مناصِرو مقلاع داوود... انقلعوا
يريدون لبنان يشبه الضفة الغربية؛ يريدونه مُحتلّاً بصمت، ذليلاً بلا مقاومة، يعيش على "تصاريح" من الاحتلال، ويتنقّل عبر الحواجز، ويقبض رواتبه من المانحين.
-
لبنان لن يكون إلا مقاوماً.
أن نقول إن مسقط رؤوس بعض أبناء جلدتنا "تل أبيب" فهذا ليس تهمة. هم مخلق منطق مع جزّارِها. يكاد هؤلاء يدعون لمقلاع داوود بالتوفيق في اعتراض صواريخ إيران. لو طُبِّق قانون مقاطعة "إسرائيل" لصار السجن الذي يحبسهم أكبر مقاطعة.
في هذه الأزمنة المنحدرة، يكاد العداء لـ "إسرائيل" يتحول إلى تهمة في لبنان. الدعاء لها بالنصر يكاد هو أيضًا يتحوّل إلى أمنية سيادية ممنوعة من الصّرف تحت طائلة خيانة "إسرائيل".
يتناسلون جرادًا، ويزدادون وقاحة، وبعض المنابر تستقبلهم فاتحين كـ"نبو خزنصّر"، ورعاعًا كـ"ماد ماكس" في الأفلام الأميركية.
ليسوا أبناء ضالين ولا مُضَلَّلين. هم أصحاب عقيدة "سلام" وبحبوحة التطبيع. يتكاثرون نكايةً بالشهداء وتشفيًا بأضرحتهم. سافرون بلا أقنعة، وخطيرون كالتهاب السخافة، يتسللون إلى الوجدان اللبناني. ما زال خطابهم في مرحلة "الرقراق"، والآتي منهم أعظم.
تنتابهم نَوبة "حكاك" عصبية من مفردة مقاومة. يتهمونها بالأذرع. يختلط عليهم الأمر بين الذراع والقلب. الله كم قاسٍ وسم الجثامين المنتشرة في لبنان بالأذرع؛ أذرع بترها الاحتلال متَّهمَة بأذرع لإيران. إيران ذراع الشهداء لا العكس.
يعيشون على فيتامين الحقد وبروتين الطائفية. يتغذون على التهمة ويقتاتون من زهور المقابر. رباه كم تخيفهم الفاتحة وكم تربكهم "السلام عليك يا مريم"! مريم التي يريدونها ناكرة لأبنائها. كل واحد من هؤلاء تسامحهم العذراء على مضض لولا عقيدة "أحبّوا أعداءكم".
يحبون القصف على الجنوب، ويكرهون القصف على "تل أبيب" قاصفة الجنوب. من احتلّ؟ من هجّر؟ من ارتكب المجازر؟ المقاومة! الردّ على العدوان يسمونه تصعيدًا واعتداءات "إسرائيل" يرونها دفاعًا مشروعًا عن النفس.
مشروع أخطر من المشروع الإسرائيلي لأنه تشريع له. صواريخ المقاومة خطر على لبنان، وصواريخ "إسرائيل" على لبنان حماية للبنان من اللبنانيين؟ أي لبنانيين هؤلاء! وأي لبنان لهؤلاء! عناقيد غضب "إسرائيل" دوالٍ يتفيّأون في ظلالها ويقطفون عنبها ويعصرونها كؤوسًا يشربون أنخابها نكايةً بأمهات الشهداء. بصحة العدو يقرعون الكؤوس.
يتشدّقون بكلمة “سيادة”، ويرون السياديين ساديين، ولا ينبسون ببنت شفة حين تنتهك طائرات العدو سماءنا... حين تُغتال شخصيات في قلب الضاحية والبقاع وبيروت!
يكرهون إيران ويحبّون أميركا. لا مشكلة لديهم مع أميركا التي عملت على تهجير المسيحيين وعلى نفي قياداتهم وسجن "زعمائهم". المنفيون والمعتقلون من هؤلاء رجعوا إلى حضن أميركا. كواهم الحليب وما زالوا ينفّخون على لبنها.
يتحدثون عن احتلال إيراني ويفرحون بقصف طهران وإضعاف آخر معقل لمواجهة "إسرائيل". دخلوا العصر الإسرائيلي الذي يعصرهم قبل عصر أي أحد آخر. بلادنا صارت ثكنة أميركية ومكتب مخابرات إسرائيلية وتراهم مغتبطين مسرورين مهللين.
يركّبون خطابًا ناعمًا. كلمات برّاقة: "الدولة، السلم الأهلي، الحياد، القرار اللبناني"، لكن مضمونها واحد: إسكات صوت المقاومة. تجريدها من مشروعها، من سلاحها، من شرعيتها وتقديم لبنان لقمة سائغة في مشروع تصفية القضية الفلسطينية.
أين كانوا يوم قصفت "إسرائيل" ملجأ قانا؟ أين صوتهم حين ارتُكبت المجازر في صبرا وشاتيلا؟ أين هم من مليون شهيد في العراق؟ من الحصار على سوريا؟ من الدم في اليمن؟ من العزل في غزة؟ من جثث الرضّع في مستشفيات رفح؟
هم يعرفون، لكنهم لا يريدون أن يعرفوا. لا يريدون أن يتذكّروا. الذاكرة الوطنية عندهم انتقائية. الوقائع تُفلتَر بحسب الأهواء، والعدو يُعاد تعريفه بحسب التوازنات الدولية. يرون في "إسرائيل" الواقع العقلاني، وفي إيران "الخطر الوجودي".
يريدون شطب فلسطين من أجندة لبنان، ويريدون طرد الجنوب من المعادلة. ركّزوا على الصواريخ التي تنطلق من لبنان وتغاضوا عن الصواريخ التي تساقطت عليه، وما زالت. يحسبون الخسائر الاقتصادية بسبب الحرب، ولا يحسبون الخسائر الوطنية بسبب الاستسلام.
يحذّرون من "ربط لبنان بمحور الممانعة"، لكنهم لا يحذّرون من ربطه بمحور الإذلال والتطبيع والتبعية. يريدوننا أن نعيش تحت القصف وأن نبارك "إسرائيل". يموت المسيحيون في كنائس سوريا والعراق وفلسطين، ولا يهمهم سوى الكنيسة القريبة. مسيحهم في الأبرشيات القريبة. بلا وطنية. بلا كرامة. بلا مقاومة.
يسألون دائمًا: إلى أين يأخذنا حزب الله؟ لكننا نسأل: إلى أين أخذتنا "إسرائيل"؟ إلى أين أوصلتنا أميركا؟ إلى أي خراب جرّنا رهانهم على الخارج؟
لولا المقاومة، لما خرج الاحتلال. لولا التضحيات، لما تحرّر الجنوب. لولا الردع، لكانت بيروت تحت القصف منذ زمن. يريدون لبنان يشبه الضفة الغربية: مُحتلّاً بصمت، ذليلاً بلا مقاومة، يعيش على "تصاريح" من الاحتلال، ويتنقّل عبر الحواجز، ويقبض رواتبه من المانحين.
يريدون “سلامًا اقتصاديًا” على حساب الأرض والكرامة. يريدون الغاز تحت الاحتلال والنفط قبل الانتماء والدولار قبل السيادة.
هم ليسوا ضد المقاومة فحسب. هم مع مشروع نقيض للمقاومة، مع مشروع "إسرائيل" الكبرى، ولو بأسماء لبنانية، وبلكنة عربية، وبدعم أجنبي.
خطابهم هو الوجه الآخر لصواريخ الاحتلال. مقالاتهم تُمهّد للقصف. مؤتمراتهم تُشرعن الاغتيالات. ظهورهم الإعلامي يُغطّي المجازر.
هم خطر، ليس لأنهم يتكلمون كثيرًا فحسب، بل لأن بعض الناس يصدقهم أيضاً، لأن بعض العواصم تموّلهم، لأنهم يُصوَّرون على أنهم "البديل". بديل الدولة؟ لا. بديل المقاومة؟ نعم. بديل الكرامة؟ نعم. لكننا نعرف أن الشعب الذي حرّر، لا ينسى. الشعب الذي واجه، لا يخاف. والمقاومة التي صمدت، لا تُهزم.
سيذهبون إلى حيث ذهب كل من سبقهم: إلى الظل، إلى الهامش، إلى أرشيف الخيانة.
في النهاية، لبنان لا يكون إلا مقاومًا، والمقاومة لا تكون إلا ضدّ العدو، مهما لبس هذا العدو قناعًا لبنانيًا.