جريديني في "شجرة الحياة": استلهام لشجرة وامتداد لتراث
في معرضها الحالي "شجرة الحياة" في بيروت، تكرّس ليلى جبر جريديني نزوعها بين التجدد، والتمسك بالجوهري مما يعزف على عاطفتها. "شجرة الحياة" هي شجرة جذبت اهتمامها وتمثّل الشجرة الضخمة الأفريقية المعروفة بالــ "بواباب".
-
ليلى جبر جريديني بين أعمالها الفنية
كطيارة ورق ممسوكة بخيط تنطلق في الفضاء الفسيح، وتعود إلى الجذور حيث انطلقت، هكذا هي الفنانة اللبنانية، ليلى جبر جريديني (1963). وإذا كانت هي الطيارة التي تتوسع أعمالها وإسهاماتها في بقاع مختلفة من الأرض، إلّا أن الخيط الذي يعيدها إلى الجذور- إلى حيث بدأت - هو طفولتها التي تترك بصماتها في أعمالها، وتتمايز بها راسمة خطاً فنياً معروفاً.
في معرضها الحالي "شجرة الحياة" في غاليري ربيز في بيروت، تكرّس جبر نزوعها بين التجدد، والتمسك بالجوهري مما يعزف على عاطفتها. "شجرة الحياة" هي شجرة جذبت اهتمامها وتمثّل الشجرة الضخمة الأفريقية المعروفة بالــ "بواباب" (Boabab)، ويوم تعرفت عليها، كما تقول، وقعت في حبها من "أول نظرة"، وهو الحب المرتبط بالطفولة التي تتمسك بها جبر في مختلف ممارساتها وأفكارها.
ليس أجمل من تكريس "الحبيب" بالفنّ وربطه بالجمال. هكذا راحت جبر جريديني تحوّل توقها الجديد للشجرة إلى لوحات فنية، عائدة إلى طفولتها في اختيار الوسط الذي شاءته للمعرض، وهو الصوف الذي طغى حضوره على غالبية أعمالها الحالية.
وللصوف حكاية طفولة خاصة مع ليلى جبر، يوم كانت طفلة تذهب رفقة والدها إلى مصنعه للنسيج، وكانت تُسعَد بما تراه، فظلّ خيط الصوف رفيق دربها من الطفولة حتى ما بعدها، تلجأ إليه لتكريس خاصيتها الفنية، تتألق به فنّاً، وتتفاعل به عاطفياً مع طفولتها، كلما دخل في أحد أعمالها.
وتتكرّس طفولتها في معرضها اليوم بالألوان الزاهية، الفرحة، وببساطة الشكل الذي رسمت به الشجرة الضخمة، ذات الجذع العملاق، والأغصان الصغيرة نسبة إلى حجمه، وكأن الشجرة خُصصت لتكون رمز طفولة فنان في زمن ما.
-
من المعرض
تروي جبر حكايتها مع الشجرة، وخلفيّات المعاني التي تكتنزها، فنظراً لشكلها الغريب، تقول أسطورة عربية إن: "الشيطان اقتلع شجرة الباوباب، وغرز أغصانها في الأرض، وترك جذورها في الهواء".
ثم تصف إعجابها بالشجرة - المخلوق الجديد الذي تعرفت عليه، ف"كان حباً من النظرة الأولى"، كما تصف مشاعرها، وتقول إنه لم يسبق لها أن صادفت اسمها إلا في كتاب طفولتها الذي ترك أثراً عميقاً في نفسها - رواية "الأمير الصغير" لسانت إكزوبيري.
ولشجرة الباوباب أهمية ثقافية في العديد من الثقافات الأفريقية، حيث تُعتبر "رمزاً للقوة، والحياة، والانتماء، وتُزرع في مناسبات حياتية مهمة للاحتفال أو لإظهار الاحترام، كالولادات أو لتكريم الأسلاف"، كما توضح.
تعترف جبر جريديني أن الشجرة قصة ألهمت "أحلام طفولة لا تُحصى، وحملت خيالي إلى آفاق مجهولة"، وتتساءل: "من كان ليتوقع أنني، بعد سنوات، سأُفتن بأشجار الباوباب التي اكتشفتها في زنجبار؟".
وتعود لتؤكد شغف الطفولة بالحب الأول، "اللحظة التي رأيتها فيها، تعرفت عليها غريزياً، رغم أنني لم أكن أعرف شيئاً عن نباتاتها المحلية". وتمضي في وله "الحب الأول"، وتقول: "سحرتني، وشعرت برغبة جامحة في اكتشاف ما يجعل أشجار الباوباب استثنائية إلى هذا الحد. هل كان حجمها الهائل، أم أشكالها المذهلة، أم الغموض الذي تثيره؟ ربما كان مزيجاً من كل شيء".
وتؤكد أن "الخياطة والنسيج والرسم بالألوان هي طريقتي لإبراز الجمال الساحر لهذه الأشجار المهيبة"، قبل أن تختم "كل قطعة فنيّة أنجزتها في هذه السلسلة تجسّد جزءاً من هذه القصة، آملةً تكريماً وحفظاً لإرث هذه الأشجار العتيقة".
-
جذع بواباب بنفسجي
كل اللوحات تجسيد للشجرة بطرق مختلفة، لكن غالبيتها تعتمد الصوف كمادة أساسية لها. منها لوحة "البنفسج" أكريليك وخيط صوف، جذع متباسق للشجرة، وأغصان صغيرة، و"بساط بواباب منحني" من صوف البساط، ومائية على ورق "بواباب 3"، وبواباب بري أكريليك على صوف، وبساط بواباب عمودي، وسواها.
يُذكر أن جريديني درست علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة السوربون، وعملت مصممةً لسنوات عديدة في كلٍّ من فرنسا والولايات المتحدة.
أمّا "بواباب - شجرة الحياة" فهو المعرض الفردي الرابع للفنانة مع غاليري جانين ربيز. كما شاركت في العديد من المعارض الجماعية مع الغاليري، وأقامت معرضاً مشتركاً مع فيرجيني قرم بعنوان "التراجع" عام 2014.
-
بساط بواباب عمودي
عُرضت أعمالها في لندن وباريس وبيروت، ومعرض بيروت للفنون، ومعرض بارالاكس للفنون، ودورتين لصالون الخريف لمتحف سرسق، حيث حصلت على "تنويه خاص من لجنة التحكيم" عام 2012.
تُعرض أحدث أعمالها في مجال النسيج في العديد من المجموعات البارزة.