ما الردّ الذي تتمناه "تل أبيب" من حماس!
تخشى أوساط يمينية صهيونية أنه إذا طُبِّقت خطة ترامب، فإنها "لن تهزم حماس أو تُلغيها كمنظمة عسكرية في غزة، بل ستُواصل فقط الضغط لإنهاء التهديدات بدلاً من معالجتها".
-
ينتظر كل من "تل أبيب" وواشنطن رد حماس على خطة ترامب بفارغ الصبر.
ينتظر كل من "تل أبيب" وواشنطن رد حماس على خطة ترامب بفارغ الصبر، لكن التقييم السائد لديهما هو أنها لن ترد بالنفي الكامل، بل ستقول "نعم، ولكن"، وهي خطوة ألمح إليها أيضاً رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قائلاً "إن خطة ترامب، وإن كانت تُحقق هدفاً محورياً هو إنهاء الحرب، إلا أنها تتضمن العديد من القضايا التي تتطلب توضيحاً ومزيداً من المفاوضات".
وكذلك فعل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي حين صرح أنه "يوجد في خطة ترامب الكثير من الثغرات التي نحتاج إلى سدها عبر مزيد من النقاش بشأن كيفية تنفيذها، خصوصاً ما يتعلق بالحكم والأمن"، مشيراً إلى أن "مصر تعمل بالتعاون مع قطر وتركيا لإقناع حماس بقبول الخطة الهادفة إلى إنهاء الحرب". لذلك، لا يزال من المبكر معرفة ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة، وإذا ما كان بالإمكان تطبيقه فعلاً في حال التوصل إليه.
ومع أن ترامب صرّح للصحافيين أن "لا مجال للتفاوض مع حماس على بنود الخطة"، إلا أن من المتوقع أن لا توصد الولايات المتحدة الباب أمام ملاحظات هنا وهناك إذا ما أبدت حماس موافقتها المبدئية على الخطة. ومع ذلك، تقدّر مصادر إسرائيلية، بما في ذلك مسؤولون إسرائيليون كبار، أن حماس لن توافق على أي اتفاق دون ضمنات في نهاية الحرب وجداول زمنية واضحة لانسحاب إسرائيلي كامل من غزة. ومن الصعب كذلك، وفق المصادر نفسها، تصور موافقة حماس على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين حالاً مقابل انسحاب إسرائيلي مؤجلٍ ومشروط!
ومع أن خطة ترامب تبدو كأنها حلم إسرائيلي سيتحقق، إذ من المفترض أن تُفرج حماس عن جميع الأسرى الإسرائيليين في بداية الصفقة، وأن لا ينسحب "الجيش" الإسرائيلي من قطاع غزة، وأن تتخلى حماس تماماً عن سلاحها وعن حكمها للقطاع، إلا أنها بالنسبة إلى نتنياهو، الذي يؤكد أنه لا ينبغي للخطة أن تخضع للتفاوض، وأن إجابة حماس عليها يجب أن تكون بنعم أو لا، سواء قالت حماس "لا" صريحة أو "نعم ولكن"، فإن النتيجة سيّان، وهو ما ينتظره ليدعي أن حماس "ترفض الاتفاق"، وخصوصاً أنه مطمئن اليوم إلى نتائج المناورة السياسية البارعة التي نفذها بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
وبخلاف المقترحات السابقة، فإن جديد مقترح ترامب هذه المرة هو أنه بنى تحالفاً عربياً إسلامياً في مواجهة حماس، التي لم تعد تواجه "إسرائيل" والولايات المتحدة وحدهما، بل تواجه جبهة عربية إقليمية موحّدة تضغط عليها للقبول بالصفقة، فإن قالت حماس "لا"، أو لم يُعجب ردها "إسرائيل" ولا الولايات المتحدة، فإن لدى "إسرائيل"، إضافة إلى الدعم الأميركي غير المشروط، رصيداً سياسياً عالمياً حاسماً يسمح لها بإنهاء المهمة عسكرياً.
لقد نجح نتنياهو وترامب في تجنيد العالم بأغلبه، الذي كان حتى قبل يومين فقط يطالب بوقف الحرب، إلى جانب موقفهما الذي يُحمِّل حماس كامل المسؤولية عن استمرارها. إلى جانب القطريين، هناك ائتلاف واسع من الدول العربية والإسلامية التي تدعم الخطة، بل وأعلنت عنها رسمياً، من الإمارات حتى تركيا، وقطر والسعودية وإندونيسيا وباكستان، هذه الحقائق تضع حماس في معادلة مواجهة 1 ضد 100.
والخلاصة أن الوضع السياسي لإسرائيل أفضل اليوم مما كان عليه قبل بضعة أيام فقط. إذاً، حتى لو رفضت حماس الخطة، وهو ما يسعى نتنياهو إليه، فإن لدى "إسرائيل" الدعم والشرعية لاستمرار حرب الإبادة على غزة. استطاعت "إسرائيل"، بعدما استجابت بالفعل لعرض ترامب، أن تنقل الكرة إلى ملعب حماس، التي أكدت أنها استلمت نص مقترح ترامب، وأنها لا تزال تدرس بنوده، وأنها طلبت من القطريين توضيحات عدة بشأن ضمانات بعدم استئناف القتال وجداول زمنية واضحة بشأن انسحاب جيش الاحتلال من القطاع.
ليس هذا فحسب، بل إن مصادر إسرائيلية ألمحت إلى أن من المحتمل أن الاتفاق تضمن بنداً يشجع حماس على الرفض، وهو البند 17 من خطة ترامب، الذي ينص على أنه: "إذا رفضت حماس العرض، فسيستمر التنسيق والمساعدة في المناطق الخالية من الإرهاب، والتي ستُنقل من سيطرة الجيش الإسرائيلي إلى القوة الدولية". بمعنى آخر، حتى لو رفضت حماس العرض، فسيُطبق الاتفاق في مناطق أخرى غير خاضعة لسيطرتها. في الواقع، يعني ذلك، وفق المصادر نفسها، نقل الإدارة إلى دول عربية، وتدفق المساعدات، وتقييد قدرة "إسرائيل" على العمل في هذه المناطق بسبب الوجود الدولي، وستتمكن حماس من استعادة قوتها.
قد تبدو خطة ترامب مُفصّلة وفق المقاس والشروط الإسرائيلية، لكن موافقة حماس عليها دون تحفظات ستكون قاسية على نتنياهو وحكومته، وخصوصاً بعدما انبرى شريكاه بن غفير وسموتيريتس لانتقادها علانية باعتبارها كارثة لأمن "إسرائيل" ولا تحقق أهداف الحرب التي حددتها الحكومة، وهما، باستثناء إعادة الأسرى الإسرائيليين، يعتبران أن الاتفاق "يتخلى عن أمن إسرائيل لمصلحة قوات دولية ويمنح عفواً لقتلة حماس".
كما أنهما يأخذان على الاتفاق أنه يتخلى عن "خطة التهجير، وضم الضفة الغربية، ويترك الباب مفتوحاً أمام احتمال إقامة دولة فلسطينية".
تخشى أوساط يمينية صهيونية أنه إذا طُبِّقت خطة ترامب، فإنها "لن يهزم حماس أو تُلغيها كمنظمة عسكرية في غزة، بل ستُواصل فقط الضغط لإنهاء التهديدات بدلاً من معالجتها"، فإذا نُفِّذت الخطة، ستكون "إسرائيل"، وفق مخاوف اليمين الصهيوني، مستعدة لإنهاء الحملة العسكرية كـ"جولة" أخرى، مع بقاء حماس في غزة، ومع عدم وجود ضمانات لنزع سلاح القطاع، ناهيك بخشية هؤلاء من انسحاب الجيش الإسرائيلي من معظم أنحاء قطاع غزة، وموافقة "إسرائيل" على إمكانية عودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة، وضخ مئات المليارات من أموال إعادة الإعمار في القطاع، وتشجيع سكان غزة على البقاء فيها بدلاً من خطة الهجرة الطوعية.
إضافة إلى ذلك، ووفقاً لتحفظات الرافضين للخطة في "إسرائيل"، ستكون منظمات الأمم المتحدة هي من سيُوصل المساعدات الإنسانية إلى غزة. وفي غياب الوجود الإسرائيلي، يُمكن لحماس استعادة السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية، كما هو الحال حالياً في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
لكنَّ هؤلاء الساخطين على نتنياهو لا يُهددون ولا يتخذون خطوات عملية لمنع الخطة، لأنهم يرون أن نتنياهو وافق عليها كمناورة سياسية فقط، مع علمه أن حماس على الأرجح سترفضها. ويعتقد هؤلاء أن الميزة المهمة لموافقة "إسرائيل" ورفض حماس المتوقع للخطة هي تعزيز شرعية استمرار الحرب لهزيمة حماس لدى إدارة ترامب وجزء غير يسير من العالم، وهو ما يصلي نتنياهو، وشركاؤه، ليحصلوا عليه من رد حماس!