قناة السويس: هل لمصر مصلحة في إعفاء الأميركيين من الرسوم؟

الحكومة المصرية من مصلحتها أن تمنح ترامب الاستثناء للسفن الأميركية، باعتبار أن الموارد التي تتقاضاها مصر من تلك السفن قليلة مقارنة بالأربح التي يمكن أن تجنيها من منح ترامب"معاملة تفضيلية".

0:00
  • هل من مصلحة الحكومة المصرية أن تمنح ترامب هذا الاستثناء؟
    هل من مصلحة الحكومة المصرية أن تمنح ترامب هذا الاستثناء؟

في موقف غير مألوف، طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من مصر وبنما السماح للسفن التجارية والعسكرية الأميركية بالمرور عبر قناتي السويس وبنما مجانًا، وقال إنه كلّف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بمتابعة الأمر.

لا شكّ، تأتي هذه الطلبات الجديدة لدونالد ترامب من ضمن أهداف عدّة مرتبطة بتعزيز الاقتصاد الأميركي، وتعزيز التصنيع وذلك عبر جعل البضائع المصنوعة في الولايات المتحدة أكثر إغراءً للمستهلكين في العالم، وعبر تقليص كلفة الصناعة والتجارة والنقل، وفرض التعرفات على البضائع المستوردة من الخارج، وتقليص كلفة الشحن على البضائع الأميركية الخ....

كيف يمكن أن تقارب مصر هذا الطلب؟

- المقاربة الاقتصادية/ السياسية:

قد لا يكون لقيام مصر بإعفاء السفن الأميركية من رسوم المرور تأثير اقتصادي كبير، فالسفن التي تحمل العلم الأميركي تشكّل أقل من 1% من أسطول الشحن العالمي، حيث تُسجّل معظم السفن المملوكة للولايات المتحدة تحت "أعلام الملاءمة" (مثل ليبيريا وبنما وجزر مارشال) لتجنب ارتفاع التكاليف. 

زد على ذلك، أن السفن الأميركية التي تمر عبر قناة السويس تعد نسبة "ضئيلة جداً" من حركة مرور قناة السويس، وتتألف بشكل رئيسي من السفن العسكرية وحاملات الطائرات، لذا فإن مجموع ما ستخسره مصر من الإيرادات من إعفاء السفن التي ترفع العلم الأميركي هو حوالى 40 مليون دولار (بحسب ميزانية القناة في عام 2024).

وفي حسابات الربح المادي أيضاً، تعدّ مصر من أكبر الدول المتلقية للمساعدات الأميركية السنوية، خاصة العسكرية منها، والتي تقدّر بقيمة 1.5 مليار دولار سنوياً، وعليه فإن الإعفاء من رسوم المرور في قناة السويس، يعدّ قيمة بسيطة نسبياً في مقابل ما يحصل عليه المصريون من مساعدات من الإدارات الأميركية.

وعليه، قد تجد الحكومة المصرية من مصلحتها أن تمنح ترامب هذا الاستثناء للسفن التي ترفع العلم الأميركي، باعتبار أنه، من الناحية الاقتصادية، الموارد التي تتقاضاها مصر من تلك السفن قليلة جداً مقارنة بالأرباح السياسية والاستراتيجية التي يمكن أن تجنيها مصر من منح ترامب هذه "المعاملة التفضيلية".

- المقاربة القانونية:

تبقى هناك بعض العوائق القانونية، حيث تعمل هيئة قناة السويس بموجب "القانون الرقم 30 لسنة 1975"، الذي يحظر السياسات التمييزية، ويستمد قوانينه ونظامه من اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، والتي تعد حجر الزاوية في القانون الدولي الذي يحكم عمل ومرور السفن في قناة السويس. مع العلم أن مصر كانت قد أكدت التزامها باتفاقية القسطنطينية بعد تأميم القناة من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1956.

وتنص الاتفاقية على وجوب بقاء القناة مفتوحة لجميع السفن "من دون تمييز بين أعلامها" في السلم والحرب، وتُحظر المعاملة التفضيلية أو الإعفاءات من الرسوم لدول محددة، خاصة في المادة الثانية عشرة التي تنص: "لا يجوز للدول الموقّعة السعي للحصول على مزايا أو امتيازات إقليمية أو تجارية في عمليات القناة".

واستمر التزام مصر بتلك الاتفاقية حتى خلال فترة توقف القناة عامي 1967 و1975، حيث استمر تأكيد مصر لحياد القناة والتزامها بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي ترعى عمل القناة على الرغم من توقف العمل في القناة بسبب الحرب وتداعياتها. 

المشكلة القانونية هنا، قد تدفع بمصر إلى التريث في منح الأميركيين هذا الاستثناء أو الاعفاء من الرسوم، ليس بسبب الإشكال القانوني فحسب، بل لأن من الممكن أن تعمد دول أخرى الى طلب "معاملة تفضيلية" أسوة بالولايات المتحدة الأميركية، وهو أمر لن يستطيع المصريون تلبيته، لأنه يقوّض المصادر المالية التي يحصلون عليها من قناة السويس سنوياً.

في النتيجة، القانون الدولي يحظر منح إعفاءات ومعاملة تفضيلية، ويشير إلى أن الإعفاءات الممنوحة لدول محددة غير قابلة للتنفيذ قانونيًا بموجب اتفاقية القسطنطينية، ما يعني أن منح الأميركيين معاملة تفضيلية يعني انتهاك مصر لالتزاماتها بموجب المعاهدة.

لكن، بالرغم مما سبق، فإن سيادة مصر التامة على القناة، واستناداً إلى حق الدول السيادي في التصرف بالإيرادات وتوقيع اتفاقيات ثنائية تحفظ مصالحها الاستراتيجية ومنح امتيازات لبعض الدول دون أخرى، قد تدفع المصريين الى إعطاء ترامب ما يريده من معاملة تفضيلية للسفن الأميركية، وهو ما سيعلنه انتصاراً لسياسة "أميركا أولاً" التي يقوم بتنفيذها، لأن كلفة عدم القيام بذلك والاصطدام بترامب قد تكون كبيرة جداً.