المواد الخام النادرة التي تزخر بها أقطار العرب.

بين يدي القمّة العربية الصينية الأولى التي ستستضيفها المملكة العربية السعودية في كانون الثاني/ديسمبر المقبل، والتي تمثل محطة بارزة في مسيرة الشراكة الإستراتيجية بين الدول العربية والصين، تلزم الإشارة إلى أنَّ التعاون الاقتصادي والتنموي العربي الصيني تُفتح أمامه آفاق كبيرة، ولا سيما في الظروف الدولية التي تشهد اضطراباً كبيراً، وتمرّ بمتغيرات كبيرة تدعو إلى بذل المزيد من الجهود من كل الأطراف لرسم استراتيجية تعاون تؤسّس لمستقبل جديد للعلاقات العربية الصينية التي تأسَّست منذ آلاف السنين، وتسهم في صناعة المستقبل الدولي الجديد بأقطاب متعدّدة، وبنظام دولي جديد يتأسس على قيم الحرية والعدالة، بعدما عجز النظام الدولي القائم الآن عن تأسيس ركائزه على هاتين القيمتين.